الخط العربي في تونس يدافع عن مكانته أمام "هجمة رقمية"

المصدر : INDEPENDENT | الأحد , 17 تشرين الثاني | : 165

منذ عقود أرست السلطات التونسية هيئات من أجل تحصين الخط العربي وتعزيز مكانته، على غرار "المركز الوطني لفنون الخط" الذي أنشئ عام 1994 ويستهدف الحفاظ على الخط العربي وزيادة إشعاعه في المحيط العربي والإسلامي.

"الخط العربي أصبح في سباق مع الخطوط والفنون الرقمية ومنها برامج التصميم والغرافيك الحديثة التي باتت تستهوي الشباب أكثر من خط الحروف على الورق"

منذ وصوله إلى دفة الرئاسة عام 2019 دأب الرئيس التونسي قيس سعيد، على استخدام الخط العربي في مراسلاته إلى بقية هياكل الدولة وأيضاً في قراراته، في توجه يسلط الضوء على فن الخط العربي في البلاد الذي بدا وكأنه يستعيد مجده المفقود منذ عقود.

ويعد الخط العربي فناً ارتبط ظهوره بالإسلام، وقد انتقل إلى شمال أفريقيا التي تعد تونس إحدى دوله، في القرن السابع ميلادي في إطار الفتوحات الإسلامية التي عرفتها المنطقة.

ومنذ عقود أرست السلطات التونسية هيئات من أجل تحصين الخط العربي وتعزيز مكانته، على غرار "المركز الوطني لفنون الخط" الذي أنشئ عام 1994 ويستهدف الحفاظ على الخط العربي وزيادة إشعاعه في المحيط العربي والإسلامي.

حركية طيبة

وتزخر في تونس المساجد وقصور البايات القديمة التي يبدو بعضها متداعياً للسقوط بعد أعوام من الإهمال، بمخطوطات ومنقوشات نحتت من قبل رواد الخط العربي قبل عقود.

لكن قطار الخط العربي في تونس لم يتوقف عند الأعوام الأولى التي تلت الفتوحات الإسلامية، إذ لا يزال تاريخ البلاد ومعمارها الحديث شاهدين على عراقة هذا الفن الذي رعاه عديد من الخطاطين في العصر الحديث على غرار محمد صالح الخماسي صاحب مؤلف "المنهج الحديث لتعليم الخط".

وقال الخطاط التونسي عمر الجمني، "في الوقت الحاضر يشهد الخط العربي حركية طيبة في تونس خصوصاً على مستوى الداخل والعاصمة حيث هناك مراكز وجمعيات تعتني بهذا الفن على غرار الجمعية التونسية لفنون الخط والمركز الوطني للخط ومركز الفاضل ابن عاشور وبعض النوادي الخاصة، وداخل البلاد هناك مدن مثل جرجيس والقيروان تشهد حراكاً كبيراً على مستوى الخط العربي".

وأردف الجمني في حديث إلى "اندبندنت عربية" أن "الاهتمام بالخط العربي زاد مع وصول الرئيس قيس سعيد إلى السلطة لأنه شغوف بهذا الفن".

منافسة بين التقليدي والعصري

وأنجبت تونس عديداً من الخطاطين الذين تركوا بصمة في هذا المجال، على غرار نجا المهداوي الذي نجح في نقل الخط العربي إلى المستوى العالمي بعد أن سافر في ستينيات القرن الماضي لدراسة الفنون الجميلة بأكاديمية الفنون في جامعة سانت أندريا في روما وتخرج فيها، ليتحول في ما بعد إلى باريس لتلقي تدريبات أكاديمية في المدينة الدولية للفنون.

وخلد المهداوي اسمه من خلال عديد من الأعمال التي أنجزها، ولاقت استحساناً واسعاً على غرار واجهة مسجد الجامعة في جدة بالسعودية.

ويعتقد عمر الجمني أن "المنافسة بين الخطاطين موجودة لكن بصورة غير ظاهرة، وتنقسم إلى جزأين، الجانب المعاصر فيه منافسة أكثر من الجانب التقليدي، الأول يعتمد على الحروفية وهي أسهل من تطبيق الخط العربي الكلاسيكي الذي يعتمد على قواعد صارمة وفيه تراث عظيم جداً ومن أجل تعلمه لا بد من وقت".

