مسيرات أميركية تحدد المواقع بالصدى على طريقة الخفافيش
كثيراً ما أذهل تحديد الموقع بالصدى، وهو السونار البيولوجي الذي تستخدمه حيوانات مثل الخفافيش والحيتان، العلماء، إذ تصدر هذه المخلوقات نبضات عالية التردد، وتحلل الأصداء المرتدة لبناء خرائط ذهنية مفصلة لمحيطها.
ولا تزال المنهجيات الحالية تواجه صعوبة في مضاهاة حدة الإدراك المذهلة التي تتمتع بها الحيوانات القادرة على تحديد الموقع بالصدى، عند فك رموز أصداء الموجات فوق الصوتية في العالم الحقيقي.
تطور جامعة "ميشيغان" بتمويل من مكتب بحوث الجيش الأميركي ومركز أنظمة المركبات الأرضية التابع لوزارة الدفاع الأميركية نظاماً اصطناعياً هو الأول من نوعه لتحديد الموقع بالصدى، يمزج بين الهندسة المستوحاة من علم الأحياء والذكاء الاصطناعي، ويتيح للطائرات من دون طيار "الرؤية" في الظلام الدامس من دون الحاجة إلى كاميرات أو رادار أو ليدار.
وباستخدام إشارات من الخفافيش والدلافين، تتمتع هذه التقنية المتطورة بالقدرة على إحداث نقلة نوعية في كيفية تنقل الطائرات العسكرية من دون طيار والمركبات ذاتية القيادة والروبوتات، وتحديدها للأجسام في بيئات صعبة تفشل فيها أجهزة الاستشعار التقليدية.
بحسب العلماء الأميركيين المشاركين في المشروع، يتمتع إدراك الموجات فوق الصوتية، المستوحى من الظاهرة البيولوجية لتحديد الموقع بالصدى، بإمكانات هائلة في مختلف المجالات الهندسية، بدءاً من التصوير المتقدم ووصولاً إلى الملاحة الدقيقة. وعلى رغم التقدم المحرز في تطوير أجهزة الاستشعار ومعالجة الإشارات، لا تزال المنهجيات الحالية تواجه صعوبة في مضاهاة حدة الإدراك المذهلة التي تتمتع بها الحيوانات القادرة على تحديد الموقع بالصدى، عند فك رموز أصداء الموجات فوق الصوتية في العالم الحقيقي.
انطلاقاً من ذلك يستخدم النظام الجديد شبكات عصبية مدربة بالكامل على بيانات محاكاة، ويسمح هذا النهج للذكاء الاصطناعي بتصنيف الأجسام بناء على كيفية تشتيت النبضات فوق الصوتية فحسب، تماماً كما يفعل الخفاش في تحديد فريسته في جوف الليل. ويمثل هذه المشروع إنجازاً كبيراً في مجال الإدراك الاصطناعي، مما يفتح آفاقاً جديدة للملاحة والكشف الدقيق في ظروف الرؤية المنخفضة مثل الضباب أو الدخان أو ساحات القتال المزدحمة.
كثيراً ما أذهل تحديد الموقع بالصدى، وهو السونار البيولوجي الذي تستخدمه حيوانات مثل الخفافيش والحيتان، العلماء، إذ تصدر هذه المخلوقات نبضات عالية التردد، وتحلل الأصداء المرتدة لبناء خرائط ذهنية مفصلة لمحيطها. ولعقود حاول المهندسون محاكاة هذه القدرة الرائعة في الآلات، ولكن على رغم التقدم في أجهزة الاستشعار ومعالجة الإشارات، لم يضاه أي نظام اصطناعي دقة الإدراك في أجهزة السونار الطبيعية حتى الآن.
ولربما أكثر ما يلفت الانتباه هو معالجة علماء ميشيغان أحد أصعب التحديات في تحديد الموقع بالصدى الاصطناعي، ألا وهو تعليم الآلات فهم وتصنيف أصداء العالم الحقيقي من دون الحاجة إلى كميات هائلة من البيانات التجريبية، التي غالباً ما تكون مكلفة وتستغرق وقتاً طويلاً، ويصعب جمعها لوجستياً.
وبدلاً من الاعتماد على تسجيلات العالم الحقيقي لتدريب شبكاتهم العصبية، استخدم العلماء محاكاة رقمية متطورة، فأنشأوا أصداء افتراضية من خلال نمذجة كيفية تشتت الموجات فوق الصوتية عن أجسام بأشكال مختلفة في بيئة رقمية ثلاثية الأبعاد.
