حرب باردة مفتوحة-بقلم: منهل ابراهيم

حرب الغرور والطقوس السياسية الباردة.. حرب من يظن نفسه أنه القطب الأوحد.. حرب الشتاء السياسي التي تدير فصولها حرباء ذات ألوان مختلفة بدم بارد من جحرها الأبيض.. إدارات تتعاقب كما الفصول لكنها تحافظ على فصل وحيد.. فصل الجمود وسط قطبها المتجمد والحوارات السياسية التي تطفو على السطح لكنها سرعان ما تدفن بين جليد أميركي يقصي أي ظروف حارة تخدم ذوبان القطع الكبيرة من الأزمات سواء في البر أو البحر أو حتى الجو والفضاء… ولعل فترة دونالد ترامب أكثر جموداً من الفترة الحالية… والسبب ليس ترامب بالمطلق.

الديمقراطيون في فترة حكم ترامب كانوا مهووسين بالغوص في بحار الحصول على السلطة وانتزاعها من براثن رئيسهم.. خالفوا أمر القرصان دونالد تلبية لرغباتهم الجامحة في السعي للإطاحة به فأخرجوا فزاعة (رشا غيت) (التدخل الروسي المزعوم في الانتخابات الأميركية) التي نسفت أي خطوط للقاء مع موسكو ورسمت شبح رحى حرب طاحنة بين الأقطاب العالمية تحديداً على الرقعة الأوكرانية.

الجمهوريون اليوم تنحوا واستلم الدفة الديمقراطيون وأصبحت (رشا غيت) من الماضي السياسي لهم تماشياً مع الظروف الراهنة.. ولقاء القمة في جنيف بين الرئيسين الروسي فلاديمير بوتين والأميركي جو بايدن.. دليل على تغيير العقل الأميركي الديمقراطي .. طبعاً ليس تغييراً جذراً بل تغييراً مرحلياً وفق الظروف وهو لم يخرج من العقلية الباردة بكل ما للكلمة من معان ودلالات.

نحن بالطبع لسنا أمام شهر عسل روسي أميركي.. وبايدن والليونة التي يظهرها في بعض كلامه المعسول تختبئ خلفها رياح باردة قد تهب في أي لحظة.. ولا سيما أن حلف (الناتو) الحليف له في وضعية المتأهب والمتحفز للقفز ويكشر عن أنيابه العسكرية تجاه روسيا وعلى مقربة من حدودها بين الحين والآخر.
موسكو تعرف في قرارة نفسها أن واشنطن لا تلتزم بوعودها ومعاهداتها وبمقدور العقل الأميركي وبكل برودة أن يضحي بسنوات من الود والإيجابيات في علاقاته السياسية والعسكرية من أجل نزواته العابرة وحساباته الضيقة.. ولذلك يبدو أن الحذر الروسي بلغ الأوج ولن تقبل روسيا بأي شكل من الأشكال التفريط بثوابت سياستها.. ومن السذاجة بواشنطن التفكير أن موسكو ستجعل بسهولة من خطوطها الحمراء خضراء أمام خصومها.

العقل الروسي ليس بالعقل البارد وهو ما يميز السياسة الروسية التي دوماً تحافظ على الهدوء والتروي حتى لا تتدحرج كرة اللهب في العالم.. وهذا ما أرادت موسكو قوله في القمة الأخيرة مع واشنطن.. أرادت تلطيف الأجواء لإذابة المزيد من كتل الجليد الأميركية المتراكمة منذ حقب طويلة.. لكننا نبقى في الصورة العامة والواضحة أمام حالة حرب باردة مفتوحة لا ندري متى ينتهي فصلها.

أعلن في شمرا