مدن تاريخية.. كيف هدّد زلزال المغرب الذاكرة الجماعية للسكان؟

المصدر : DW العربي | الثلاثاء , 26 أيلول | : 210

الكوارث الطبيعية والحروب تهدد الآثار والنظم الثقافية للسكان. هذا ما حدث في بعض أجزاء المغرب بعد الزلزال الأخير. فماذا يعني فقدان مباني ومآثر تاريخية للسكان في هذا الظرف الصعب؟

جانب من الأضرار في الحي اليهودي القديم في مراكش بسبب الزلزال

أكثر من أسبوعين على الزلزال المدمر الذي ضرب عدة مناطق في جبال الأطلس المغربية وخلّف قرابة 3 آلاف قتيل ومئات الجرحى. المآسي الإنسانية كبيرة خصوصاً أن الضرر لم يتوقف فقط عند القتلى والجرحى، بل كذلك من فقدوا منازلهم، إذ تقدر أرقام رسمية عدد المباني المنهارة بحوالي 60 ألفا، سواء المنهارة بشكل تام أو بشكل جزئي، ما تسبب بوصول عدد المتضررين إلى 2.8 مليون نسمة.

جزء من التاريخ يتضرر

الضرر لم يمس فقط المباني السكنية، بل كذلك المباني التاريخية، خصوصا أن الزلزال تسبب بأضرار في مدن تاريخية كمراكش وتارودانت. منظمة اليونسكو أشارت إلى تضرّر معالم تاريخية مدرجة على قائمة التراث العالمي، ومن ذلك حي المدينة القديمة في مراكش، المجاورة لساحة الفنا الشهيرة، وهي المدينة التي تعود لحوالي ألف عام.

وتحتضن المدينة القديمة العديد من دور الرياض التقليدية التي تحوّل بعضها إلى فنادق يقصدها الزوار عوضا عن الفنادق العصرية، كما تحتضن السوق القديمة للمدينة، حيث توجد محلات متعددة توفر للزوار كل احتياجاتهم. وغير بعيد عن ساحة جامع الفنا، نجد الحي اليهودي القديم، المعروف بالملاح، الذي بدوره تعرض لأضرار.

جانب من الأضرار في المدينة القديمة بمراكش. جزء كبير من هذه المنازل قديمة وتحتفظ بجزء كبير من ذاكرة السكان.

وغير بعيد عن هذا المكان، يوجد جامع الكتبية، الذي يعود بناؤه إلى القرن الـ12، وهو بدوره تعرض لأضرار بسبب الزلزال، ما دفع السلطات إلى إغلاقه بشكل مؤقت. كما تعرض مسجد تينمل التاريخي لأضرار بالغة للغاية، وهو يقع في قرية تينمل بالأطلس الكبير، ويحظى بأهمية كبيرة في توثيق تاريخ المغرب، وكذلك السور التاريخي لمدينة تارودانت، أقدم سور في المغرب، والذي يمتد على ثمانية كيلومترات ويصفه المغاربة بـ"السور العظيم".

الأولوية للإنسان.. دون إهمال التراث

لكن في أوقات الكوارث، الأولوية للإنسان قبل كل شيء. هذا ما يقوله الجميع، بمن فيهم المسؤولون في منظمة اليونيسكو، بحكم أن إنقاذ العالقين وإسعاف الجرحى ضرورة أساسية. لكن ذلك لا يعني إهمال إنقاذ التراث الذي يختزن ذاكرة أمة ويمثل جزءاً من ذاكرة العالم، وخسارته تبقى كبيرة للغاية وإن كانت لا تقارن بخسارة حياة البشر.

انتقل خبراء من اليونيسكو لعين المكان بعد الزلزال للوقوف على حجم الأضرار التي ضربت المآثر التاريخية. أهمية المكان ليست فقط للسياح، بل كذلك لأبناء المدينة، وهو ما توضحه سوزان هاردر، رئيسة اللجنة الدولية للدرع الأزرق، المهتمة بالمواقع الآثرية، إذ تقول لـDW: " الحقوق الثقافية هي من حقوق الإنسان. هذا لا يعني أن يخاطر الناس بحياتهم ويتوجهوا للمباني التي تعرضت للدمار، ولكن من المهم لهم أن يستمروا في طقوسهم خلال الجنائز، وأن يجدوا أماكن للصلاة خارج المساجد التاريخية المدمرة، خصوصاً في هذه الفترة".

الطقوس والعادات وأنماط التدين، هي أشكال من الترابط داخل هذه المجتمعات، وهي أمور مهمة للغاية في هذه الأوقات الصعبة، إذ تعطي الناس إحساساً بالاستقرار، خصوصاً لمن فقدوا كل شيء بسبب الزلزال، تضيف سوزان هاردر، الخبيرة في دراسات الآثار وعلم المصريات، لافتة أنه بعد كل كارثة طبيعية، من المهم أولا إنقاذ الأرواح والاستجابة للحاجيات الضرورية، وبعد هذا يتم الاعتناء بالوضع الثقافي.

ليست مجرد منازل

شهد المغرب حُكم العديد من السلالات، وعرف على مدار تاريخه عدداً من الثقافات، وعدد من مدنه القديمة ليست مجرد أحياء سكنية، بل ركن رئيسي من هوية السكان. "هذه الأماكن ليست مجرد نقاط جذب سياحي، بل هي أولاً مساكن" تقول هاردر. وتضيف: "معرفة الإرث الثقافي مهمة على الدوام، لأن هذه المباني شُيدت على مدار قرون من التعايش اليومي، وتحفل بتجارب من حياة الناس ومن عيشهم وكذلك طرق التسوق والعمل".

لذلك تمثل الكوارث الطبيعية، وكذلك الحروب، ضررا كبيرا لمناطق مماثلة، إذ يمكنها أن تتسبب بخسارة جزء من الهوية الثقافية، أو جزء من ذاكرتهم الثقافية، وهو ما أكده أحد سكان مراكش صرّح لمراسل من صحيفة "ذا ناشيونال": "ما وقع صدمة، هويتنا تشكلت عبر هذه المواقع (التي ضربها الزلزال)".

أعلنت وزارة الثقافة المغربية مؤخراً أن الدراسات لإعادة ترميم عدد من المباني التاريخية ستبدأ قريبا، وفي الآن ذاته لا تزال عدد من القصور والمعالم التاريخية في مراكش مفتوحة في وجه الزوار، كما أعلنت السلطات عن خطط لإعادة الإعمار، وإعادة بناء المنازل المتضررة ومن ذلك تلك الموجودة في الأحياء القديمة.

 لكن التحدي ليس فقط إعادة الإعمار، فأحيانا يكون تعويض ما انهار صعبا للغية إذا ما كان ضرورييا تشييد بناء جديد لتعويض ما انهار بشكل كامل، أو على الأقل إيجاد صيغة للترميم لا تخدش الهوية التاريخية لمبنى شيد قبل قرون.

زيلكه فونش/إسماعيل عزام