الفنانة منى واصف

في صباح الثاني من شباط، المزة، دمشق، في منزلها الدافئ الذي يشبه في دفئه و"كنكنته" تفاصيل البيوت الدمشقية الغارقة بالذكريات، والحنان، ما يشبه بضع من دمشق وأهلها.

استقبلتنا السنديانة الدمشقية منى واصف، بلقاء رحب يغنيه التواضع والحب، وجلست بالقرب منا، وجل ما شغلني أثناء حوارها، تفاصيلها الصغيرة الكبيرة جداً، يداها التي تشبه أيدي جميع الأمهات، وتصفيفة شعرها التي لم تتخلى عنها منذ أن عرفنا السيدة منى واصف، وصوتها الذي يأخذك إلى الزمن الذي تتحدث عنه.

بدأ الحوار الذي استمر لأكثر من ساعة ونصف، أخذتنا به إلى أرشيف حياتها، ذكرياتها، إلى تلك المرأة التي بنت نفسها بنفسها.

الفصل الأول.. "الاتفاق على احترام منى واصف"

عبرت السيدة منى عن سعادتها التي غمرت قلبها باحتفال الجمهور بعيد ميلادها معلقةً: "المرحلة التي وصلت إليها عادةً يخاف الفنان منها، ولكن أنا "عم حبها".

وتابعت:" لا أعلم ما السر الذي يجعل الناس تتفق على احترامي، ولكن من الممكن أنهم وجدوا أن مسيرة حياتي كامرأة والعطاء الذي قدمته يستحق هذا الاحترام، وخاصة أنني كنت "لوحدي" دون أن اتكل على أحد، بالرغم أن زوجي كان مدير المسرح العسكري، وهو ضابط، الأمر الذي دفعني للجلوس في المنزل لمدة عام كامل، باعتبار أن القانون كان يمنع الزواج لعسكري من "فنانة وأجنبية" وأنا جمعت الاثنتين".

الفصل الثاني.."حينها عرفت أني أحب التمثيل"

خلال السنة التي جلست بها في المنزل عرفت أنني أحب التمثيل، وكانت غلطة زوجي شاهين الوحيدة هي السماح لي بالعمل بمسرحية "تاجر البندقية" مع الدكتور رفيق الصبان، في ندوة الفكر والفن، مع مجموعة شباب مسرحيين، وهي كانت الهدية التي منحني إياها قبل الجلوس بالمنزل، حينها عرفت أني لا أستطيع التخلي عن التمثيل.

وأهداني المخرج الصبان "بلوفر" أنا وأختي هيفاء التي كانت تذهب معي إلى المسرح.

وأضافت:" عندما كنت صغيرة كنت أحلم أن أكون "ملكة، فراشة" وتحققت على المسرح، وحينها عرفت ماذا أريد، ولكن لم يكن هناك ما أستطيع فعله".

ولكن حين انتقل زوجي إلى ملاك مدني، ولم أكن أعرف بذلك، ولم يخطر ببالي بأنه تغير، سمح لي بالتمثيل بالأعمال في الفنون الدرامية المسرحية فقط.

وعندها بقيت لعامين كاملين أمثل بالمسرح، وبعضها كان يصور للتلفزيون، وفي أواخر الـ1965 ضمت الفنون الدرامية للمسرح القومي، وحينها "امسكني لو استطعت "، حيث بدأت بالعمل بشكل أكبر بالمسرح، وأثناء حملي عام ١٩٦٦ كنت حاملاً بابني عمار، أديت ثلاث مسرحيات، "طرطوف موليير، وموتى بلا قبور، ولكل حقيقته"، كما عرضنا بالمحافظات، وبيروت.

والجميع كان يناديني "الآنسة منى"!