وتابع، أن "فن الحروفية هو توظيف جمالية الخط العربي في الفن التشكيلي المعاصر وفن التجريد، والاهتمام الرسمي بالخط العربي في تونس موجود في ظل نشاط مراكز وطنية في الداخل والخارج".

واستدرك الجمني بالقول، إن "النقص موجود على مستوى إبراز فن الخط العربي على الصعيد الدولي، ورئيس الحروفية العربية نجا المهداوي هو تونسي والرئيس شغوف للغاية بالخط العربي ويسعى الآن لتثبيته في المركز العالمي لفنون الخط، وهو مشروع يعنى بحركة الخط العربي العالمية والكتابة الفنية العالمية".

عديد من الرهانات

وفي ظل التطورات التكنولوجية المتسارعة، تتزايد التساؤلات حول مستقبل الخط العربي سواء في تونس أو خارجها.

واعتبر الصحافي المتخصص في الشؤون الثقافية صابر الميساوي، أن "واقع الخط العربي في تونس حالياً يواجه عديد من الرهانات خصوصاً أمام زحف التكنولوجيا وسيطرتها على العقول، وتوجه بقي بين الخفي والمعلن نحو مجالات فنية أسهل وأكثر ربحية وأقل بذلاً للجهد، وهو ما قد يترجم تراجعاً في الاهتمام بهذا الفن الضارب في تفاصيل التاريخ لا سيما من قبل الشباب التونسي ومريدي الفنون الجميلة وطلبة معاهدها".

وشدد الميساي على أنه "لم يتبق من الأجيال التي يلهمها هذا الفن سوى قلة ومعظمهم من المتقدمين في السن، ولا أرى أن واقع الخط العربي يختلف كثيراً في تونس عن واقع لغته بعد أن كان يصدر جمالية حروف لغة الضاد".

وذكر أنه "على رغم بعض الجهود لإعادة إحيائه فإن فن الخط العربي بقي مقتصراً على إطار مناسباتي لا غير".

ويرى الميساوي أن "جمالية الخط العربي وتنوع أشكاله ومدارسه ومشارب المتخصصين فيه فن يعانق العالمية، ولم تشفع له من أن يخضع لمنافسة هوجاء من الخطوط الأخرى ومنها الخط الصيني والخط اللاتيني القديم اللذان يحظيان بشعبية واسعة، إلى جانب منافسة الإبداعات اليدوية الأخرى كالرسم".

ولفت إلى أن "الخط العربي أصبح في سباق مع الخطوط والفنون الرقمية، ومنها برامج التصميم والغرافيك الحديثة التي باتت تستهوي الشباب أكثر من خط الحروف على الورق، ومن هنا قد يصبح السؤال مشروعاً حينما يسأل أحدنا الآخر: متى كتبت على الورق بخط عربي آخر مرة؟".

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

لا اهتمام رسمياً

وقد تراوحت اهتمامات وشغف الخطاطين في تونس بين النحت والنقش على المعمار أو كتابة القرآن والدساتير. وقد كان نجيب الزعلوني رائداً في كتابة القرآن، وفي عام 2014 تولى بنفسه كتابة الدستور بيده في خطوة استغرقت منه نحو ثلاثة أشهر.

وعلى رغم إعلانها عام 2023 عن مشروع المركز العالمي لفنون الخط بتونس، ليكون أحد أهم المراكز في العالم التي تهتم بالخط، فإن كثيرين يعتقدون أن السلطات لا تولي اهتماماً كبيراً بالخط العربي.

وقال صابر الميساوي "في الحقيقة، كمتابع للشأن الثقافي ومهتم بهذا الفن اهتماماً يتجاوز الاهتمام المهني، لم ألحظ لفتة رسمية في تونس بقيمة الخط العربي وما يحمله في حروفه من إرث تاريخي شاهد على عراقته، وهو ما يلوح جلياً من خلال حجم ما يواجهه الخطاطون في تونس من صعوبات اقتصادية".

وأضاف الميساوي أن "هذه المشكلات الاقتصادية صعبت عليهم الاستمرار في ممارسة هذا الفن بصورة احترافية، وقللت في أعداد الممارسين لهذا الفن العريق، كما أن قلة اقتناء المؤسسات والجهات الحكومية أعمال الخطاطين أربكت انتشار ثقافة الخط العربي لدى الأجيال الجديدة من الفنانين والحرفيين".