يعد مفهوم العقلانية من أوفر المفاهيم الفلسفية حظاً فيما يتعلق بالاختلافات حوله، بل هو أشد المفاهيم عرضه للرفض أو النقد و التحليل، لذا فإن بحثنا محاولة في فض الإشكالية المتعلقة بضبط مصطلح العقلانية كمفهوم يشير إلى دلالات متعددة في حقبة الفلسفة الحديثة
، التي تعد التأسيس الحقيقي لما وصل إليه العالم اليوم في كل مناحيه الفكرية و العلمية و الاجتماعية.
و تبعاً لهذا السياق الاصطلاحي و المفهومي حاولنا في البحث التركيز على تاريخية مفهوم العقلانية من خلال نشأتها و تطورها كاتجاه في الفكر الأوروبي الحديث، بوصفه الحامل لأولية العقل، منطلقاً من عدة معانٍ متكاملة حيناً و متناقضة حيناً آخر، ليحمل بذلك دلالات متعددة، تتنوع بتنوع مجال استخدامه، و بشيء من التركيز حاولنا إبراز أهم المعاني التي يقال بها مصطلح العقلانية. علّنا بذلك نساهم في رفع الالتباس الذي لحق به، و الذي كان سبباً في غموض المصطلح، و بالتالي سبباً لتشويش فهمنا لفلسفة الحداثة.
تحتلّ طبيعة التقدم العلمي و عقلانية التغير العلمي موقعا مركزيا في فكر كارل
بوبر و توماس كُون. و يقدم هذا البحث تحليلاً للمناظرة التي دارت حول هاتين
القضيتين بين بوبر و كُون. وفقًا لذلك، صور كُون على أّنه متبن للّنزعة الذاتية
النسبية، في حين برز بو
بر فيلسوفًا واقعيا موضوعيا.
يتكون البحث من ثلاثة أقسام: يعالج القسم الأول موقف بوبر إزاء التقدم العلمي
و العقلانية، حيث إن للجانب القيمي دورا متأصلاً بارزا في فلسفته، في الوقت الذي
يدافع فيه عن الخصائص الموضوعية للحقيقة العلمية. و يسبر القسم الّثاني مفهوم كُون للعلم و العقلانية في العلم و التقدم العلمي الذي يعد نسبيا فقط استنادا إلى الّنموذج السائد.
أما القسم الثالث، فيقدم نقاشًا مقارنًا للقضايا الرئيسة المتعّلقة بالمناظرة بين بوبر
و كُون.
قامت ثورة الحداثة في الفنون التشكيلية بالعقلانية لبناء الشكل الفني الجديد، و بالحسية الانفعالية كأسلوب في الأداء الفني لتثبيت الصورة التشكيلية عيانياً في واقع الإنسان الفيزيقي، فكانت لوحة التصوير بياناً مادياً ملموساً لعقلانيات و أفكار ذهنية مجردة.
و العقل هو الذي يحرك الحواس الناقلة، و يحلل المعلومات الواردة عبرها، و يفسر معطياتها، و يستقرؤها، ثم بالمقارنة ينتج تعليمات جديدة تتضمن تغيير بنية الشكل الفني الواقعي و تحويله بواسطة الحواس من شكل محاكٍ لصورة طبيعية واقعية إلى
شكل جديد يستمد روابطه الجديدة من البنية العقلية للفنان التشكيلي وفاقاً لرؤيته الجمالية التي قدمها في مرحلة الحداثة.