مونديال قطر.. كيف تحكّمت السياسة بتشكيل قوائم المستفيدين خليجياً؟

المصدر : الميادين | الخميس , 10 تشرين الثاني | : 30

ملايين المشجّعين سيصلون إلى قطر لحضور كأس العالم، فيما يرجّح أن تستفيد دول الخليج من هذا الحضور المليوني، وتحقّق الأرباح في قطاعات الفنادق والمطاعم، والنقل الداخلي، إضافة إلى شركات الطيران.

على أعتاب بلوغ المصالحة الخليجية عامها الثاني، بعد أن أبرِمَت في قمة العلا في الخامس من كانون الثاني/يناير عام 2021، تنطلق في دولة قطر في الـ20 من تشرين الثاني/نوفمبر الحالي فعاليات كأس العالم لكرة القدم.. فعاليات يبدو أن دولاً خليجية عدة ستقطف ثمارها اقتصادياً وسياحياً، كالإمارات والسعودية، فيما تقف مملكة البحرين خارج المعادلة، بسبب علاقاتها المتوترة بالدوحة، حتى في ظل التفاؤل الكبير بالحل، خصوصاً في أعقاب اللقاء الذي جمع ملك البحرين حمد بن عيسى آل خليفة بأمير قطر تميم بن حمد آل ثاني على هامش مؤتمر قمة جدة للأمن والتنمية، الذي انعقد في شهر تموز/يوليو الماضي.

في كلمة ألقاها على هامش منافسات دورة ألعاب الكومنولث بمدينة برمنغهام البريطانية، في شهر آب/أغسطس المنصرم، رأى الأمين العام للجنة العليا للمشاريع والإرث في دولة قطر، حسن الذوادي، أن استضافة الدوحة لفعاليات كأس العالم ستكون بمثابة محطة بارزة في تاريخ البلاد، وستشكّل نقطة انطلاقة لتأسيس إرث تنعكس إيجابياته على المنطقة بأسرها.

وعلى كثرة التشكيك الدولي في قدرة الدوحة على استضافة كأس العالم، مذ وقع الاختيار عليها عام 2010، غير أن هذه الدولة الخليجية استطاعت أن تستثمر فعاليات رياضية عدة استضافتها على أرضها من أجل تجربة خططها التشغيلية المتكاملة للمونديال، وهذا من جرى فعلاً عند استضافة كأس العرب عام 2021... كل هذا التشكيك سقط فعلاً بعد أن أعلنت الدوحة الشهر الماضي في مؤتمر صحافي، الانتهاء من الاستعدادات للحدث الرياضي العالمي متحدّثة عن بيع مليونين و800 ألف تذكرة لحضور البطولة، واستقبال 12 ألف إعلامي، مع توفير 30 ألف غرفة فندقية جديدة لجماهير كأس العالم، وكذلك بعد أن رأى رئيس الاتحاد الدولي لكرة القدم (الفيفا) جياني إنفانتينو، أن دولة قطر ستقدم النسخة الفضلى في تاريخ كأس العالم وحديثه عمّا وصفه بـ "الجاهزية المثالية" للحدث.

وفي هذا السياق، يرى أستاذ العلوم السياسية بجامعة قطر الدكتور علي الهيل في تصريح للميادين نت أن العائدات النفسية والمعنوية والسمعة الدولية أهم بكثير مما أُنفق مادياً على هذا المونديال، مؤكداً أن الدوحة حريصة على استفادة دول الخليج من عائدات الحدث الرياضي العالمي، خصوصاً في أعقاب المصالحة الخليجية، موضحاً في هذا الإطار أن الإمارات والمنطقة الشرقية من المملكة العربية السعودية ستستفيدان فعلاً، "وهذا أمر يفرحنا، ونحن نريد أن نشرك الجميع في هذه الفرحة الكبرى"، على حد تعبيره.

وعن البحرين، قال الهيل إنها "لم تُبدِ أي رغبة في أن تكون جزءاً من المونديال، أي إنها استثنت نفسها من العائدات"، موضحاً عدم استجابة المنامة على نحو فعّال لاتفاق العلا، "بل واصلت كيل الاتهامات وفبركة الأخبار بما يؤجج الخلاف، فضلاً عن خروجها عن الأعراف الدبلوماسية الدولية والإقليمية، وطلبها إلى قطر أن ترسل وفداً إلى المنامة ليفاوضها في النقاط العالقة، مع أن اتفاق العلا تجاوز ما قبله ولم تعد ثمة نقاط عالقة".. 

وعن الخلاف البحريني القطري المستمر، يؤكد مصدر بحريني معارض مقيم في لندن للميادين نت أن ذلك يعود إلى أسباب أعمق من الظاهر، فعلى الرغم من اتفاق العلا، إلا أن البحرين استمرت في الضغط الإعلامي المحلي على الدوحة، وهو ما لم يحفز الأخيرة على فتح صفحة جديدة، متحدثاً عن "خسارة البحرين مكتسبات ومقررات من القمم الخليجية نتيجة الابتعاد عن جوهر الخلاف السياسي، وهذا ما يؤكّده عدم المبادرة إلى زيارة قطر للوقوف على الحيثيات على نحو واضح وجاد".. 

