لماذا يعتقد بعض الباحثين أن دواء الميتفورمين قد يكون مفتاح طول العمر؟
يستخدم عقار الميتفورمين على نطاق واسع لعلاج الداء السكري من النمط الثاني، ووجدت الدراسات الحديثة كثيرًا من الفوائد الصحية الإضافية للدواء، ومنها مكافحة السرطان والسمنة وتحسين صحة الأشخاص المصابين بأمراض الكبد والكلى والقلب والأوعية الدموية، ويقترح بعض الخبراء أنه قد يزيد من سنوات الحياة بل وربما يطيل العمر.
يصيب مرض السكري من النمط الثاني أكثر من 6% من سكان العالم أي نحو 462 مليون شخص، إذ يتوقف الجسم عن الاستجابة الصحيحة للأنسولين -الهرمون الذي ينتجه البنكرياس ليتحكم في مستويات الغلوكوز في الدم- ما يؤدي إلى ظهور أعراض تشمل التبول المتكرر، والعطش الشديد، وفقدان الوزن، والتعب، وتشوش الرؤية.
يسبب البقاء دون علاج واستمرار ارتفاع السكر في الدم مضاعفات صحية مهددة للحياة.
وافقت إدارة الغذاء والدواء الأمريكية (FDA) على دواء الميتفورمين في عام 1994 لعلاج ارتفاع غلوكوز الدم عند مرضى السكري من النمط 2، ويعد إشراكه مع نظام غذائي صحي وممارسة التمارين الرياضية طريقة فعالة للتحكم في مستويات السكر في الدم.
يؤخذ الميتفورمين بشكل أقراص فموية وله نوعان؛ ذو تأثير قصير يتناوله المريض مرتين يوميًا، ومديد التأثير يؤخذ مرة واحدة، بجرعة بدئية من 500 ملغرام وإلى 2000 إذا لزم الأمر، وذلك للحفاظ على نسبة السكر في الدم تحت السيطرة.
في أثناء العلاج بالميتفورمين يراقب الطبيب دوريًا كلًا من مستويات الغلوكوز في الدم، والخضاب الغلوكوزي الذي يكشف ضبط السكر على المدى الطويل، والكوليسترول، ومستويات فيتامين B12 ووظائف الكلى.
كيف يعمل الميتفورمين؟
ينتمي الميتفورمين إلى فئة من الأدوية تسمى البيغوانيدات، استخدمت أكثر من 70 عامًا لعلاج مرض السكري من النمط الثاني، إذ يزيد حساسية الجسم للأنسولين، ويخفض سكر الدم الذي ينتجه الكبد وتمتصه المعدة والأمعاء. لكن فإن الآلية الدقيقة لعمله غير واضحة.
مع إن الميتفورمين يعد في المقام الأول لعلاج مرض السكري من النمط الثاني، فإنه يستخدم أيضًا لضبط متلازمة المبيض المتعدد الكيسات (PCOS)، وهي اضطراب هرموني يصيب نحو 20% من النساء، فيساعد الميتفورمين على تنظيم الهرمونات التناسلية وتخفيف أعراض المتلازمة.
اقتُرح حديثًا إمكانية وجود فوائد صحية أخرى للميتفورمين، تشمل خصائص مضادة للسرطان، ومكافحة السمنة وحماية الجهاز القلبي الوعائي والجهاز العصبي، وحتى تأثيرات مكافحة للشيخوخة، ما دفع الخبراء إلى زيادة الاهتمام بالميتفورمين وإجراء الأبحاث حوله، إذ أطلق فريق الباحثين تجربة استهداف الشيخوخة باستخدام الميتفورمين TAME مدتها ست سنوات في 14 مؤسسة بحثية رائدة في جميع أنحاء الولايات المتحدة.
يخطط الفريق لتجنيد أكثر من 3000 مريض تتراوح أعمارهم 65-79 عامًا، وذلك لاختبار قدرة الميتفورمين على تأخير تطور الأمراض المزمنة المرتبطة بالعمر مثل أمراض القلب والسرطان والخرف.
