يتناول هذا البحث مفهوم النفس ضمن إطار الفلسفة الحديثة و الفلسفة المعاصرة، في محاولة لإيضاح دور هذا المفهوم في تشكيل أغلب المذاهب الفلسفيّة منذ المرحلة اليونانيّة و حتى المعاصرة، مروراً بالفلسفة الحديثة، و قد درسنا هنا تشكل هذا المفهوم في فضاء الفلسفة
الحديثة و المعاصرة، لتبيان مدى اهتمام الفلاسفة بهذا المفهوم و مدى ارتباط المفهوم ببلورة فلسفتهم، و لهذا يحاول البحث تقديم قراءة تتبعيّة لمفهوم النفس في سياق تاريخي تحليلي مقارن، ندلل فيه أن هذا المفهوم ما زال حيّاً في الفلسفة المعاصرة، و إن ظهر بمسميات مختلفة، كالعقل، أو الذهن، أو الشعور.. نستخلص من خلاله أهميّة مفهوم النفس في السياق الفلسفي، و الذي مازال يشغل حيزاً مهماً في تفكير الفلاسفة الحديثين منهم و المعاصرين، و من هنا تظهر عدة أسئلة منها، ما هي ثنائيّة النفس و الجسم؟ و كيف يمكن أن تكون النفس تركيباً منطقيّاً، أو عقلاً منبثقاً، أو شعوراً ذاتيّاً؟ سنحاول في هذا البحث الإجابة على تلك الأسئلة المطروحة و غيرها من الأسئلة التي ستظهر في سياق البحث.
أثر نقد سبينوزا للظاهرة الدينية و اتصالها بالإنسان؛ في المناخ الفكري للفلسفة الحديثة بشكل كبير، و لا سيما في مبحث فلسفة الدين الذي ظهر مع كانط فيما بعد، بحيث يمكن أن نعدّ فلسفة سبينوزا، الإرهاص الكبير الذي دفع بأبحاث كانط في هذا الاتجاه، متأثراً في ذ
لك بمنجزات البيئة الفكرية و الثقافية التي كانت سائدة في عصره، فمن برونو و ديكارت إلى كوبرنيكوس و غاليلي سار الاتجاه التحرري العقلي متقدماً في نقد المبادئ التي يقوم عليها الفكر الفلسفي و الطبيعي في القرن السادس و السابع عشر، لكن أياً من هؤلاء لم يمتلك الجرأة الفكرية لوضع الدين موضع النقد، في بيئة دينية غلب عليها طابع التشدد لمواجهة الخطر القادم في رجال الفكر.
في هذا الجو المشحون بالتعصب تناول سبينوزا بنقده أعظم مقدسات عصره: الكتاب المقدس، طبيعة الله، علاقة الإيمان بالعقل، مفهوم المعجزة، النبوة، الآخرة، بمنهج عقلي صرف، فوضع بذلك الظاهرة الدينية برمتها موضع إشكال يستوجب البحث و التدقيق عن مدى امتلاك الدين للحقيقة التي يدعيها، و مدى صلاحيته لتحقيق غاية الإنسان في الخلاص، و اتجه بذلك اتجاهاً فلسفياً جديداً أثمر ما بات يُعرف باسم فلسفة الدين.