أدخلت هذه الأصداء المحاكاة بعد ذلك في مجموعة من الشبكات العصبية التلافيفية (CNNs)، إذ صممت كل شبكة بدقة لاكتشاف شكل محدد. وعزز العلماء البيانات المركبة بإضافة تشوهات واقعية، وقد ضمن هذا الأمر عدم تأثر نماذج الذكاء الاصطناعي بطبيعة البيئات الصوتية الفعلية غير المتوقعة.
وعند اختبارها على أجسام مادية في تجارب معملية، استطاع الذكاء الاصطناعي استخدام تحديد الموقع بالصدى لتصنيف الأشكال بدقة مذهلة، حتى عندما أصدرت تلك الأجسام أصداء تبدو متطابقة تقريباً مع الإنسان أو الحاسوب التقليدي.
لا شك في أن اعتماد هذا التطور القائم على الصوت بدلاً من الضوء أو الموجات الكهرومغناطيسية يمثل فرصة واعدة للتطبيقات العسكرية، فالكاميرات وأنظمة الليدار معرضة للعوائق البصرية مثل الظلام أو الدخان أو الغبار، وهي ظروف شائعة في ساحات المعارك أو في مناطق الكوارث.
وبالتالي يمكن للموجات فوق الصوتية اختراق هذه الحواجز، مما يوفر وسيلة إدراك موثوقة عندما تتعطل أجهزة الاستشعار الأخرى. ويشير اهتمام الجيش الأميركي بهذا المشروع إلى استخدامات محتملة في المركبات الأرضية ذاتية القيادة، والطائرات من دون طيار، أو حتى الأنظمة تحت الماء حيث تكون أجهزة تحديد المواقع العالمية (GPS) وأجهزة الاستشعار البصرية غير موثوقة أو غير فعالة.
كما تقدم الشبكات العصبية حلاً معيارياً وقابلاً للتطوير، إذ تسمح هذه البنية بإضافة أشكال أو أنواع جديدة من الأجسام من خلال تدريب شبكات متخصصة إضافية من دون الحاجة إلى إصلاح النظام بأكمله.
تعكس هذه المرونة كيفية تعلم حيوانات مثل الخفافيش تدريجاً التعرف على أنواع جديدة من الفرائس أو العوائق في بيئتها، وقد تكون هذه القدرة على التكيف حيوية للأنظمة العسكرية المستقلة التي يتوقع أن تعمل في بيئات ديناميكية وغير متوقعة، وهذا ما يوفر شعوراً بالاطمئنان في شأن إمكاناتها في الظروف الصعبة.
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وتتجاوز آثار هذا الاختراق التكنولوجي الاستخدامات العسكرية، إذ يتحدث علماء الجامعة الأميركية عن مجموعة واسعة من التطبيقات، بما في ذلك التصوير الطبي وعمليات البحث والإنقاذ والتفتيش الصناعي والاستكشاف تحت الماء. وفي الأساس، يمكن لهذه التقنية أن تحدث نقلة نوعية في أي مكان تحتاج فيه الآلات إلى استشعار محيطها من دون الاعتماد على الرؤية.
كما يمكن أن تقلل قدرة هذه الطريقة، باستخدام بيانات التدريب الاصطناعية، من وقت وكلفة تطوير تقنيات الموجات فوق الصوتية المستقبلية بصورة كبيرة.
وأشار العلماء إلى أن النماذج المستقبلية قد تستفيد من التدريب على مجموعة أكثر تنوعاً من اتجاهات الأجسام، ومن تعزيز البيانات لمحاكاة الظروف القاسية. وكما هي الحال مع الحيوانات التي تستخدم تقنية تحديد المواقع بالصدى، يمكن للآلات المجهزة بهذه التقنية إصدار نبضات من زوايا متعددة، ومن ثم تجميع النتائج لتحسين الدقة.
وفي نهاية المطاف، يبرز المشروع أحدث مثال على الهندسة المستوحاة من الطبيعة، التي تهدف إلى نشر أنظمة ذاتية أكثر ذكاء وقابلية للتكيف. ومع استمرار الجيش الأميركي في استكشاف تقنيات جديدة لحروب الجيل القادم والخدمات اللوجستية، يمكن لابتكارات مثل تحديد المواقع بالصدى الاصطناعي أن توفر ميزة استراتيجية تعجز عنها أجهزة الاستشعار التقليدية.