هل يطيل الميتفورمين العمر؟
مع تقدم أعمار السكان في جميع أنحاء العالم، أصبحت الأمراض المرتبطة بالعمر من أكبر التحديات والتكاليف التي تواجه الرعاية الصحية، لذلك فإن أي شيء قد يطيل سنوات الحياة الصحية ويقلل الوقت الذي يقضيه الأشخاص في الأمراض المزمنة، سيعود بالنفع على الأفراد وأنظمة الرعاية الصحية.
مع إن بعض العوامل مثل الوراثة والجينات خارجة عن إرادتنا، فبوسع بعض النصائح المساعدة على البقاء بصحة جيدة مع التقدم في السن، ومنها:
– الحفاظ على النشاط، إذ لا تساعد التمارين المنتظمة على العيش لفترة أطول فحسب، بل تساهم بتأخير الشيخوخة أيضًا.
– اتباع نظام غذائي صحي يحوي الكثير من الفواكه والخضراوات الطازجة والحبوب الكاملة والدهون الصحية والبروتينات، مثل حمية البحر الأبيض المتوسط.
– الحصول على نوم جيد (مدة 7-9 ساعات على الأقل).
– الإقلاع عن التدخين وتجنب استهلاك الكحول.
– إجراء الفحوصات الطبية بانتظام.
ولكن هل يمكن إضافة الميتفورمين إلى تلك القائمة؟
اقترحت بعض الدراسات التي أجريت على الحيوانات أن الميتفورمين قد يزيد من العمر.
في الديدان الخيطية، زاد الميتفورمين المعطى بتركيز 25 و 50 و 100 ملليمول متوسط العمر الافتراضي بنسبة 18% و 36% و 3% على الترتيب.
عند الفئران، زاد الميتفورمين سنوات الحياة الصحية عند تركيز 0.1% من الوزن الرطب في النظام الغذائي وبدءًا من منتصف العمر، ولكن الجرعة الأعلى (1% من الوزن الرطب) كانت سامة، وكان التأثير الذي شوهد في هذه الدراسة مشابهًا لتأثير تقييد السعرات الحرارية.
في دراسة أخرى، يزيد الميتفورمين متوسط العمر بنسبة 14% لدى إناث الفئران إذا بدأ إعطاءه في عمر الثلاث أشهر، وعند بدء العلاج بالميتفورمين في عمر متأخر، كان التأثير أقل بكثير، فبدءًا من عمر أشهر زاد العمر الافتراضي بنسبة 6%، أما في عمر 15 شهرًا لم تكن هناك أي زيادة، بالإضافة لزيادة وظيفة الإنجاب وتأخير نمو الأورام.
ولكن في دراسة أخرى على ذباب الفاكهة، وجد الباحثون أن الميتفورمين لم يطل العمر لا عند ذكور الذباب ولا الإناث، بل كان سامًا بالجرعات العالية.
أما عند البشر، أظهرت الدراسات أن الميتفورمين يحسن الأمراض المرتبطة بالعمر، مثل السكري من النمط الثاني، وأمراض القلب والأوعية الدموية، ما قد يؤدي إلى إطالة العمر.
يقول الطبيب ديفيد ميريل المختص بطب نفس المسنين في مركز بروفيدنس سانت جون الصحي، أنه من المؤكد أن الميتفورمين يقلل من مضاعفات مرض السكري من النمط الثاني، خاصة عندما يقترن بنظام غذائي صحي يتحكم في كمية الكربوهيدرات وممارسة الرياضة البدنية بانتظام، وذلك بدوره قد يمنح التمتع بصحة جيدة خالية من الأمراض عند الوصول إلى سن الشيخوخة.
كيف يعمل الميتفورمين على تعزيز الصحة؟
يزيد الميتفورمين حساسية الأنسولين، ويعزز الإصلاح الخلوي، وهو مضاد للالتهاب والأكسدة، وكل هذه الخصائص تساهم في تأثيراته المضادة للشيخوخة.