ويقول المصدر: على الرغم من قرار البلدين بناء الجسر بينهما، "ارتأت البحرين تعطيل المشروع إرضاءً للسعودية والإمارات، علماً أن الجسر كان سيشكل نقطة مهمة جداً في العلاقات بينهما"، ومن هنا، يرجّح أنه "بعد انتهاء كأس العالم، ربما تعود قطر إلى فتح ملف التفاهم وفق قاعدة لا شروط تحت الضغط، خصوصاً أنها لن تعود بحاجة إلى خدمات المنامة للمونديال"، غير أن المرجح، إن جرى إحياؤها هذه العلاقة من جديد، "هو تمثيل بسيط وغير كامل للبعثات من أجل قياس درجة التفاعل الرسمي والشعبي للبناء على ذلك، وهو ما قد يؤدي إلى نهاية مبكرة للعلاقات الثنائية نتيجة أي ضغوط إعلامية أو دولية أخرى".

ملايين المشجّعين سيصلون إلى قطر لحضور كأس العالم، فيما يرجّح أن تستفيد دول الخليج من هذا الحضور المليوني، وتحقّق الأرباح في قطاعات الفنادق والمطاعم، والنقل الداخلي، إضافة إلى شركات الطيران، مع إعلان تسيير الطيران السعودي 40 رحلة يومية إلى الدوحة، وطيران فلاي دبي الإماراتي 60 رحلة يومياً، فيما الطيران العماني أعلن تسييره 48 رحلة والطيران الكويتي 20، فيما تغيب شركة طيران الخليج البحرينية عن هذه الجدولة.

وفي هذا الإطار، يقول الصحافي في جريدة الأخبار اللبنانية حسين إبراهيم في حديث إلى الميادين نت: بعد المصالحة الخليجية واقتراب موعد كأس العالم، كان من الطبيعي تسجيل استفادة دول الخليج من الحدث الرياضي العالمي، باعتبار أن "قطر دولة صغيرة لا تستوعب كل الأحداث المرتبطة بالمونديال كحركة الطيران، وعدم قدرة الفنادق والبنى التحتية القطرية بما يكفي حتى بعد تطويرها منذ إعلان استضافة كأس العالم"، مشيداً بهذا الصدد إلى أن "عناد البحرين لا يجعلها شريكاً في ذلك".

وعن تراتبية المستفيدين الخليجيين من المونديال، يقول إبراهيم إن "الإمارات تحديداً (بعد قطر) ستكون أكبر المستفيدين، في ظل عدم وجود قيود فيها على السلوك الشخصي، وهذا يهم القادمين من الغرب، ومن الدول غير المحافظة ما يسهّل حرية تحرّكهم، إضافة إلى كون مطاراتها أكثر تجهيزاً من غيرها في الخليج كمطار آل متكوم بدبي ومطارات أبو ظبي".. أما عن السعودية، فيرى إبراهيم أنه وعلى الرغم من الوضع السياسي المتأزّم الذي يخيف كثيرين من القدوم إليها، "هناك نوع من تخفيف القيود على التصرفات الشخصية، وهذا أيضاً يجعل القادمين يتستفيدون من الفنادق، خصوصاً أن لدى السعودية معبراً برياً مع قطر". مؤكداً أنه كان يمكن للدول المجاورة أن تستفيد أكثر من المونديال لولا امتلاك قطر الإمكانيات الهائلة التي جعلتها في فترة زمنية قياسية تُكمل بناها التحتية لاستقبال حدث من هذا النوع.

أما على الصعيد السياسي، فيستبعد الصحافي حسين إبراهيم أن تكون كأس العالم نهاية حتمية للخلاف الخليجي، ومقدّمة لأن تصبح الدول مفتوحةً على بعضها، معتبراً أن "حركة العبور هذه ستكون فقط خلال كأس العالم، ولن تنعكس على السياسة على الأرض، في ظل تصارع الدول الخليجية باستمرار على تقاسم الأدوار، وعلى النفوذ والحدود وغيرها".

من جهته، يرى المختص بالشؤون الخليجية أحمد ياسين في تصريح للميادين نت، أن ما وصفه بصمود قطر خلال الحصار الرباعي، واتخاذها إجراءات اقتصادية وسياسية سريعة بفعل علاقتها بالجوار أفرغ مضمون الحصار من تأثيره، معتبراً أن الدوحة "وظّفت مفاعيل انتهاء الأزمة الخليجية على شكل نفوذ أو أدوار جديدة تحاول أن تلعبها في غير ميدان من ميادين المنطقة والإقليم، ولعل فوزها في استضافة كأس العالم يمثل شكلا ًبارزاً من أشكال الاستفادة القطرية من عودة العلاقات الخليجية، بعد أن حاولت السعودية والإمارات والبحرين نزع الاستضافة من قطر بواسطة جماعات الضغط في الدول العربية".

وبهذا الصدد، يجزم ياسين أن قطر هي المستفيد الأكبر من هذه التظاهرة الرياضية العالمية ذات الأبعاد السياسية، موضحاً أن "السعودية تتصدّر أرقام المشترين لتذاكر حضور المباريات بعد أن كانت زيارة قطر محرّمة في أثناء الأزمة الخليجية، وأن الأهمية الكبرى التي تحتلها قطر اليوم تؤثّر سلباً في دول الخليج التابعة كالبحرين لكونها دولة صغيرة الحجم وتفتقد إلى أي دور سياسي أو اقتصادي بعيداً من القرار السعودي".. ويخلص إلى نتيجة واحدة هي "البحرين بلا أدنى شك تعدّ من أكثر المتضررين من تعاظم الدور القطري في المنطقة".