هل يحتاج العالم إلى خدمة إنقاذ فضائية؟

المصدر : INDEPENDENT | الأثنين , 01 كانون الأول | : 42

دعوات "حالمة" لإطلاق وحدة إنقاذ خاصة بالأوضاع غير المتوقعة لرواد الفضاء العالقين في المحطات الدولية بغض النظر عن هويتهم والمهمات التي يتبعون لها.

حال الفضاء العالمي في الوقت الراهن التي يمكن وصفها بالتنافسية الشديدة وفي ظل عسكرة الفضاء لا تبشر بالخير في هذا الشأن

أطلق كتاب صحافيون متخصصون بالفضاء دعوة يمكن وصفها بـ"الحالمة" لإطلاق خدمة إنقاذ عاجلة لمساعدة رواد الفضاء العالقين، وتزايدت الدعوات إلى إطلاق خدمة إنقاذ فضائية يُمكنها مساعدة رواد الفضاء المحتاجين في الوقت المناسب، أياً كانت الدولة التي يمثلونها، لكن حال الفضاء العالمي في الوقت الراهن التي يمكن وصفها بالتنافسية الشديدة وفي ظل عسكرة الفضاء لا تبشر بالخير في هذا الشأن.

وضعان غير متوقعين في الفضاء العالمي لكنهما حدثا خلال فترة وجيزة، ثلاثة رواد فضاء في مهمة "شنتشو 21" الصينية علقوا أخيراً في محطة تيانغونغ الفضائية لـ10 أيام، وقبلهم اثنان من رواد الفضاء الأميركيين علقا في سبتمبر (أيلول) 2024 في محطة الفضاء الدولية (ISS) ضمن مهمة لـ"ناسا"، مما أدى إلى زيادة الدعوات إلى إطلاق خدمة إنقاذ فضائية يمكنها مساعدة رواد الفضاء المحتاجين في الوقت المناسب، أياً كانت الدولة التي يمثلونها.

فهل يحتاج الفضاء العالمي خدمة إنقاذ عاجلة لمساعدة رواد الفضاء العالقين؟ ومن جهة ثانية نسأل: هل يتوافق تكرار هذه "الأوضاع غير المتوقعة في الفضاء" مع أحلام البشرية وجهود الدول العظمى في غزو الفضاء واستعمار الكواكب القريبة منا؟

في مهمة إنقاذ دراماتيكية وغير مسبوقة، أرسل صاروخ مركبة "شنتشو 22" الفضائية نحو محطة تيانغونغ الفضائية الصينية في مدار أرضي منخفض، وعادة ما تنقل مهمات "شنتشو" ثلاثة رواد فضاء إلى محطة تيانغونغ الفضائية، إذ يمكثون مدة ستة أشهر، على رغم ذلك فإن مركبة "شنتشو 22" غير مأهولة، لأنها ستكون وسيلة العودة لسكان المحطة الفضائية الثلاثة الحاليين.

يشارك هؤلاء الرواد في مهمة "شنتشو 21"، التي وصلت إلى تيانغونغ ليلة عيد الهالوين، لكن المركبة الفضائية التي صعدوا عليها اختفت بالفعل، فقد جرى تشغيلها لنقل أسلافهم، ثلاثي "شنتشو 20" إلى الوطن في الـ14 من نوفمبر (تشرين الثاني) الجاري.

وتناقلت مواقع علمية أميركية هذه الأحداث الصادمة ضمن أخبار الفضاء العالمي، إذ نوهت مقالات لكتاب متخصصين في هذا المجال ووكالات أنباء عالمية أخيراً، إلى أن مهمة "شنتشو 22" انطلقت في الساعة 11:11 مساءً بتوقيت شرق الولايات المتحدة الإثنين الـ24 من نوفمبر الجاري، وفي متابعة حثيثة للحدث نقلت تلك المواقع منظراً بعيداً لصاروخ أبيض ينطلق من موقع صحراوي، وذلك في تسجيل للحظة إطلاق صاروخ لونغ مارش 2F/G مهمة "شنتشو 22" غير المأهولة إلى محطة تيانغونغ الفضائية، مؤكدة أنه "لن يبقى رواد الفضاء الثلاثة الصينيون عالقين في المدار فترة أطول".

على عكس ما حدث في مهمة "شنتشو 21"، كانت هناك مركبة فضائية واحدة في الأقل تعمل كـ"قارب نجاة" مُتصلة دائماً بمحطة الفضاء الدولية خلال مهمة "ناسا"، ولكن من جهة أخرى، من الملاحظ أن الفضاء الصيني نجح في استعادة رواد الفضاء الثلاثة في مدة أقصر بكثير من المدة التي احتاج إليها الفضاء الأميركي للقيام بذلك في سبتمبر 2024 في محطة الفضاء الدولية (ISS) مما يعكس بدوره نقطة القوة في الفضاء الصيني، وهي السرعة في الأداء والتقدم بقوة في جميع مجالات هذا القطاع، وهذا هو سر خوف الفضاء الأميركي من الفضاء الصيني تحديداً، إذ تتمتع الصين بموارد مالية وكفاءات بشرية وخبرات قادرة على تغيير مسار الفضاء في اللحظة الملائمة.

