غضب وتراشق وإهانة... الفنانون والجدار الأزرق

المصدر : INDEPENDENT | الأثنين , 25 أيلول | : 179

باتت العلاقة بين الجمهور والنجوم وصناع الفن على صفيح ساخن مع تطور منصات ووسائل التواصل الاجتماعي وتعبير بعض الجماهير عن آرائهم في النجوم والأعمال الفنية من خلال كتابة التعليقات والمنشورات.

فعندما ينشر الجمهور آراء إيجابية يهرع النجم فرحاً لنشر تلك الآراء من دون إيلاء اهتمام كبير لكاتبها أو هويته أو ثقافته الفنية، وعندما تتحول الآراء إلى النقد لا يتحمل بعض النجوم وطأته ويرفضون ما يكتبه الناس ليتحول الأمر إلى مشاحنات تصل إلى حد التراشق اللفظي.

أزمة فراج

الممثل الشاب محمد فراج دافع عن شقيقة زوجته الممثلة داليا شوقي بعد الهجوم عليها بسبب أحد مشاهدها في مسلسل "السفاح" الذي عرض أخيراً، وقال "لا تهم الآراء التي ترددت فجميعها جاء من أشخاص غير متخصصين ولا يعترف بهم أحد"، معتبراً إياها "حملات مدفوعة" لأنه لا يهتم إلا بآراء المتخصصين فقط، واختتم دفاعه بجملة "دعهم يهاجمون فالقافلة تسير".

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

حديث فراج أثار موجة من الانتقادات لأن بعضهم اعتبر أنه يقلل من رأي الجمهور ويسحب منه سلطته في الحكم على ممثل أو عمل فني سلباً أو إيجاباً على رغم أن أي منتج فني هدفه الأساسي هو العرض الجماهيري.

الواقعة فتحت باب النقاش أمام حال الاحتقان الدائمة التي تنتاب النجوم بمجرد وجود آراء ليست في مصلحتهم، بينما يكون هناك ترحاب كبير بآراء الفئات نفسها إذا كانت إيجابية وتدعمهم.

بعد الزوبعة الكبيرة ضد فراج واتهامه بإهانة الجمهور لمصلحة شقيقة زوجته كتب منشوراً على حسابه في موقع "إنستغرام" يتراجع من خلاله عن الإهانة ويوضح موقفه قائلاً "فوجئت بعدد كبير من أصدقائي يتهمونني بأني أغضبت الجمهور، وهذا بالتأكيد غير مطروح من الأساس، فأنا ممثل منذ 15 عاماً ولم أقم بمثل هذا الفعل أبداً".

وأضاف "صيغة السؤال حذفت وتركت إجابته لتخرج من سياقها"، نافياً أنه يقصد رأي الجمهور عندما قال "يجب ألا نعير تلك الآراء أية أهمية"، ولكنه نبه إلى ضرورة التفريق بين النقد والتجريح.

واستكمل فراج "أنا متأكد من أن جمهوري الذي بنى اسم محمد فراج فهم معنى كلامي جيداً ويدرك وجهة نظري ويعلم أنني من المستحيل أن أحجر على رأيه".

"مربوحة" ومرسي

وسبق أن هاجم الفنان علاء مرسي الجمهور بعدما انتقد الفنانة رحمة أحمد على مواقع التواصل الاجتماعي بسبب أدائها دور "مربوحة" في الجزء السابع من مسلسل "الكبير".

وقال "الهجوم على مربوحة أمر غير مبرر، وبعض الأشخاص يعتبرون أنفسهم نقاداً فنيين ودارسين لديهم دكتوراه في النقد الفني"، ورد على أحد المتابعين المنتقدين للمسلسل واصفاً إياه بـ"المتفرج الفاشل".

ورأى مخرج مسلسل "الإكسلانس" لمحمد سعد أن منتقدي العمل "لا يفقهون شيئاً"، فيما طلب الفنان عابد فهد من أحد المعلقين التوقف عن "التنظير".

وفقدت شيرين رضا أعصابها من قبل حينما انتقدت سيدة من الجمهور أحد أفلامها فردت عليها قائلة "نسيب السينما لأمثالك"، كذلك هاجمت واحداً من متابعيها وتمنت أن يخسف الله به الأرض أو يسامحه بسبب ما قاله عن عملها.

وعلقت نادين نسيب نجيم على انتقادات سلبية من الجمهور بخصوص مسلسلها "وأخيراً" بأنها تعمل من أجل نفسها ومحبيها فقط، ولا يهمها رأي الآخرين ولا تحاول إثبات شيء لهم.

ووصلت الأمور بين النجوم ومتابعيهم على مواقع التواصل الاجتماعي إلى التراشق اللفظي عندما يتدخل المتابعون في الحياة الخاصة للفنان، مثلما حدث مع ياسمين رئيس التي قررت أن ترد بشكل عام حينما انتقد الجمهور تصرفاتها مع طفلها، ونشرت مقطع فيديو تهاجم فيه المنتقدين وتطالبهم بألا يتابعوها أو يشاهدوا الفيديوهات التي تنشرها.

