إرادة وطنية كبيرة لخطة اقتصادية صغيرة
المشهد

تشير التقديرات النقدية في الاقتصاد السوري إلى أن فائض السيولة لدى القطاع المصرفي قد وصل إلى حوالي (3) تريليون ليرة سورية في نهاية عام 2020، وهذا الفائض يمثل الفرق بين إجمالي الإيداعات وكل أنواع الإقراض لدى المصارف العامة والخاصة معاً.

يبدو الرقم كبيراً جداً بالنسبة لحالة الاقتصاد السوري الراهنة، لكن غرابة الرقم تكمن في التناقض الحاصل بين حاجة الاقتصاد السوري الشديدة إلى المزيد من الاستثمارات من أجل الإنتاج، وبين حبس تلك المبالغ الهائلة في الجهاز المصرفي دون ضخها في مشاريع إنتاجية والاستفادة منها، أي أنه أشبه باللغز النقدي/ الاقتصادي، فالمورد متوفر لكن استخدامه معطل.

والسؤال الآن: ماذا لوكان هناك سياسة اقتصادية حقيقية من أجل إعادة ضخ تلك الأموال في الاقتصاد على مدى (3) سنوات مثلاً؟

ماذا لو اجتمعت وزارات المالية والاقتصاد والتجارة الخارجية والشؤون الاجتماعية والعمل والإدارة المحلية والبيئة وبالتعاون مع البنك المركزي ومؤسسة ضمان مخاطر القروض للمشروعات الصغيرة والمتوسطة معاً ووضعت سياسة وطنية لتشغيل هذه الأموال؟ بحيث تقوم تلك السياسة الوطنية على إقراض الأفراد من أجل تمويل مشاريع إنتاجية في الريف أو المدينة على السواء، مع التركيز على المناطق ذات الحاجة لإعادة الإعمار، وذلك على الشكل الآتي:

يتم وضع الضوابط والتسهيلات المصرفية اللازمة لتلك العملية، من قبل المصرف المركزي ووزارة المالية على أن تكون أيسر ما يمكن لتشجيع الاقتراض الإنتاجي.

تقوم وزارة الإدارة المحلية والبيئة عبر الوحدات الإدارية بتحديد أولويات المشروعات المحلية في كل بلدية، ويقع على عاتق وحدات الإدارة المحلية (البلديات) متابعة تنفيذ تلك المشروعات والتأكد من أن الأموال المقترضة صُرفت في مشاريع إنتاجية لا على حاجات المقترض الشخصية.

تلعب وزارة الاقتصاد والتجارة الخارجية من خلال هيئة تنمية المشروعات الصغيرة والمتوسطة التابعة لها دوراً أساسياً في تحديد أولويات المستفيدين وتدريبهم على إدارة وتنمية مشروعاتهم.

يأتي دور وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل من خلال تنظيم شروط العمل وفق قانون العمل بكل ما يتضمن من حقوق تتعلق بالعمل وظروفه وتغطيه بالتأمينات وغيرها من بقية حقوق العمل.

يؤدي الجهاز المصرفي العام والخاص التقليدي والإسلامي دور الممول المباشر لتلك المشروعات بعد اعتماد تلك المشروعات من قبل هيئة تنمية المشروعات الصغيرة والمتوسطة ولا ضمانات إلا ضمانة المشروع ذاته.

وتؤدي مؤسسة ضمان مخاطر القروض للمشروعات الصغيرة دورها في ضمان تلك المشروعات وفقاً لسياستها في تقديم الضمانات.

وعليه يمكن أن يتم تحديد قيمة كل قرض بمبلغ (50) مليون ليرة سورية لاعتماده كرأسمال لمشروع صغير أو متوسط، وربطه بتشغيل عدد عمال معين وليكن (5) عمال كحد أدنى في كل مشروع.

ماذا ستكون النتيجة بعد (3) سنوات؟

ستكون الـ(3) تريليون ليرة سورية قادرة على تمويل (60) ألف مشروع صغير ومتوسط في الاقتصاد، برأس مال (50) مليون ليرة لكل مشروع وبمعدل (20) ألف مشروع سنوياً.

ستكون الـ(60) ألف مشروع قادرة على تشغيل (300) ألف شخص بشكل مباشر، عدا عن فرص العمل غير المباشرة المرتبطة بها.

ستعيل تلك المشروعات حوالي (60) ألف أسرة سورية بالحد الأدنى على اعتبار أن متوسط عدد أفراد الأسرة الواحدة هو (5) أشخاص.

سوف يزيد الإنتاج الوطني ويتم تغطية السوق بسلع جديدة، وقد يكون بعضها سلع استهلاك شعبي تغطي مناطق محلية واسعة.

سوف تشتغل العمالة المحلية، وتنخفض معدلات البطالة في الاقتصاد، وتتراجع معدلات الفقر، وتتحسن دخول الكثير من الأفراد والأسر.

سيستعيد الجهاز المصرف تلك الأموال مجدداً مع فوائد إقراضها، وبالتالي ستتعزز إيراداته أكثر، ويمكن إعادة توظيفها في قروض مشابهة مرة ثانية.

ستستفيد وحدات الإدارة المحلية من الرسوم والضرائب المفروضة على تلك الأنشطة مما يوسع قدرتها على تمويل الخدمات المحلية أكثر.

وأخيراً: سيكون هناك حالة من التشاركية الوطنية (عام – خاص – أهلي) في إدارة تلك الأموال مما يعزز أدوار كل الجهات الفاعلة فيها ويحملها مسؤولية تجاهها.

إنها مجرد خطة بسيطة جداً لكنها تحتاج إلى إرادة وطنية كبيرة جداً.

هاشتاغ سيريا

أعلن في شمرا

الأكثر قراءة