الولايات المتحدة الأميركية

بعد عام من وصول جو بايدن إلى سدة الرئاسة، تتجه أنظار الأميركيين بشكل خاص، والمجتمع الدولي بشكل عام، إلى وعوده التي أطلقها خلال حملته الانتخابية. هل استطاع بايدن تحقيق هذه الوعود أو فشل؟ 

العام الأول من رئاسة بايدن.. انجازات واخفاقات

يخوض الرئيس الأميركي جو بايدن أزمات سياسية داخلية وخارجية منذ وصوله إلى سدة الرئاسة، ويواجه استحقاقات مفصلية، كان أبرزها هذا العام انسحاب بلاده من أفغانستان، ومفاوضات فيينا بشأن الاتفاق النووي، عدا عن الاقتصاد الأميركي المهتز وجائحة كورونا. 

أكثر الصور المعبرة عما حققته الولايات المتحدة خلال احتلالها الذي استمر 20 عاماً لأفغانستان، هي تلك التي تصور الأميركيين والمتعاونين الأفغان يحتشدون في مدرج المطار في اليوم التالي لاستيلاء حركة "طالبان" على العاصمة كابول. 

يركض الأفغان خلف طائرة تابعة للقوات الجوية الأميركية، ويتشبثون بها عند إقلاعها، ويسقطون بشكل مأساوي. تعكس تلك الصور اليأس والفوضى لدى الأفغانيين الذين تعاونوا مع الاحتلال لسنوات.

يعتبر الانسحاب عاراً على الإدارة الأميركية بعد 20 عاماً من إزاحة "طالبان" عن السلطة. كانت سيطرة الحركة على الحكم مرة جديدة نتيجة سيئة، بالنظر إلى التكاليف الهائلة للحرب، وحجم الدمار والخسائر في الأرواح بين المدنيين وقوات الأمن الأفغانية التي فشلت واشنطن أيضاً في تدريبها لمواجهة "طالبان"، وفقاً لمعهد "بروكينغز" الأميركي للأبحاث.

هذا أيضاً ما اعترف به رئيس الأركان الأميركي مارك ميلي في قوله إن بلاده خسرت "الحرب" في أفغانستان، واصفاً إياها بـ"الفشل الاستراتيجي".

وأمر بايدن في نيسان/أبريل الماضي بالانسحاب الكامل للقوات الأميركية من أفغانستان بحلول 31 آب/أغسطس الماضي.

وفي ظل هذا الفشل الموصوف للحرب الأميركية في أفغانستان وتداعيتها، حاولت إدارة بايدن إبعاد اللوم عنها، إذ قال الرئيس الأميركي أنه "ورث اتفاق انسحاب القوات الأميركية من أفغانستان من سلفه دونالد ترامب"، لكن الأميركيين لم يقبلوا ذلك، وفق موقع "ذا دايلي واير" الأميركي الذي أشار إلى أن الأميركيين يعتقدون أن استيلاء حركة "طالبان" على أفغانستان هو خطأ الرئيس جو بايدن، وليس خطأ سلفه دونالد ترامب. 

بعد ما يقارب عاماً على ولاية الرئيس بايدن، لا تزال العودة إلى الاتفاق النووي "بعيدة المنال"، بحسب "واشنطن بوست"، على الرغم من أن الرئيس الأميركي تعهد في حملته الانتخابية بإعادة إحياء الاتفاق النووي.

قدمت إيران للقوى الأوروبية مسودات منقّحة بشأن رفع العقوبات والالتزامات النووية. ووضع كبير المفاوضين الإيرانيين علي باقري كني مجموعةً من المطالب، بما في ذلك الإلغاء الفوري لجميع العقوبات المفروضة في عهد ترامب، وضمان عدم انسحاب أي إدارة مستقبلية من الصفقة مرة أخرى. وقال لموقع "ميدل إيست آي" إن "الكرة في ملعب أميركا". 

الجولة السابعة من مفاوضات فيينا

لا ترغب الولايات المتحدة في رفع العقوبات عن إيران، ومن المستحيل أن يتعهد بايدن بأن الإدارة المستقبلية لن تلغي أي اتفاق، وفق ما ذكرته صحيفة "واشنطن بوست" الأميركية.

وفي الوقت نفسه، تحاول "إسرائيل" إفشال المفاوضات، وتضغط على واشنطن للتخلي عنها، وتهدد باستخدام الخيار العسكري إذا رُفعت العقوبات.

