مرويات القارة المتجمّدة أنتاركتيكا… أسرار أرادوا دفنها تحت الجليد
بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية بفترة وجيزة 1946، أطلقت الولايات المتحدة الأميركية أكبر رحلة استكشافية على الإطلاق في القارة القطبية الجنوبية، تحت اسم عملية "القفز العالي"، بمشاركة 13 سفينة و23 طائرة وأكثر من 4700 عسكري. وكُلف الأدميرال ريتشارد بيرد بقيادة هذه البعثة المهمة لمدة أربعة أشهر، ولم تكن هذه الرحلة مميزة فقط لحجمها الهائل، بل للأحداث الغامضة والمحيرة التي زعم أنها وقعت خلال المهمة، مما ألقى بظلال من السرية على البعثة.
وفي مذكراته، التي يُقال إن ابنه اكتشفها بعد وفاته، دوّن الأدميرال بيرد قصة استثنائية، فكتب شارحاً أنه بينما كان يُحلّق فوق القطب، لقي مشهداً مذهلاً وهو عبارة عن بيئة معتدلة وخصبة، تُشكّل تناقضاً صارخاً مع المناظر الطبيعية القاسية والمتجمدة التي تُميز القارة القطبية الجنوبية.
على مساحة تقدّر بنحو 14 مليون كيلومتر مربع أي ما يُعادل ضعف ونصف مساحة الولايات المتحدة الأميركية، تبسط أنتاركتيكا أو قارة القطب الجنوبي وجودها الذي يغطى بصفيحتين جليديتين يبلغ سُمكهما نحو أربعة كيلومترات في بعض الأماكن، وتُعد أنتاركتيكا موطناً لما يقارب 70 في المئة من المياه العذبة على كوكب الأرض و90 في المئة من جليد المياه العذبة على الكوكب.
لقد استُكشف القطب الشمالي بفضل قربه النسبي من الحضارات البحرية، بدءاً من عصر الاستكشاف في القرن الـ16 الميلادي، بينما ظلت الأرض الجنوبية المجهولة في قاع الأرض غامضة لفترة أطول بكثير، إذ أثبتت رحلات الكابتن كوك حول العالم في سبعينيات القرن الـ18 الميلادي أن المنطقة متجمدة وغير صالحة للسكن ومحاطة بطبقة جليدية كثيفة تبدو منيعة.
وعندما لم تعد ألغاز الشمال تُثير الاهتمام، تحوّل انتباه العالم جنوباً إلى القارة القطبية الجنوبية في تسعينيات القرن الـ19، فجأة بدت المنطقة وكأنها تحمل وعداً هائلاً بالبحث العلمي والمطالبة بأراض جديدة، وربما حتى استغلال الموارد المعدنية.
تلا ذلك عصر الاستكشاف البطولي الإمبراطوري العلني للقارة القطبية الجنوبية، الذي تحول إلى مناورات جيوسياسية أكثر سرية في منتصف القرن الـ20، وقد وصلت هذه القضية إلى ذروتها مع إعلان السنة الجيوفيزيائية الدولية عام 1957-1958، مما أدى إلى توقيع معاهدة أنتاركتيكا عام 1959، التي نزعت السلاح رسمياً من القارة وجعلتها محمية حصرية للنشاط العلمي.
