شغل أدب الرحلة مكاًنا مميزا في أدبنا العربي لما يتصف به من جمع بين
الفائدة و المتعة، و رحلة العبدري نموذج من الآثار الأدبية التي وصلت إلينا من التراث
الأدبي الأندلسي و المغربي، و عملٌ فريد استطاع صاحبه (العبدري) أن يقدم فيه صورًة
متكاملة واضحة الم
عالم لجميع مظاهر النشاط العلمي في كلّ بقعة وطأتها قدماه في
المشرق و المغرب، و جعل من رحلته مرآًة صافية عكست ثقافته، و سعة اطلاعه،
و ملكته الأدبية، و موهبته الشعرية.
فهذه الرحلة وثيقة مهمة عن الحياة الثقافية في أواخر القرن السابع الهجري، إذ
بدأها العبدري في سنة 688 ه و أنهاها في سنة 691 ه، فكانت مصدرا للأدباء و العلماء
و المؤرخين لما ورد فيها من نصوصٍ أدبية، و نقدية، و مناظراتٍ علمية، و إشاراتٍ
تاريخية، كما أن المرتحلين الذين جاؤوا بعد العبدري، نهلوا منها، و نقلوا عنها كابن
.( بطوطة، وابن عبد السلام الناصري و غيرهما) 1
فالجانب العلمي فيها يستحق أن يلقى الضوء عليه، ليكون الدارسون و الباحثون
على معرفة بهذا الأثر الأدبي الذي ضم بين دفتيه كثيرًا من ألوان المعرفة و الثقافة.
هدف البحث إلى الكشف عن مكانة اللغة العربية التي عد انتشارها ظاهرة
عجيبة لن تتكرر في التاريخ - و أدبها شعراً، و نثراً في إيران؛ و خاصة جرجان التي
كانت صنو أصفهان في القرنين الرابع و الخامس الهجريين، حيث أسر الشعر العربي
قلوب الأدباء في جرجان التي
كانت موئلاً لمجالسهم الأدبية التي تجمع كبار المثقفين، و المفكرين، و الشعراء، و قد استقطبت بعضهم من المراكز الأدبية الأخرى، مثل الصاحب بن عباد القادم من أصفهان للقضاء على ملكِها، و أديبها، قابوس بن وشمكير، حيث ظهر تأثير الشعر العربي في شكله ، و مضموناته جلياً في الشعر الفارسي، و في الشعر العربي الذي نظمه الشعراء الجرجانيون باللغة العربية؛ لغة الحضارة، و العلم، و الأدب، و يعبر عن ذلك البيروني، بقوله: " الهجو بالعربية أحب إلي من المدح بالفارسية " .