اقترح المسؤولون الأميركيون النظر في خيارات أخرى في حال لم تؤدِ المفاوضات في فيينا إلى أي اتفاق. ووفق "واشنطن بوست"، يمكن أن تتضمن خطة "ب" المحتملة زيادة العقوبات، بما في ذلك استهداف مبيعات النفط إلى الصين، وعمليات تخريب برنامج إيران النووي أو العمل العسكري، إلا أنَّ العقوبات الأميركية واسعة بالفعل، إلى درجة أن التهديد بالمزيد يفقد ميزته. يظهر استطلاع للرأي أجرته جامعة ماريلاند في آب/غسطس وأيلول/سبتمبر، أن 3 من كل 5 إيرانيين يعتقدون أن الولايات المتحدة فرضت بالفعل عقوبات على إيران إلى أقصى درجة ممكنة.

لذا، إذا انهارت المحادثات، سيزداد خطر التصعيد العسكري، وفق "واشنطن بوست"، وقد يؤدي دعم الولايات المتحدة لأي عمل عسكري إسرائيلي إلى تورط الولايات المتحدة في صراع أوسع يشمل كل دول المنطقة. 

أيضاً، يجب الأخذ في الاعتبار أن الجمهور الأميركي عموماً لا يملك رغبة كبيرة في المشاركة العسكرية في أماكن أخرى حول العالم، وخصوصاً في أعقاب الانسحاب من أفغانستان. أضف إلى ذلك أن الصراع مع إيران من شأنه أن يصرف الانتباه عن أولوية إدارة بايدن في المنافسة مع الصين.

من جهة أخرى، يمكن أن تشكل الصين أيضاً تحدياً كبيراً بالنسبة إلى أميركا، إذ توجّه طهران سياستها الخارجية تجاه شرق آسيا. وفي السنوات الأخيرة، عززت الصين علاقاتها مع إيران، وأصبحت مستورداً رئيسياً لنفطها، ودخلت في اتفاق استراتيجي كبير، الأمر الذي يمثل تهديداً لأميركا، لأنه سيحرر إيران والصين من الضغوط الأميركية المستمرة تجاههما. 

شهد عهد الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب تصاعداً للتوترات مع الصين، ووصلت العلاقات بين البلدين إلى أدنى مستوياتها في ذلك الوقت، مع بلوغ الحرب التجارية ذروتها، وفرض واشنطن عقوبات على شركات التكنولوجيا الصينية.

في التعامل مع الصين، أشار بايدن بعد تنصيبه رئيساً للولايات المتحدة إلى أنه ليس في عجلة من أمره للابتعاد عن سياسات إدارة ترامب، ولكن في اليوم نفسه، أشار مساعدوه إلى أن الرئيس خطط لاتخاذ نهج متعدد الأطراف من خلال حشد دعم الحلفاء الغربيين لتعظيم نفوذ واشنطن على بكين.

حتى اليوم، لم يحصل أي تغيير في مسار العلاقات المتوترة بين البلدين، رغم انعقاد قمة افتراضية بين الرئيس الصيني والأميركي الشهر الماضي.

القمة التي استمرت أكثر من 3 ساعات، وناقشت عدداً من القضايا الخلافية بين الطرفين، وفق مستشار الأمن القومي الأميركي جيك سوليفان، لم تنتهِ بأي اتفاقيات ملموسة أو بيان مشترك حول القضايا التي تؤثر في العلاقة. 

وجاءت القمة بعد مكالمات هاتفية للزعيمين في شباط/فبراير وأيلول/سبتمبر الماضيين، وسط نذير بحرب باردة جديدة، إذ تعزز بكين قدراتها العسكرية والاقتصادية بسرعة.

القمة بين الرئيسين الصيني والأميركي في تشرين الثاني/نوفمبر 2021،

وفي هذا السياق، قالت صحيفة "فورين بوليسي": "على الرغم من الانفراج الذي حدث في أحدث قمة للأمم المتحدة بشأن تغير المناخ في غلاسكو، فإنَّ العداء بين القوتين العظميين في العالم واصل النمو، وقامت الطائرات المقاتلة الصينية بعدد قياسي من الرحلات الجوية فوق تايوان في الأشهر الأخيرة، ولم تتضاءل التوترات التجارية".

