مهرجان الإسكندرية يخترق حاجز الصمت بقضايا المهمشين
"هناك ملايين من المهمشين في الوطن العربي يبحثون عن مكان في الحياة المنطقية والعادلة لكن يبقى الهامش هو الملاذ الوحيد لهم فلا يخرجون منه حتى يموتوا ويموت أبناؤهم والأجيال التي تتوالى من نسلهم وهذا ظلم اجتماعي كبير جداً".
سيطرت جرأة الأفكار والطرح على كثير من الأفلام المعروضة في مهرجان الإسكندرية السينمائي في دورته الـ40 ومنها أفلام مصرية ومغربية تصدرت المشهد لتثير كثيراً من الجدل بطرحها قضايا شائكة عدة.
وكان الفيلم المغربي "على الهامش" في مقدمة الأعمال الجريئة التي تناولت قضايا شائكة داخل المجتمع المغربي واخترق التابوهات ليثير عاصفة من التساؤلات حول أوضاع قطاع كبير من المهمشين في المغرب ومعاناتهم مع الفقر والمرض والعوز لدرجة تخرجهم عن التقاليد والأعراف.
الفيلم من إخراج جيهان البحار وبطولة عزيز داداس وفاطمة الزهراء بن ناصر وخليل أوبعقبه، ويخترق كثيراً من القضايا الشائكة سواء الاجتماعية أو الإنسانية مثل زنا المحارم وتجارة الأعضاء والعنف والجنس ضد الأطفال.
ويناقش الفيلم حياة مجموعة من الأشخاص الذين تدور حولهم الأحداث الرئيسة وتضعهم في كثير من المشكلات وتتقاطع بهم الطرق لتكشف عن خبايا وأسرار وخطايا سببها الفقر والجهل والمرض.
ومن قصص الفيلم حكاية شخصية شاب يدعى "ياسر" ولد في عائلة فقيرة، مما اضطره إلى الهرب من واقعه المرير وظروفه القاسية ليواجه واقعاً أكثر قسوة يأكل فيه القوي الضعيف.
ويُرغم ياسر على الدخول في عالم الاتجار بالأعضاء لإنقاذ حبيبته من الموت بعد أن أصابها مرض خطر يقلب الأحداث رأساً على عقب.
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وقالت مخرجة الفيلم جيهان البحار في تصريحات خاصة إلى "اندبندنت عربية" إن المجتمع العربي يعاني آلاف المشكلات المزمنة وفي مقدمتها الفقر والبطالة والجهل والمشكلات الاجتماعية المتعددة ومنها التفكك الأسري وغياب القدوة، وتترتب على كل ذلك صعوبات كبيرة جداً يفضل معظم الناس السكوت عنها خوفاً من إثارة الجدل أو المساس باستقرار المجتمع.
واستدركت البحار "لكن لا بد من تناول القضايا الجريئة في السينما وهذا ليس عيباً، لكن العيب الحقيقي هو غض البصر ودفن الرأس في الرمال خوفاً من المشكلات"، والحل بحسب قولها في "طرح الأمور بقوة ومحاولة تكثيف الأضواء عليها لمعالجتها أو في الأقل التنبيه لما يمكن أن يترتب عليها من تداعيات خطرة على جميع الصعد، إذ يضيع كثير من الناس ويعانون وهم لا يزالون يعيشون على هامش الحياة في واقع من الفقر والعوز والقهر وقلة الحيلة".
وتابعت البحار أن "هناك ملايين المهمشين في الوطن العربي يبحثون عن مكان في الحياة المنطقية والعادلة لكن يبقى الهامش هو الملاذ الوحيد لهم، فلا يخرجون منه حتى يموتوا ويموت أبناؤهم والأجيال التي تتوالى من نسلهم وهذا ظلم اجتماعي كبير جداً".
واعترفت بأن السينما المغربية تتجه أخيراً نحو الأفلام التجارية، وهذا شأن العالم كله، وعلى رغم مشروعية الأمر لكنها تساءلت "متى ستطرح القضايا الحقيقية التي لن تسمح بها السينما التجارية؟".
وأضافت أنها في فيلم "على الهامش" كانت تعلم حساسية الأمر وجرأته والمشكلات والاتهامات التي ستلحق بها فور عرض العمل، لكنها تحدت نفسها ومخاوف الآخرين وفضلت تقديم فيلم جاد يلامس قضايا مجتمعية حساسة، واختارت الإطار الكوميدي لتسهيل وصول رسالتها إلى الجمهور.
