قمة بالغة التعقيد- بقلم: منهل ابراهيم

من يرسم اللوحة هو الشخص الوحيد القادر على تفسير تعبيرها ومدلولاتها وكذلك الأمر في عالم السياسة فما تراه أعين المراقبين وتسمعه آذانهم من تصريحات صادرة عن الأقطاب الكبرى في العالم قد يكون في جملته مخالفاً تماماً لحقيقة المشهد الذي سيجري ويتم ترتيب قواعد اللعبة على أساسه.

وإذا غصنا في تفاصيل اللوحة السياسية الجديدة القادمة التي ترسم ملامح قمة روسية أميركية يختلف الكثيرون في قراءة ما سيرافقها وينجم عنها من أحداث.. نرى الفوضى السياسية والعسكرية عارمة وهي تعكر صفو القمة التي تبدو ملامح لوحتها التشكيلية معقدة على ضوء جملة من الأحداث التي تحيط بها.. فهناك خطط عدوانية واضحة للعيان يطورها حلف (الناتو) ويتدرب عليها ضد روسيا.. في استعداء صريح لموسكو يراه الأطلسي طويل الأمد قد يمتد لعقود.

ناهيك عن أن أجندة الولايات المتحدة لا تتوافق مع أجندة روسيا في الاجتماع المرتقب بين الرئيسين فلاديمير بوتين وجو بايدن.. ومن هذه الزاوية ستبرز المشاكل والعقد التي ستواجهها الدولتان خلال المباحثات… من لوحة أوكرانيا التي تبدو مشوشة مع مرونة اليد الروسية في رسم ظلال اللوحة وتعنت العقل الأميركي في القبول.

وحين ننظر لوجه القارة العجوز نرى بوضوح تجاعيد وعبوساً في الوجه الروسي وهذا يُضحك الوجه الأميركي الذي من مصلحته إبقاء حالة التنافر بين موسكو والاتحاد الأوروبي.. وطبعاً سلوكيات أوروبا بتقوية حالة التنافر مع روسيا ومحاولة تشديد العقوبات عليها تعزز من غبطة واشنطن…واللوحة هنا ملامحها سوداوية للغاية…ما لم تغير أوروبا تلك السلوكيات وتعيد رسم مشهد جديد.

وحين ننظر إلى الصين وإيران كجزء من المشهد نفكر بشكل منطقي أن أميركا تريد من روسيا التخلي عن علاقاتها مع الدولتين والانضمام للركب الأميركي المعادي لهما ونسف عرى الدبلوماسية وقواعد السيادة من جذورها وهذا فخ كبير لا تقع فيه دولة محنكة سياسياً ودبلوماسياً مثل موسكو.

باختصار تريد واشنطن رسم لوحة على ذوقها السياسي والعسكري يقرؤها الجميع وتتم من خلالها الإشارة إلى أخطاء الأخرين في العلاقات الدولية ما يسمح لواشنطن التنصل من كل الأخطاء والفوضى التي تجري في أوروبا والعالم.

في اللوحة السياسية القادمة وعلى طاولة القمة وبدقة في التعبير سنرى هدوءاً في قلب عاصفة وسكينة وسط رياح عاتية وبرود في قلب بركان.. قد تتغير الكثير من قواعد اللعبة وهناك الكثير من القضايا والملفات بين الولايات المتحدة وروسيا… لكن كل طرف ينظر إليها من منظوره الخاص فعين موسكو ليست كعين واشنطن وخصوصاً في مواضيع مثل مكافحة الإرهاب والحد من انتشار الأسلحة النووية.

في القمة المرتقبة سيتوجب على بايدن أن يقرر ما إذا كانت واشنطن ستحارب بسيفها البارد على أكثر من جبهة أم ستجنح للعقلانية والسلام.. ويبدو أن روسيا لا تتوقع أي اختراقات نوعية من لقاء بايدن بوتين وهي تدرك أن خصومها يزدادون ضعفاً يوماً بعد يوم وخصوصاً في الجانب الاقتصادي.. وهذا ربما يعجّل في كسب روسيا اللعبة العالمية التي تبدو بالغة التعقيد.

أعلن في شمرا