تغيير تاريخي في الهيكل الوظيفي لـ "ناسا" يهدد تفوقها الفضائي

المصدر : INDEPENDENT | الأربعاء , 16 تموز | : 176

تواصل "ناسا" نهجها التدريجي لتبسيط قواها العاملة وتقليص إجمال عدد موظفيها. وبدأت وكالة الفضاء هذا الأسبوع توحيد حساباتها على مواقع التواصل الاجتماعي المرتبطة بكثير من بعثاتها الفضائية الأكثر شهرة.

في هذه الفترة من حياة وكالة الفضاء الحكومية الأميركية "ناسا"، جميع العاملين والموظفين عالقون في حال من عدم يقين وفوضى. ويبدو أن "ناسا" مصرة على تطبيق شعار "لنجعل أميركا عظيمة مجدداً" الذي يقوده بحزم واضح الرئيس الأميركي دونالد ترمب بهدف خفض الدين العام. ولكنه يهدف كما يقول بعض المعلقين على المواقع العلمية ومواقع التواصل الاجتماعي إلى "إعادة أميركا لأيام الخوالي"، أي قبل أن يكون لديها برنامج فضائي.

ووفق ردود لمعلقين على مقالة لموقع "سبيس دوت كوم"، فإن ما يحدث من استمرار تسريح موظفي "ناسا" ما هو إلا مؤشر إلى مواصلة الولايات المتحدة تراجعها عن الساحة الفضائية العالمية، إذ إن موظفي "ناسا" وعلماءها الآن في حال تخبط بسبب سياسات ترمب، بينما يجني الأثرياء كل شيء.

تفاعل

على الموقع المتخصص في شؤون الفضاء "سبيس إكس"، سأل واحد من مؤيدي سياسة ترمب أحد المعلقين على الصفحة قائلاً: كيف تقترح أن نتعامل مع تريليونات الدولارات من الديون؟ وذلك في إشارة إلى أن سياسة تسريح الموظفين تهدف إلى خفض المديونية العالية، فكانت الإجابة: "ربما لا نقيم عرضاً عسكرياً". لذلك يرى مراقبون أن تسريحات موظفي "ناسا" تهدد فعلاً مستقبل الريادة الأميركية في مجال الفضاء؟ فالوكالة لا تزال حتى الآن تسرح موظفيها، وأخيراً طاولت هذه التسريحات 2000 وظيفة أساسية مع تحول أولويات التمويل.

سؤال صعب

وجاء في افتتاحية مقالة على موقع (IBTimes UK) بقلم ماري جوي توليدو بعنوان: لماذا تسرح ناسا موظفيها؟ تواجه "ناسا" تغييراً تاريخياً في هيكلها الوظيفي، إذ يستعد أكثر من 2000 موظف كبير لمغادرة الوكالة. وأضافت الكاتبة: ومع تغير أولويات الموازنة في ظل الإدارة الحالية، أصبحت الأدوار الأساسية في العلوم والهندسة مهددة، مما يثير القلق في شأن مستقبل الريادة الأميركية في مجال الفضاء. وتحت عنوان "تخفيضات الموازنة تؤدي إلى تخفيض كبير في القوى العاملة"، قالت توليدو: تأتي عمليات التسريح في ظل اقتراح بتخفيض موازنة "ناسا" بنسبة 25 في المئة في العام المالي 2026. وتحسباً لانخفاض التمويل، أطلقت الوكالة برنامجاً للفصل الطوعي يشمل التقاعد المبكر وشراء الوظائف والاستقالات المؤجلة.

العروض قبلت

تؤكد المواقع العلمية ووكالات الأنباء العالمية أن أكثر من 2100 موظف حكومي رفيع المستوى قبل هذه العروض، مما يمثل واحدة من كبرى موجات مغادرة الموظفين في تاريخ "ناسا" الحديث. وعلق الكاتب على ما يحدث قائلاً: "على رغم أن فقدان الوظائف طوعي من الناحية الفنية، فإن متخصصي سياسات الفضاء يقولون إنه جزء من استراتيجية أوسع لخفض الإنفاق الفيدرالي، لا سيما داخل وكالات العلوم والبحث. ويمثل هذا بداية ما يسميه بعض المحللين تخفيفاً مؤسساتياً عميقاً قد يغير مسار "ناسا" أعواماً مقبلة.

تفاصيل

لكن ما مراكز "ناسا" الأكثر تأثراً بهذه التسريحات؟ هذه التسريحات تؤثر في جميع مراكز "ناسا" الرئيسة الـ10، إذ سجلت أكبر الأعداد في مركز "جودارد" لرحلات الفضاء في ماريلاند بواقع 607 موظفين، ومركز جونسون للفضاء في تكساس 366 موظفاً، ومركز كينيدي للفضاء في فلوريدا 311 موظفاً، ومقر "ناسا" في واشنطن العاصمة 307 موظفين. كما تشهد مراكز أخرى، بما في ذلك لانغلي ومارشال وجلين وأميس خفوضات كبيرة في أعداد الموظفين، فيما يرتبط نحو 1800 من الموظفين المغادرين ارتباطاً مباشراً بمهام أساسية، مثل رحلات الفضاء البشرية وعلوم الكواكب ورصد الأرض وعمليات الأقمار الاصطناعية.

