تمتاز القصيدة المعاصرة بالجرأة في الانزياح عن الأطر القديمة، و تحاول إبداع نماذج ترقى إلى تأسيس حساسية شعرية جديدة، و تتخذ في سبيل ذلك تقنيات و آليات متعددة، و منها تلك التي تؤسس لبنية إيقاعية تتمرد على المعايير الموسيقية التقليدية بما فيها من الصرام
ة في وحدة الوزن و القافية، و لا تستسلم لسطوة النموذج السائد، فتنتقل من مضمارها المعهود إلى ساحة تسيطر عليها جزئيات و تفاصيل دقيقة يستغل الشاعر مكوناتها في سبيل التخطيط لهندسة معمارية داخلية على علاقة وطيدة بالانفعالات النفسية، و الإيحاءات الدلالية، التي ترسم إحداثيات التوتر الإيقاعي المتناغم مع حركة النفس، و حركة الدلالات النصية، لذلك تتجه صوب حركة الداخل التي تنمو
و تتطور بفعل التواصل و التفاعل بين معظم مكونات النص، و نسيج علاقاته، من هنا يأتي البحث الراهن ليتتبع العوامل و المكونات التي تسهم في التشكيل الإيقاعي بعيداً عن المكون الخارجي المتمثل في الوزن العروضي و القافية، و يتخذ (البحث) لنفسه تقنية التكرار الحرفي نموذجاً للتطبيق، ليكشف عن أحد جوانب الإيقاع الداخلي، و مدى فاعليته في تشكيل البنية الإيقاعية العامة للنص، و ارتباط ذلك بالبعد الدلالي، للوقوف على العلاقة العضوية بين الدلالة الإيقاعية و الدلالة اللغوية، و استجلاء التمثيل الصوتي للمعاني، و إسهامها في إنتاج حركة النص الإيقاعية.
يتناول هذا البحث مفهوم مصطلح الإيقاع الداخلي أو الموسيقا الداخلية، و يطرح
بديلا أوصف منه متمّثلا في مفهومين هما الإيقاعات الرديفة و الإيقاعات البديلة. و هي
تكون رديفة حين يتوافر في العمل الأدبي وزن، و تكون بديلة حين لا يتوافر في العمل
عنصر وزن. و
قد رصد البحث عناصر الّتكرار و أنواعه التي أسهمت في صناعة هذا
الّنوع من الإيقاع غير الوزني، من خلال دراسة اثني عشر نمطًا من أنماط الّتكرار
و هذا يوضح مدى ما للتكرار من إسهام في صناعة هذه الإيقاعات. ثم يفرد البحث
عنوانًا خاصا للّتكرارات التي كانت تمثل شطرًا من علم البديع، و قد رصد منها سبعة
عشر نمطًا، ليخلص إلى أن ثمة اهتمامًا بهذه الإيقاعات البديلة و الرديفة في التراث
البلاغي العربي.