وقالت رانيا محمود ياسين رداً على إحدى المتابعات التي انتقدت صورة لها مع زوجها الفنان محمد رياض "إنتي عايزة تتهزقي (تهاني)".

تزايد الشحن

الناقد الصحافي أحمد سعد يوضح لـ"اندبندنت عربية" أنه "للأسف هناك حال مزرية من التراشق بين النجوم وصناع الفن من جهة، والجمهور من جهة أخرى، وتوترت العلاقة حتى وصلت الأمور إلى السب والقذف والمشاحنات، وأحياناً ينكر الفنان بوضوح حق الجمهور في النقد أو الإدلاء بآراء تخص العمل الفني".

ويضيف "تزداد الفجوة بين الفنانين والجمهور بسبب الوضع المشحون دائماً الذي تولده صفحات التواصل الاجتماعي، حيث يستطيع أي مشاهد عادي ترك تعليق للفنان بمنتهى البساطة بعد أن كانت حواجز كبيرة جداً تقوم في الماضي بين النجم والجمهور".

ويتابع "تزيد الأزمة عندما يشعر الفنان بأنه أصبح هدفاً سهلاً وشخصاً مباحاً للنقد والسب في بعض الأحيان من الجمهور، في حين لا يفهم الناس من وجهة نظره حجم معاناة الفنان في تصوير العمل وإخراجه للنور، لذلك لا يتقبل معظم النجوم آراء الجمهور السلبية ويتهمونه بالتربص بهم بينما يرحبون بشدة بالآراء الإيجابية ويعتبرونها انتصاراً لأنها جاءت مباشرة من الجمهور ومن دون وسيط، بالتالي تعبر عن الحب الحقيقي".

نظرية المؤامرة

أما الناقد الفني أحمد السنوسي، فيقول إن "على الفنان تقبل آراء الجمهور وعدم وضع نظرية المؤامرة في مقدمة دفاعه عن نفسه عند تلقي أي نقد، فقد أصبحت الشماعة الأسهل هي وصف المنتقدين بأنهم لجان إلكترونية ممولة من معادين ومتآمرين للتقليل من قيمة العمل الفني والإضرار بالفنان".

وأوضح أن هناك نجوماً تحدث لهم أزمات كبيرة فور تلقي أي نقد من أي جهة، فمرة يصفونه بأنه "غير بناء" أو يأتي من جهات غير متخصصة، ومرات يصفونه بأنه "غير مهم" لأنهم مقتنعون بما يقدمونه، وهناك على الجانب الآخر نجوم استفادوا كثيراً من نقد الجمهور مثل الفنان محمد ممدوح الذي انتقده الجمهور لضعف صوته وعدم وضوح حروفه بسبب عدم انتظام أنفاسه على الشاشة، وهنا تأثر ممدوح بالنقد لكنه لم يصفه بالمؤامرة وأجرى جلسات وورش تمثيل حتى تحسنت المشكلة، بينما يرفض محمد فراج النقد ويصفه بأنه يأتي من أشخاص غير متخصصين، مثلما حدث مع مشهد شقيقة زوجته الذي أجمع الجمهور والنقاد على أنه مشهد سيئ، لكنها كممثلة ليست مسؤولة تماماً عنه لأن مخرج العمل كان يجب أن يوجهها بالشكل الذي يظهرها بأداء أفضل".

إنكار وادعاء

يشرح الناقد محمد الأسواني أسباب الأزمة في مقالة له نشرها أخيراً بالقول "أصبحت مواقع التواصل مثل المسرح، يحصل صناع الأعمال على رد فعل فوري من الجمهور على كل مشهد ولقطة في توقيت عرضها نفسه، ولن يستطيع النجوم الإنكار وادعاء تقبل النقد أو أنهم يتلقون الإشادات من الجمهور في الشارع لأن العرض نفسه أصبح إلكترونياً على مواقع التواصل، ومن الطبيعي أن يكون رد الفعل عبر الوسيط نفسه، لذلك يرتبك بعضهم إذا كان الرأي الجماعي سلبياً لأنه غير معتاد على ذلك، ويصبح رد فعله جنونياً مثل الاشتباك مع المعلقين، أو الذهاب إلى منازلهم مثلما فعل أحمد السقا، أو إلقاء اللوم على المؤامرات والحملات الممولة، وبعضهم يتقبل النقد ويلتزم الصمت وأحياناً ينسحب من مواقع التواصل".