وصنف الجمهور والنقاد الفيلم بأنه ضمن أفلام الكوميديا السوداء، وأكدت البحار صحة هذا التصنيف من وجهة نظرها أيضاً، خصوصاً أن هذا النوع تحديداً هو الأقرب إلى قلبها، مشيرة إلى أن التصوير تم في مدينة الدار البيضاء مع استخدام مؤثرات بصرية بالتعاون مع خبرات مغربية وهندية وفرنسية، وبلغت كلفة العمل الإنتاجية نحو 700 ألف دولار، وهو من إنتاج الكاتب الصحافي جمال الخنوسي، والعمل يصنف كبطولة جماعية إذ شارك في بطولته ستة أبطال.
وقالت إن الفيلم عرض في المغرب وحقق أصداء جيدة جداً، إضافة إلى حصوله على عدد من الجوائز الدولية، من بينها جائزة مهرجان السينما في الولايات المتحدة الأميركية وجائزة لجنة التحكيم في إيطاليا وجائزة الجمهور في هولندا وجائزة التصوير السينمائي في فرنسا، إلى جانب جوائز عدة في المغرب.
واختتمت حديثها بالإشادة بالسينما المصرية، بخاصة الكلاسيكية، وكشفت عن رغبتها في المشاركة في عمل يجمع بين السينما المصرية والمغربية لمعالجة القضايا الاجتماعية المشتركة.
"لعل الله يراني"
وضمن مسابقة أفلام شباب مصر في مهرجان الإسكندرية السينمائي، عرض الفيلم المصري "لعل الله يراني" بطولة سهر الصايغ ونانسي نبيل ومن تأليف جوزيف فوزي وتصوير كوتا طلعت وديكور مينا ميلاد ومونتاج بيشوي إيميل وموسيقى روماني ميشيل وإخراج محب وديع.
وتناول الفيلم بجرأة فكرة يخشى المجتمع المصري طرحها وهي ظاهرة الانتحار، وتدور أحداثه حول فتاة تدعى "دينا" تشعر بإحباطات وعدم تحقيق ذاتها، وتعيش إحساساً عميقاً بأنها لا تملك أي قيمة في الحياة، مما يدفعها إلى التفكير في الانتحار.
وقبل الخطوة الأخيرة وهي إنهاء حياتها، تنشر آخر كلماتها عبر حسابها الشخصي على "فيسبوك"، قائلة "أحببت الجميع ولم يحبني أحد، لذلك حان وقت الرحيل، لعل الله يراني"، وفي هذه اللحظة تنقلب الأمور، وتصبح نقطة تحول مفاجئة في حياتها.
ونجح الفيلم في فتح ملف الانتحار وحصد تعاطفاً كبيراً مع الشخص الذي يقدم على إنهاء حياته، وفي الوقت نفسه أثار كثيراً من الجدل لجرأة التناول، بخاصة على المجتمع المصري الذي يرفض التطرق إلى كثير من القضايا الحساسة.
وقال مخرج الفيلم محب وديع إن فكرة الفيلم بدأت عام 2016، وقد عرف كثيراً عن ظروف حالات أقدمت على الانتحار وكانت لهم وجهات نظر مؤثرة جداً، مشيراً إلى أنه كان يعلم أن القضية شائكة وحساسة وستقابل بهجوم لكنه فضل طرح وجهة النظر الأخرى للمنتحر باعتبارها تستحق إعادة النظر.
وأضاف أنه "منذ البداية كنت أريد أن تؤدي البطولة ممثلة شديدة الحساسية مثل سهر الصايغ، وكنت أشعر بأنها ستجسد الشخصية بقوة، ولعل موافقتها على الدور كان من أهم العوامل التي ساعدت في تنفيذه كما أردت".
وقالت بطلة الفيلم سهر الصايغ "فكرة الانتحار خطرة وشائكة ومرعبة جداً بالنسبة إلى الجميع ويقابلها المجتمع بحذر شديد خوفاً من طرحها من الأساس، وفكرة الفيلم بتفاصيل شخصية دينا التي جسدتها كانت جديدة بالنسبة لي، فهي قصة فتاة تقترب من إنهاء حياتها".
وكشفت عن أن "معالجة الفيلم كان فيها تكثيف لفكرة حساسة ومؤثرة، إضافة إلى تسليط الضوء على لحظات اليأس التي يعيشها الإنسان الفاقد للحب والأمل، والأهم هو طرح طرق استعادة الحياة وتغيير الفكر والأهداف لأن الحياة تستحق".
واختتمت أنها تحمست بشدة بسبب عنوان الفيلم وهو "لعل الله يراني" إذ كان ملائماً جداً للأحداث، قائلة إن "هناك ملايين الأفراد يمرون بأوقات يشعرون فيها بأنهم غير مرئيين أو غير مهمين، وللأسف شاهدنا أخيراً زيادة في حالات إنهاء الحياة من شباب وفتيات في مقتبل العمر من دون محاولة فهم أسباب إقدامهم على خطوة بتلك القتامة والخطورة".