فقدان ذوي الخبرة

من المتوقع أن يؤثر فقدان الموظفين ذوي الخبرة في كثير من البرامج البارزة، بما في ذلك مهام أرتميس القمرية ومشروع إعادة عينات المريخ ومبادرات رصد المناخ. ووفقاً لمحلل سياسات الفضاء "كيسي دراير"، فإن الوكالة تشهد "هجرة كفاءات" يصعب عكس مسارها، بخاصة إذا لم تشغل هذه الوظائف بسرعة. وكما ذكرت صحيفة "غارديان"، فإن "هناك مخاوف من أن يؤدي خفض القوى العاملة إلى فتح الباب أمام منافسين دوليين، مثل الصين، لتجاوز الولايات المتحدة في قدرات استكشاف الفضاء"، وحذرت "غارديان" من أن الخفوضات المخطط لها قد "تؤدي إلى تنازل الولايات المتحدة عن قيادتها عالم الفضاء لمصلحة الصين".

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وجهة نظر البيت الأبيض

يتماشى خفض القوى العاملة مع مساعي إدارة ترمب إلى تبسيط عمل الوكالات الفيدرالية. وتعد "ناسا" واحدة من بين كثير من المؤسسات العلمية والبحثية التي تواجه خفوضات كبيرة في الموازنة المقترحة. ولا يزال منصب مدير وكالة الفضاء شاغراً بعد سحب ترشيح غاريد إسحاقمان على رغم تعيين مدير موقت، مما يزيد من حال عدم اليقين في هيكل القيادة خلال هذه الفترة الانتقالية، كذلك لا يزال الكونغرس منقسماً في شأن هذه القضية. وبينما أبدت لجنة التجارة في مجلس الشيوخ اهتماماً بحماية تمويل "ناسا"، إلا أن المفاوضات جارية، ولم يتم التوصل إلى قرار نهائي بعد.

ماذا بعد؟

حددت الوكالة الموعد النهائي للمغادرة الطوعية لمن يرغب في ذلك الـ25 من يوليو (تموز) 2025 المقبل. وفي حال الموافقة على خفوضات الموازنة، فقد يتبع ذلك فقدان وظائف إضافية. وقد تجبر "ناسا" أيضاً على تقليص أو تأجيل بعض المهام ما لم يتمكن المتعاقدون من القطاع الخاص من تحمل بعض أعباء العمل. لذلك قد تستفيد شركات خاصة مثل "سبيس إكس" و"بلو أوريجين" من هذا التحول، إذ من المحتمل أن تستحوذ على حصة كبرى من عمليات الفضاء الوطنية في الأعوام المقبلة.

أسئلة مهمة

من أهم الأسئلة التي تطرحها المواقع العلمية ووكالات الأنباء العالمية الآن هو سؤال: هل ستعوض شركات الفضاء الخاصة هذا النقص؟ وذلك مع دخول "ناسا" فترة انخفاض في قدرتها الاستيعابية. فمن المتوقع أن ينمو دور القطاع الخاص في استكشاف الفضاء الأميركي. ومع ذلك يبقى السؤال: هل تستطيع الكيانات التجارية تكريس المعرفة العميقة التي رسختها "ناسا" خلال عقود من الزمن، والاستمرارية والتركيز على المهام العامة التي وفرتها "ناسا" عقوداً؟ لذلك ستكون الأشهر المقبلة محورية في تحديد ما إذا كانت الولايات المتحدة قادرة على الحفاظ على تفوقها في مجال الفضاء في ظل تقلص القوى العاملة العامة وتزايد المنافسة العالمية.

مذكرات للموظفين

ويؤكد رئيس تحرير موقع "سبيس دوت كوم" طارق مالك أن مذكرات أرسلت إلى الموظفين الإثنين التاسع من يونيو (حزيران)، أعلن فيها مسؤولو "ناسا" إطلاق برنامج جديد للتقاعد المبكر والاستقالة المؤجلة، ويهدف هذا البرنامج إلى تقليص عدد الوظائف في وكالة الفضاء بصورة كبيرة. وقالت المتحدثة باسم "ناسا"، شيريل وارنر، في بيان لها "تواصل ناسا نهجها التدريجي لتبسيط قواها العاملة وتقليص إجمال عدد موظفيها. وهذا يتيح للموظفين فرصة المغادرة مع ضمان بقاء الوكالة قادرة تماماً على مواصلة مهمتها. وتختلف أهلية الاستفادة من هذه البرامج باختلاف وضع كل موظف".

توحيد الحسابات على مواقع التواصل

في السياق ذاته، بدأت وكالة الفضاء هذا الأسبوع توحيد حساباتها على مواقع التواصل الاجتماعي المرتبطة بكثير من بعثاتها الفضائية الأكثر شهرة، مثل مركبة المريخ "بيرسيفيرانس" ومحطة الفضاء الدولية وغيرها، كجزء من إجراء إعادة هيكلة لكيفية مشاركة اكتشافاتها مع الجمهور. وصرحت السكرتيرة الصحافية لـ"ناسا"، بيثاني ستيفنز، على مواقع التواصل الاجتماعي "مع أكثر من 300 حساب لوكالة ’ناسا‘ عبر 15 منصة، تعمل الوكالة على تعزيز حضورها على منصات التواصل لتكون أكثر تركيزاً، مما يسمح لنا بالوفاء بمسؤوليتنا في نشر قصة ’ناسا‘ على نطاق واسع وبصورة مترابطة".