وتابع الأسواني "على رغم المزايا التي أنتجتها مواقع التواصل الاجتماعي في هذه العلاقة فإنها أنهت أسطورة النجومية الغامضة وأزالت الانبهار لدى المعجبين، ويبدو أنها واحدة من أسباب توتر العلاقة بين الطرفين لعدم رضا الفنانين بهذا الوضع الجديد مع عدم انفرادهم بالشهرة والقدرة على التأثير بسبب تشكل طبقات جديدة من مشاهير هذه المواقع البديلة".

واختتم الأسواني "يشعر الجمهور من خلال هذه الردود بأنه غير مهم أو مؤثر في المعادلة الفنية، خصوصاً مع شعوره السابق بأن هؤلاء النجوم مفروضون عليه من شركات الإنتاج ولا يملك حق تقييمهم".

حق الجمهور

المخرج عمرو سلامة أكد أنه "من حق الجمهور أن يبدي رأيه في أي عمل فني طالما طرح للعلن"، مشيراً إلى أنه ضد المطالبة بالإلغاء أو المنع أو الوقف.

وأعرب السيناريست عبدالرحيم كمال عن رأيه في الهجوم على بعض الأعمال من قبل الجمهور عبر منشور بالقول "لا يملك إنسان على وجه الأرض أن يحاسب المتفرج لماذا قبل ذلك العرض الفني أو رفضه، فهو حر تماماً بغض النظر عن كل المعايير النقدية والفنية والأخلاقية، والعمل ظهر للوجود إما أن تقبله أو ترفضه، ومن حقي أن أرفض كمتلقٍ أعظم فيلم فني ظهر في العالم وحصل على كل الجوائز وأشاد به كل نقاد الأرض، ومن حقي أيضاً كمتلقٍ أن يعجبني فيلم تافه رديء لا يحمل أي معنى، وتلك هي الحقيقة المجردة وأزمة الفن وخطورته وسحره أيضاً".

وأضاف "عملية التلقي معقدة جداً، وهناك أمثلة لأموال طائلة وجيوش إلكترونية مجندة لإنجاح أعمال فنية ما لم تلقَ من الجمهور إلا الهزيمة النكراء، فالجمهور متعدد الأذواق والرغبات والأفكار ولا أحد يستطيع التنبؤ بمزاجه مهما تعددت الدراسات".

وكتب كمال أخيراً تعليقاً ساخراً بمناسبة أزمة هجوم محمد فراج على الجمهور بعد انتقاده مشهد شقيقة زوجته قائلاً "ظاهرة أن الفنانين وأهالي الفنانين وأقرباءهم يسبون الجمهور والنقاد غريبة جداً، وترسخ لمفهوم جديد فني يميز عصرنا هو مفهوم ’البزرميط‘".

أزمات مختلفة

على رغم التراشق الواضح الذي يشتعل على فترات بين النجوم والجمهور، هناك على الجانب الآخر أزمات تم احتواؤها مثلما حدث في فيلم "نادي الرجال السري" لكريم عبدالعزيز، إذ نشبت أزمة على مواقع التواصل بين القائمين على الفيلم وإحدى الصفحات الخاصة بالجمهور نظراً إلى تشابه "بوستر" الفيلم مع الشعار الرسمي للصفحة.

وأمام هجوم قطاع من الجمهور على كريم عبدالعزيز حاول الممثل إنقاذ الموقف وقدم اعتذاراً إلى أعضاء الصفحة عبر حسابه الرسمي على "فيسبوك"، وقال إن الأمر غير مقصود وربما هو مجرد توارد خواطر، مطالباً أعضاء الصفحة والجمهور بمشاهدة الفيلم ثم الحكم بما يتسنى لهم.

الشناوي وقمر

قد يبرر بعضهم غضب النجوم من النقد بأن الجمهور غير دارس للفن أو متخصص فيه، لكن الفنان مصطفى قمر رفض رأي الناقد الفني طارق الشناوي في شأن فيلمه "أولاد حريم كريم" الذي وصفه الأخير بأنه "فيلم سيئ جداً ولا يليق بالمرحلة العمرية لقمر، ومن أسوأ الأفلام السينمائية خلال هذا الموسم".

قمر هاجم الشناوي بشدة بسبب رأيه في الفيلم على رغم أن الأخير من أكبر النقاد المصريين والعرب، قائلاً "الشناوي له الحق في النقد ولكن من دون أن يتعدى الحدود، وكل شيء سيظهر وسنرى هل هو يضطهد العمل أو لا، ولا أعتقد بأنه رأى الفيلم من الأساس لأنه منذ فيلم ’الحب الأول‘ وهو دائماً يهاجمني وينتقدني".

وهدد قمر باللجوء إلى القضاء موضحاً "أقول لكل من طالبني بالاعتذار من دون أن يكون على دراية كاملة بالموضوع إنهم هم من يجب أن يعتذروا لي، سواء طارق الشناوي أو بعض الإعلاميين، وسأتخذ خطواتي القانونية للمطالبة بحقي".