وسبق القمة بين الزعيمين قيام مكتب الممثل التجاري للولايات المتحدة التابع للحكومة، وهو مسؤول عن تطوير السياسة التجارية الأميركية وتعزيزها، بنشر وثيقة في تشرين الأول/أكتوبر، تحت عنوان النهج الجديد لإدارة بايدن-هاريس للعلاقة التجارية بين الولايات المتحدة والصين، قال فيها إن الهدف ليس تصعيد التوترات التجارية مع الصين أو مضاعفة استراتيجية الإدارة السابقة المعيبة.

ويمثّل الخلاف حول تايوان أهم بؤر التوتر العسكري بين الجانبين مؤخراً، في ظلّ إشارات أميركية إلى التدخل في حال إقدام الصين على اتخاذ خطوات عسكرية ضد تايوان، إضافة إلى الحرب التجارية والصراع التكنولوجي السيبراني.

قال الرئيس جو بايدن إن الولايات المتحدة حققت "تقدماً تاريخياً" في الاقتصاد في الأشهر العشرة الماضية، وأكد أن بلاده "تشهد أقوى انتعاش اقتصادي في العالم". 

وبالفعل، تشير الأرقام إلى أن الاقتصاد الأميركي استمر في النمو، إلا أن جزءاً كبيراً من الانتعاش حدث في عهد الرئيس السابق دونالد ترامب. ويعتبر هذا الانتعاش أقل من العديد من الاقتصادات الكبرى، بما في ذلك المملكة المتحدة والصين والهند، وفقاً للبيانات التي جمعها صندوق النقد الدولي.

هذا الواقع الاقتصادي المتراجع في الولايات المتحدة أنتجته مجموعة من الأحداث والوقائع التي تركت أثرها في الاقتصاد. وينسب البعض في أميركا الأثر الكبير لهذه الأحداث إلى سياسات بايدن التي كانت قاصرة عن مواجهة تداعيات كورونا وتحقيق النمو المطلوب. هذه الأزمات تمثلت بـ :

دافع كبار المسؤولين في الإدارة الأميركية عن سياسات بايدن الاقتصادية، وحمّلوا جائحة كورونا المسؤولية عن الارتفاع الكبير في الأسعار، في وقت تتراجع نسب التأييد للرئيس في ظل ازدياد مستوى التضخم.

بلغ التضخم نسبة غير مسبوقة منذ 30 عاماً في تشرين الأول/أكتوبر الماضي، فيما أثر ارتفاع أسعار في جميع السلع، من أغراض البقالة، وصولاً إلى الغاز، سلباً في ثقة المستهلكين.

وفاجأ ارتفاع التضخم بنسبة 6.2% الشهر الماضي خبراء الاقتصاد والبيت الأبيض على حد سواء، ووجدت إدارة بايدن نفسها في وضع اضطرها إلى الدفاع عن نفسها، في وقت كانت تفضّل التركيز على مشروع قانون البنى التحتية الذي أقرّه الكونغرس الأميركي بقيمة 1.2 تريليون دولار، والذي طرحه بايدن.

لكنّ هذا الانتصار الكبير لبايدن عبر إقرار الكونغرس مشروع البنى التحتية لا يزال ناقصاً، لأنّ مجلس النواب لم يقرّ خطة أخرى ضخمة طرحها الرئيس للاستثمار في المجالين الاجتماعي والمناخي.

وأظهر استطلاع جديد أجرته "واشنطن بوست"، بالاشتراك مع "أيه بي سي"، أن معدلات تأييد بايدن تراجعت بشكل قياسي إلى 41%، على خلفية القلق الشعبي المتزايد حيال طريقة إدارته للاقتصاد.

حاول بايدن مواجهة البطالة في الولايات المتحدة، وقال إن الاقتصاد الأميركي "خلق 5.6 مليون وظيفة قياسياً" منذ أن أصبح رئيساً. ووفقاً لمكتب الولايات المتحدة لإحصاءات العمل، أضاف الاقتصاد الأميركي 5،583،000 وظيفة حتى تشرين الأول/أكتوبر. 

بلغت نسبة البطالة في أميركا في نيسان/أبريل من العام الماضي أعلى مستوى لها منذ الكساد الكبير في الثلاثينيات

هذا هو أكبر عدد من الوظائف التي تم إنشاؤها في الأشهر العشرة الأولى لأي رئاسة منذ أن بدأت السجلات في العام 1939، لكن نمو الوظائف هذا يأتي من نقطة أساسية منخفضة، بالنظر إلى أن نسبة البطالة بلغت في نيسان/أبريل من العام الماضي أعلى مستوى لها منذ الكساد الكبير في الثلاثينيات، إذ فقدت أكثر من 22 مليون وظيفة في غضون شهرين بسبب تأثير فيروس كورونا.