قد أظهرت الدراسات عند مرضى السكري، أن الميتفورمين يفعّل AMPK، بالإضافة إلى عملية الالتهام الذاتي في الخلايا، وكلاهما قد يفسر بعض خصائصه المضادة للشيخوخة أيضًا.
أوضحت سبنيم أونلويسلر -بوصفها مهندسة جينية في معهد إعادة التوليد في لندن- أن آليات تأثير الميتفورمين المحتملة لمكافحة الشيخوخة تشمل قدرته على التأثير في العمليات الحرجة المرتبطة بالشيخوخة، وتشمل:
– تنظيم استشعار المغذيات.
– الحفاظ على البروتينات.
– تحسين وظيفة الميتوكوندريا.
– تعديل الاتصال بين الخلايا.
– الحفاظ على طول التيلومير واستقرار الجينوم.
– تقليل نضوب الخلايا الجذعية، وتثبيط الشيخوخة الخلوية.
يدخل الإجهاد التأكسدي في كثير من الأمراض المزمنة المرتبطة بالعمر، ومنها أمراض القلب والأوعية الدموية، والانسداد الرئوي المزمن، وأمراض الكلى المزمنة، والأمراض التنكسية العصبية، والسرطان، والساركوبينيا أو فقدان العضلات.
قد يكون الإجهاد التأكسدي نتيجة مباشرة لضعف التحكم في نسبة السكر في الدم، ما يؤدي إلى الإنتاج الزائد للجذور الحرة وهي جزيئات غير مستقرة وعالية التفاعل تتلف الخلايا والحمض النووي DNA.
لذلك يساعد ضبط نسبة السكر في الدم باستخدام الميتفورمين على منع إنتاج الجذور الحرة الزائدة، ما يعني تقليل الإجهاد التأكسدي والأمراض المرتبطة بالعمر التي تسببها.
هل يجعلنا الميتفورمين نبدو أصغر سنًا؟
اقترح تونك ترياكي بوصفه جراحًا تجميليًا في لندن أن فوائد الميتفورمين قد تمتد أيضًا إلى عظام الوجه وبشرة الجلد، لأن تحفيز الميتفورمين لتكوين العظام وتقليل ارتشافها، يوفر إمكانية الحفاظ على كثافة عظام الوجه مع تقدم العمر، نظرًا لأن عظام الوجه تدعم بنية الجلد، فقد ينعكس ذلك على تحسين ملامح الوجه وتقليل علامات الشيخوخة، لكن هناك حاجة إلى مزيد من الدراسات لتوضيح الآثار المحددة والكاملة للميتفورمين على صحة عظام الوجه وإمكانية استخدامه لمكافحة الشيخوخة، ويأمل الباحثون بالحصول على موافقة إدارة الغذاء والدواء على الميتفورمين بوصفه علاجًا منخفض التكلفة للشيخوخة، إذ لا يوجد أدوية دون آثار جانبية محتملة، وتشمل في هذه الحالة اضطرابات المعدة، والغثيان أو الإسهال.
لكن عمومًا، تظهر التجارب نتائج إيجابية، وربما يصبح الميتفورمين مركبًا رائدًا لتأخير الشيخوخة وتقليل عبء الأمراض المرتبطة بالعمر، واستخدامه تحت إشراف طبي، سيجعله وسيلة رخيصة الثمن تساعد كبار السن على البقاء بصحة جيدة لفترة أطول.
اقرأ أيضًا:
دواء الميتفورمين: الاستخدامات والجرعات والتأثيرات الجانبية والتحذيرات
هل سيتمكن الميتفورمين – علاج مرض السكري المعروف – من هزيمة الالزهايمر ؟
ترجمة: تيماء القلعاني
تدقيق: نور حمود
مراجعة: محمد حسان عجك
المصدر