الفصل الثالث.. منى واصف: "كل صفاتي عسكرية ولم أنتبه لذلك"

تقول الفنانة منى واصف: "بنظام حياتي، مواعيدي، وكل ما أقوم به أنا عسكرية، وخاصة أن أمي كانت قاسية، وزوجي كان ضابطاً ما جعل صفاتي تتشكل منها"

وروت القصة التي جعلتها تدرك بأن هذه الصفة ملاصقة لها عندما سمعتها للمرة الأولى عند تصوير "أوراق الزمن المر" في بيروت للمخرج نجدة أنزور، حيث كان التصوير في بيت المنتجة، وحينها اقترحت أن أجلس في منزلها باعتباره كبير.

تروي السيدة منى واصف:" كنت استيقظ قبل ساعتين من التصوير وانتظر موعد البدء.. سمعت مرة واحدة من العاملات لديها.. تسألها: "فاق العسكري"؟"

ولكن لم أكن أشعر بهذا الشي، ولكن حينها أدركت فعلاً أني احمل هذه الصفة.

الفصل الرابع.. "لا تشبهني أي شخصية أديتها"

عند سؤالها عن أكثر شخصية جسدتها تشبهها، علقت:" في جملة قالتها "أم ورد" وهي "لا اترك وطني" ولم أقولها، واعتقدوا بأنها أنا لأنها قريبة مني ولكن في الحقيقة لا تشبهني أي شخصية أديتها".

وتتابع: "لكن أعمالي المسرحية هي الأقرب لشخصيتي، هي صنعت بداخلي شيء "معملق بداخلي" لا أعرف ما هو.. الشعور بأني "ملكة" على المسرح لا يضاهي أي شعور آخر، ومن الـ 66 أطلقوا لقب "سيدة المسرح".

الفصل الخامس.. نقطة ضعف منى واصف

كشفت واصف أن نقطة ضعفها والشيء الوحيد الذي تخجل به والذي تندم عليه لليوم هو: "أني لم اسمع كلمة أمي وأكمل تعليمي، ما دفعني لأثقف نفسي وأقرأ الكثير من الكتب".

ولكن تخليت عن هذا الخجل عندما تصارحت مع الواقع بأن هذه حياتي، وكثير من الكبار لم يكملوا تعليمهم مثل حنا مينا.

الفصل السادس.. "ما بترك الشام، ما بقدر هاجر"

وصفت واصف الواقع الحالي الذي نعيشه بأنه يشبه كل الحروب التي حصلت، ويحدث ما نراه اليوم، ولكن لا يبقى بشكل دائم، وسيكون هناك الأفضل مع الوقت، معلقةً: "أنا من أتباع الأمل وبكرا أحلى وعانيت من صعاب كثيرة بحياتي خلال آخر 10 سنوات ولكن استمريت.."

وتابعت: "ولكن لا شك أن الفقر زاد والسرقات كثرت وهناك مفسدين، ولكن لا يمكن أن نهاجر، وبنفس الوقت الوطن لا يمكن مغادرته عندما يفقد الكهرباء، وأحزن عندما أرى صف السيارات على البنزين والناس المنتظرة، ولا أستطيع أن أنفصل عن واقعي، والكثير من الناس تلجأ لي وتتحدث معي وتشكي لي.. وأنا اسمع لهم..

الفصل السابع.. " ألجأ لوشاح الصوف والمدفأة عندما تنقطع الكهرباء"

وعن كيفية تعاملها مع ساعات التقنين والبرد قالت واصف: "متلي متل هالناس، استخدم مدفأة الغاز عندما تنقطع الكهرباء، وبحال عدم توفر الغاز، الجأ لوشاحي وغطاء الصوف، وبضع من الملابس، ولا أنسى" طاقية الصوف"، وخاصة بأني أصبحت بعمر كبير".

الفصل الثامن.. المشهد الذي أعيد

كشفت واصف أنها قليلة جداً المشاهد الرئيسية التي تعاد، حيث تقوم بـ "بروفة" مرة ومرتين للحصول على الملاحظات من المخرج حول المشاهد، باعتباره رب العمل.

ولكن مشهد صرخة "أسعد الوراق" هو الذي أعيد لمرتين، باعتباره كان يعتمد على ثلاث كاميرات، وكانت رحلة تصوير العمل طويلة جداً وكواليسه جاءت بالاعتذار عدة مرات نتيجة عرض فيلم "الرسالة" عليها من مصطفى العقاد، وسفرها لبيروت، ولكن كان هناك شيء قدري حال دون أن تؤدي هذه الشخصية.