ارتفعت أجور العمال في الولايات المتحدة بنسبة 4.9% في تشرين الأول/أكتوبر مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي، لكن كلفة المعيشة آخذة في الارتفاع أيضاً، ما يعني أن المزيد من الأموال التي يكسبها الناس يتم إنفاقها على السلع اليومية، ولا سيما الغذاء والوقود، إذ ارتفعت كلفة معيشة الأميركيين بنسبة 6.2% خلال العام الماضي، وهو أعلى ارتفاع منذ 3 عقود.

لاقى قرار بايدن استخدام احتياطي النفط الاستراتيجي انتقادات من الأحزاب السياسية والجهات المعنية. وجاء الإجراء وسط القلق المتزايد داخل البيت الأبيض بشأن التضخم مع ارتفاع أسعار الوقود والسلع الاستهلاكية المختلفة. وعزت إدارة بايدن ارتفاع أسعار البنزين إلى عدم مواكبة إمدادات النفط العالمية الطلب المتزايد في جميع أنحاء العالم مع تعافي الاقتصاد من جائحة كورونا.

ومع ذلك، أدت القرارات الأخيرة إلى تذبذب الآراء بين السياسيين، الذين رأوا أن هذه الخطوة ستترك أثراً محدوداً في أسعار البنزين. وقد واصل الحزب الجمهوري الاستفادة من القرار، وإلقاء اللوم على سياسات البيت الأبيض في ارتفاع معدلات التضخم. ويرى الجمهوريون أن إعلان بايدن الإفراج عن مخزون النفط الإستراتيجي بالتنسيق مع الصين والهند واليابان وكوريا الجنوبية لن يحل الأزمة بين العرض والطلب، بحسب موقع "غرين واير".

وبعد إعلان بايدن، ارتفعت أسعار النفط الخام بنسبة 1%، وظهرت شائعات بأن "أوبك+" تعدل خطط زيادة الإنتاج، بحسب موقع "فوكس بيزنس".

وفي الحزب الديمقراطي أيضاً، لاقى قرار بايدن خلافاً بين الأعضاء، إذ انضم بعضهم إلى الجمهوريين في التشكيك في سياسات الإدارة.

التغيرات الكاسحة والمقلقة في سياسة الهجرة واللجوء ميّزت إدارة ترامب. وبالتالي، ركّزت الجهود الأولية على إدارة بايدن في المقام الأول على عكس الضرر. 

في الشهر الأول من ولايته، وقع الرئيس بايدن على 12 إجراءً تنفيذياً حددت جدول أعماله الخاص بالهجرة، لكن القضايا المستمرة، مثل الأزمة الإنسانية في بلدان المثلث الشمالي بأميركا الوسطى، وآثار تغير المناخ الناشئة، ووباء كورونا، استمرت في دفع المهاجرين إلى حدود الولايات المتحدة، وأعاقت التفاؤل بشأن تحسين سياسة اللجوء.

لاجئون عالقون تحت جسر في ولاية تكساس بعد عبورهم الحدود من المكسيك. أيلول/سبتمبر 2021.

وفي المناخ، عاد بايدن مجدداً إلى اتفاقية باريس للمناخ بعد فترة وجيزة من توليه رئاسة الولايات المتحدة، التي خرج سلفه ترامب منها، إذ كان قد تعهد "بجعل مكافحة التغيّر المناخي على رأس أولوياتها".

كما وقّعت الولايات المتحدة على التزامات بشأن الوقود الأحفوري خلال مؤتمر الأطراف للمناخ (كوب 26)، من شأنها وقف تمويل مشاريع مصادر الطاقة الأحفورية التي لا تترافق مع أنظمة احتجاز الكربون بحلول نهاية العام 2022. إلا أنَّ استخدام النفط الاستراتيجي ومطالبة بايدن دول "أوبك" بزيادة الإنتاج يناقض خطوته حيال المناخ، إذ إن لها تداعيات خطرة وطويلة الأمد على البيئة.

في الوقت نفسه، أمام بايدن 3 سنوات أخرى للتعافي، وخصوصاً إذا استطاع تحصيل بعض المكاسب في السياسات والتشريعات.

أعلن في شمرا