ترغب بنشر مسار تعليمي؟ اضغط هنا

تسبر هذه المقالة أغوار الآفاقِ القانونية المّتصلة بتعاون الدول مع المحاكم الجنائية الدولية، و المحاكم ذات الطابع الدولي، آخذة بالحسبان أن نجاح تلك المحاكم في تحقيق الأغراض المنشودة من وراء اِستحداثها إّنما يتوقف أساسًا على مدى تعاون الدول معها، و هذا مرده اتِّصال عمل المحاكم المذكورة آنفًا بحكم الضرورة المستمدة من طبيعة الأشياء بهذه الدول سواء فيما يّتصل بإجراءات التحقيق و المحاكمة، أم بحسن سير العدالة بالعموم، و بالنظر إلى أن المحكمة الخاصة بلبنان هي المحكمة الأولى من نوعها في منطقة الشرق الأوسط، لذا عمدتِ المقالة للّتصدي لمسألة تعاون دول ذات المنطقة معها، و مدى التزامها بالقيام بذلك بشيءٍ من التفصيل، إذ بينما انطوى الاتفاق المّتصل بإنشاء المحكمة - و المبرم بين لبنان و الأمم المتحدة- على الإطار القانوني الّناظم للتعاون بينهما،كان تعاون لبنان و المحكمة أمرًا على قدرٍ كبيرٍٍ من الأهمية إذ إنَّه سيساعد المحكمة في تحقيق الأهداف التي لأجلها أُنشئت، و سيفسح الطريق لتأخذ العدالة مجراها، و كذلك تحقيق راحة نفوس ضحايا الجرائم التي تتوّلى المحكمة النظر فيها، و ذويهم، فضلا عن الإسهام في وضع حد للاغتيالات ذات الطابع السياسي التي تنهش في جسد بلد الأرز، ولك  ن قرار مجلس الأمن 1757 الذي أخرج محاكم الدولية المحكمة إلى حيز الوجود- سكت بخصوص التزام الدول الأخرى خلا لبنان بالتعاون مع المحكمة،و هذا مؤداه أن المحكمة سُتواجه بسيلٍ من العقبات والإشكاليات القانونية المتصلة بضمان الحصول على تعاون هذه الدول مع المحكمة، و الواقع من الأمر أن هذا سيؤثر في آلية عمل المحكمة، و مدى فاعليتها. إن عدم تعاون الدول الأخرى مع المحكمة يمكن أن يعرض الأخيرة لخطر لجوء المحكمة لمجلس الأمن لاستصدار قرارٍٍٍ يلزم الدول جميعها بالّتعاون الّتام مع المحكمة، و من ثَم احتمال تعرض الدول الممتنعة لخطر فرض عقوباتٍ اقتصادية أو إجراءاتٍ قسرية – و هذا الأخير مع أنه احتمالٌ بعيد إلا أّنه يظل في دائرة الممكن و الوارد و بالنسبة إلى سورية- و هي إحدى أهم الدول المعنية مباشرًة بالمحكمة- فإّنها التزمت شأنها شأن باقي الدول بالتعاون مع لجنة التحقيق الدولية المستقلة، أما فيما يتعلق بالمحكمة الخاصة بلبنان، فإن سورية كغيرها من الدول في حِلٍّ من أي التزامٍ بالتعاون و المحكمةِ الخاصة، فالأمر عائد لمحض تقديرها فإِن ارتأت التعاون فعلت، و إلا أحجمت، و قد أعلن الساسة السوريون أن بلادهم لن تتعاون مع المحكمة لأنَّهم غير معنيين بها، ولن يسلّم أي مواطنٍ سوري إلى المحكمة الخاصة بلبنان، بل سيحاكَم هذا الشخص المتهم أمام المحاكم السورية، و بموجب أحكام القوانين السورية، و لا تثريب عليها في ذلك لأن موقفها هذا إّنما يتفق و الثابت الراسخ من القانون الدولي، و المستقر في الممارسة الدولية..
تُعالج هذه المقالة الإشكاليات القانونية التي يثيرها الاختصاص الموضوعي للمحكمة الخاصة بلبنان، و الذي بالمقارنة بنظيره الخاص بالمحاكم الجنائية الدولية، و المحاكم ذات الطَّابع الدولي يقتصر على جرائم محلية في ظلِّ قانون العقوبات اللُّبناني، كما تتصدى الم قالة لدراسة جريمة الإرهاب في إطار القانون الجزائي اللبناني، و تتعرض لركنيها: المادي و المعنوي على اعتبار أن الإرهاب لم يصر بعد لتكييفه قانونياً على أنّه جريمة دولية، و مع تحقق الركنين: المادي و المعنوي للجرائم ضد الإنسانية في الجرائم الواقعة في إطار الاختصاص الموضوعي للمحكمة الخاصة بلبنان، فإّنه لم يتم تكييفها كذلك، و هذا يبدو أنّه عائد للنية المبيتة لدى مجلس الأمن في قصر اختصاصِ المحكمة على نظر الجرائم المنصوص عليها في القانون اللُّبناني، و منعها من بسط اختصاصها على الجرائم الأخرى التي اتَّخذت من التراب اللبناني مسرحاً لها، و خاصةً جرائم الحرب، و الجرائم ضد الإنسانية التي وقعت إبان العدوانِ الإسرائيلي الغاشم على بلد الأرز عام 2006 ، فضلاً عن رغبة مهندسي النِّظام الأساسي للمحكمة في جعل هذه المحكمة محكمةً وطنيةً بخصائص دولية، أكثر منها محكمةً دوليةً خالصةً، الأمر الذي سيعقِّد من مهمة المدعي العام للمحكمة، و لن يساعد البّتة في حلِّ الشَّكلِ القانوني المتَّصل بمسألة الحصاناتِ الموضوعية، و الشخصية للمسؤولين الرسميين..
mircosoft-partner

هل ترغب بارسال اشعارات عن اخر التحديثات في شمرا-اكاديميا