الفصل التاسع.. الفشل أيضاً يصنع الفنان وليس النجاح فقط

روت الفنانة منى واصف أنها فشلت كثيراً في بداياتها وأدت أدواراً وأعمالاً لم تنجح ولكن كانت تعمل بها على أساس أنها مهمة وستنجح، ولكن ليس النجاح فقط يصنع الفنان، والفشل يصنعه أيضاً، وبكل سنوات ترد أعمال جيدة وغير جيدة، معلقةً: "نحن مرآة للحياة الواقع الذي نعيشه والظروف التي نعيشها، وخاصة الاقتصادية منها تلعب دوراً كبيراً بالتأثير بالواقع"

وأكدت أنها لليوم تخاف عند تأدية أي شخصية أو عمل تجسده أكثر من السابق، وتهتم بمحبة الناس.

وقالت: "ولليوم لا أنام عندما يكون لدي مشاهد أو عمل، وأضع النص بالقرب من وسادتي وأقرأه مئة مرة، لحتى اطمن من كلام المخرج".

الفصل العاشر.. منى واصف والأمومة

السؤال الأول الذي تسأله منى واصف في أي عمل يعرض عليها: "مين ولادي"

وقالت واصف أنها تشعر بالأمومة وتتذكر ابنها عمار في جميع المشاهد التي تؤديها، وشعرت بأنها أم حقيقية قصي خولي في عدة مشاهد مسلسل" الولادة من الخاصرة" بشكل كبير، أما تيم حسن تشكلت حالة إنسانية بينهما خلال العمل المشترك على مدى الأربع أجزاء بمختلف أجواء التصوير، إلى جانب أنها معجبة بأدائه بشكل كبير منذ تجسيده لدور من إخراج الراحل حاتم علي وهي المرة الأولى التي رأته بها وهنأته على عمله، وأضافت: "تيم مميز جداً ولازم نفتخر فيه".

الفصل الأخير.. الرحيل محزن جداً، ومحظوظون لأن عشنا في زمن حاتم علي

عبرت السيدة منى واصف عن حزنها الشديد لرحيل حاتم علي، قائلةً: "حاتم ما زال حاضراً معنا لليوم، واسمع صوته للآن، ولم نبعد كثيراً عن بعض، وكان "العراب" من أربع سنوات هو آخر عمل جمعنا، ولم أتوقع أن أحزن بهذا الشكل على غيابه، ولكن المبدعين أصبحوا قلائل جداً، ونحن محظوظون لأننا عشنا في زمن حاتم علي الذي وصل للناس من خلال أعماله التي جمعت الشفافية والمواضيع المطروحة، حتى الزير سالم قدمه بطريقة مختلفة"

وروّت واصف كواليس تواصلها مع الراحل، حيث كانت منتظرة منه أن يتواصل معها لأداء دور معه وخاصة أنها أعجبت بأعماله قبل أن تجسد أي دور معه واستغربت تأخره عن التواصل معها، وعندما اتصل بها هاتفياً ليعرض عليها دور في "عصي الدمع" كان ردها: "كنت عم استناك لحتى تقلي "، مضيفةً: "ما بعرف كنت حاسة أنو تأخر لحتى قلي.

أما بمسلسل "العراب"، كان السؤال الأول الذي طرحته على المنتج: "مين ابني؟".. وقال لي: حاتم علي"، وخلال جزئين كان ابني..

وعلقت: "هو الأقرب لأن يكون مثل ابني ونهاية القصة كانت برحيله إلى المجهول هو آخر ما رأيته به.."

هي منى واصف، ما تسمعه بصوتها لا اعتقد أنك تنساه بسهولة، وكما قال أحدهم: "الحياة تبدأ من منى واصف"، وحين لقاءك بها ستلمس ذلك الأمر حتماً. 

شام إف إم - شام درويش 

أعلن في شمرا