استُكشف القطب الشمالي بفضل قربه النسبي من الحضارات البحرية (pexels-lara-jameson)
في ديسمبر (كانون الأول) 1938 حملت سفينة الاستكشاف الألمانية "شوابِنلاند"، بقيادة ألفريد ريتشر، طاقماً من 82 عالماً وضابطاً وفريق دعم إلى القارة القطبية الجنوبية، كانت مهمتهم جزءاً من هدف ألمانيا في تعزيز الاكتفاء الذاتي تحسباً للحرب، مع اهتمام خاص بدعم إنتاج زيت الحيتان للمنتجات القائمة على الدهون، كان الطاقم مزوداً بطائرتين للاستطلاع الجوي، واستولوا على الأراضي بإلقاء صلبان معقوفة معدنية على الجليد، ورسم فريق ريتشر خريطة لنحو 97 ألف ميل مربع من القارة، وأطلقوا على المنطقة آنذاك اسم "نيو شوابنلاند"، إلا أن السجلات الرسمية تؤكد أن الألمان لم يُنشئوا قاعدة دائمة في القارة القطبية الجنوبية، لكنهم أنهوا مهمتهم وعادوا إلى ديارهم في فبراير (شباط) 1939، حيث تقلصت الرحلات الاستكشافية الأخرى مع اندلاع الحرب العالمية الثانية، لكن ظهرت في هذا الوقت نظريات مختلفة تُشير إلى أن الألمان اكتشفوا كل شيء في هذه القارة، من بوابة إلى الجحيم فبوابة تؤدي إلى حضارة متقدمة داخل أرض جوفاء، لكن هذه النظريات، وإن كانت مثيرة للاهتمام، يقول مهتمون وباحثون في أنتاركتيكا أنها لا تزال غير مؤكدة.
بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية بفترة وجيزة 1946، أطلقت الولايات المتحدة الأميركية أكبر رحلة استكشافية على الإطلاق في القارة القطبية الجنوبية، تحت اسم عملية "القفز العالي"، بمشاركة 13 سفينة و23 طائرة وأكثر من 4700 عسكري. وكُلف الأدميرال ريتشارد بيرد بقيادة هذه البعثة المهمة لمدة أربعة أشهر، ولم تكن هذه الرحلة مميزة فقط لحجمها الهائل، بل للأحداث الغامضة والمحيرة التي زعم أنها وقعت خلال المهمة، مما ألقى بظلال من السرية على البعثة.
كان أحد الأهداف الرسمية للمهمة استكشاف مواقع محتملة لإنشاء قواعد عسكرية في أنتاركتيكا، مع تقدم رحلة الأدميرال بيرد الاستكشافية، زعم أنه عثر على شيء غير متوقع، وما يزيد الأمر إثارة للاهتمام هو فكرة أن السلطات الحكومية قد كتمتها، إذ وجدت محتواها مُقلقاً للغاية.
وفي مذكراته، التي يُقال إن ابنه اكتشفها بعد وفاته، دوّن الأدميرال بيرد قصة استثنائية، فكتب شارحاً أنه بينما كان يُحلّق فوق القطب، لقي مشهداً مذهلاً وهو عبارة عن بيئة معتدلة وخصبة، تُشكّل تناقضاً صارخاً مع المناظر الطبيعية القاسية والمتجمدة التي تُميز القارة القطبية الجنوبية.
لكن هذه لم تكن سوى بداية القصة الآسرة، فوفقاً لمذكرات بيرد، واصل رحلته وعثر بالصدفة على مدينة قوس قزح متلألئة، مبنية بالكامل من الكريستال، ولم تكن هذه المدينة تشبه أي شيء رآه من قبل، ومما زاد الأمر غموضاً أن طائرته وقعت فجأة تحت سيطرة قوى مجهولة، فلاحظ أجساماً طائرة على شكل أقراص تحيط به وقادته هذه الأجسام إلى الأرض، ومن ثم قادته إلى منطقة كهفية واسعة، حيث التقى بكائن أطلق عليه اسم "السيد".
وقد حرص الأدميرال بيرد على مشاركة قصته، لكنه قوبل بأوامر صارمة بالتزام الصمت، وروي أنه اقتيد إلى مجمع حكومي، حيث أُمر بصرامة ألا يُفصح أبداً عن الأحداث التي شهدها، وأُحيط كل ما يتعلق برحلته إلى أنتاركتيكا واكتشافاته اللاحقة بالسرية، تاركاً رحلة الأدميرال بيرد الغامضة محاطة بالكتمان.