على رغم ذلك فلا تظهر الصين بمستوى عالٍ من الأداء في مهمات الفضاء المأهولة بشرياً مقارنة بقطاع الفضاء الأميركي الخاص ممثلاً بـ"سبيس إكس" و"بلو أوريجن"، ولا حتى مقارنة بـ"ناسا"، فرحلات الفضاء المأهولة بشرياً هي المقياس الدقيق لمدى تطور الدول والشركات الخاصة في هذا المجال، إذ كشف تنفيذ هذه المهمات تحديداً عن تقدم الولايات المتحدة الأميركية وروسيا على الصين في هذا المجال، وهذه المهمات هي التي ستحسم صراع غزو الفضاء المحموم في العالم لاستعمار الكواكب القريبة من الأرض والسيطرة على ثروات ومقدرات الفضاء في المستقبل القريب.

وبينت متابعات الصحافيين المهتمين بهذا الشأن أنه كان من المفترض أن يغادر رواد "شنتشو 20" تيانغونغ في الخامس من نوفمبر الجاري، لكن عمليات التفتيش كشفت عن وجود صدع في نافذة مركبتهم الفضائية، نتيجة واضحة لاصطدامها بقطعة من الحطام الفضائي، ولذلك أجل مسؤولو الفضاء الصينيون مغادرة الطاقم لتحليل المشكلة، ثم اعتبروا في النهاية أن مركبة "شنتشو 20" غير آمنة لنقل رواد الفضاء إلى الأرض.

يصف واحد من هؤلاء الصحافيين الوضع عشية إطلاق مركبة الإنقاذ فيقول: وهكذا، على مدى الأيام الـ10 الماضية، كان رواد الفضاء في "شنتشو 21" في وضع محفوف بالأخطار إلى حد ما: فإذا تعرضت محطة تيانغونغ لمشكلة خطرة، فلن تكون لديهم وسيلة لإخلائهم بأمان. ويضيف بشيء من التفاؤل: لكن هذا على وشك أن يتغير، فإذا التحمت "شنتشو 22" بمحطة تيانغونغ كما هو مخطط له بعد نحو أربع ساعات ونصف الساعة من الإطلاق، فسيُكمل رواد فضاء "شنتشو 21" ما تبقى من مهمتهم التي تستمر نصف عام على متن المحطة.

وصرح مسؤولو الفضاء الصينيون بأن المركبة الفضائية المتضررة ستبقى في المدار فترة حتى إجراء بعض التجارب، لكنهم لم يُعلنوا بعد عن جدول زمني لمغادرتها، وبعد أن يكمل رواد الفضاء العالقون مهمتهم بأمان سيحل محلهم رواد فضاء "شنتشو 23" الثلاثة، ومن المتوقع إطلاق رحلتهم في أبريل (نيسان) 2026، فيما سيتعين على كبسولة "شنتشو 20" المغادرة قبل وصول "شنتشو 23" إفساحاً في المجال لمنصة الالتحام.

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

تأتي محنة "شنتشو" في أعقاب قصة أخرى عن "رواد فضاء عالقين"، إذ واجهت مركبة "ستارلاينر" الفضائية التابعة لشركة "بوينغ" مشكلات بعد وقت قصير من إطلاقها في يونيو (حزيران) 2024 إلى محطة الفضاء الدولية (ISS) في أول رحلة مأهولة لها على الإطلاق، التي كان من المفترض أن تستغرق نحو 10 أيام فقط، قررت "ناسا" في النهاية إعادة المركبة إلى الأرض من دون طاقم في سبتمبر من ذلك العام، وهو ما حصل من دون أية حوادث.

وفي هذا السياق كتب موقع علمي أميركي بارز تعليقاً على ما حدث: انتهى الأمر برواد فضاء "ستارلاينر"، سوني ويليامز وبوتش ويلمور من "ناسا"، بالبقاء على متن محطة الفضاء الدولية أكثر من تسعة أشهر (على رغم أنه لم تتقطع بهما السبل قط، إذ كانت هناك مركبة فضائية واحدة في الأقل تعمل كقارب نجاة متصلة دائماً بمحطة الفضاء الدولية خلال فترة إقامتهما). عاد الثنائي في النهاية إلى الأرض على متن كبسولة "سبيس إكس دراغون" في مارس (آذار) من هذا العام.

وأدى هذان الوضعان غير المتوقعين إلى زيادة الدعوات في بعض الأوساط إلى إطلاق "خدمة إنقاذ فضائية" وهي خدمة يمكنها مساعدة رواد الفضاء المحتاجين في الوقت المناسب، أياً كانت الدولة التي يمثلونها.

من جهة ثانية، تُثير مثل هذه الحوادث مخاوف وشكوك كثر، من أن يكون الفضاء العالمي غير جاهز لتحقيق كثير من وعوده التي قطعها لتلك الشعوب، إذ من الصعب التصديق أنه من الممكن لوكالات فضاء عملاقة - مثل الوكالة الصينية و"ناسا" - المضي قُدماً في مجال استعمار كواكب قريبة من الأرض مثل القمر والمريخ في ظل تكرار مثل هذه الأحداث.