أثبتت رحلات الكابتن كوك حول العالم في سبعينيات القرن الـ18 الميلادي أن المنطقة متجمدة وغير صالحة للسكن (exels-sergey-torbik)
بعد مرور عقد تقريباً على عملية "القفزة العالية"، وبعد تداول قصة لجوء الزعيم النازي هتلر إلى القطب الجنوبي واحتمائه به، أجرت الولايات المتحدة أواخر خمسينيات القرن الماضي ثلاثة تفجيرات قنابل ذرية في نصف الكرة الجنوبي، وكانت هذه التجارب جزءاً من عملية سرية عُرفت باسم "عملية أرغوس"، ويقال إن الهدف الرئيس منها كان دراسة آثار الانفجارات النووية خارج الغلاف الجوي للأرض، حيث ركزت الانفجارات على فيزياء الانفجارات النووية وتأثيرها في البيئة الخارجية للأرض، مثل الغلاف الأيوني والمجالات المغناطيسية.
ولكن وفي أعقاب كل ذلك، وبظل اشتداد توترات الحرب الباردة في خمسينيات القرن الماضي، أثار التسابق على المطالبة بالسيادة الإقليمية والسعي وراء الاكتشافات العلمية في أنتاركتيكا تساؤلات مهمة عدة، أولها هل يمكن للدول ذات المطالبات الإقليمية أن تبدأ بعسكرة أنتاركتيكا؟ وهل يمكنها استغلال مواردها؟ وهل يمكن أن تكون أنتاركتيكا ملكاً لأي جهة إذا طالبت بها؟
لذا عملت عدة دول معاً للإجابة عن هذه الأسئلة الملحة، وعُرف الاتفاق الناتج منها في ما بعد باسم "معاهدة أنتاركتيكا"، ففي الأول من ديسمبر 1959 وقعت معاهدة أنتاركتيكا في واشنطن العاصمة من قبل الأرجنتين وأستراليا وبلجيكا وتشيلي وفرنسا واليابان ونيوزيلندا والنرويج وروسيا وجنوب أفريقيا والمملكة المتحدة والولايات المتحدة، وكانت هذه الدول الـ12 هي الأطراف الاستشارية الأصلية، ودخلت المعاهدة التي حددت أنتاركتيكا كمنطقة للأغراض السلمية فقط حيز النفاذ عام 1961، ومنذ ذلك الحين نمت لتشمل 56 دولة موقعة و29 طرفاً استشارياً.
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وفي عام 1988 تفاوضت أطراف معاهدة أنتاركتيكا على اتفاق لتنظيم أنشطة الموارد المعدنية في أنتاركتيكا، الذي ستنظم أنشطة الاستخراج التجارية في القارة، إلا أن حكومات عدة أطراف أشارت إلى أنها لن تدخل هذا الاتفاق حيز النفاذ، ولضمان سد الثغرات التنظيمية المتعلقة بالنشاط المعدني في أنتاركتيكا، كانت المملكة المتحدة من الدول الرائدة في وضع بروتوكول جديد لحماية البيئة، جرى التفاوض عليه وإنجازه في غضون عامين.
وينص البروتوكول البيئي على أن تلتزم الأطراف بالحماية الشاملة للبيئة في القارة القطبية الجنوبية، واصفاً القارة القطبية الجنوبية بأنها محمية طبيعية مخصصة للسلام والعلم، كما حددت المبادئ لحماية البيئة، إضافة لحظر جميع الأنشطة التجارية المتعلقة بالموارد المعدنية، على أن يطلب إجراء تقييم الأثر البيئي لجميع الأنشطة قبل السماح لها بالمضي قدماً، وقد طبقت الدول الأطراف في اتفاق القطب الجنوبي البروتوكول البيئي في تشريعاتها الوطنية، كما سنّت بعضها قوانينها المحلية الخاصة، ففي المملكة المتحدة طُبق البروتوكول الذي احتوى على ستة ملاحق من خلال قانون أنتاركتيكا 1994.
إضافة إلى ذلك أنشأ البروتوكول البيئي لجنة حماية البيئة لتسهيل التعاون وتبادل المعلومات بين الدول حول القضايا البيئية في القارة القطبية الجنوبية وتقديم المشورة المتخصصة لاجتماعات المعاهدة القطبية الجنوبية الاستشارية السنوية، وتعتبر اللوائح المنصوص عليها في البروتوكول البيئي ملزمة قانوناً لجميع الأطراف الموقعة.