سرطانات الرجال بين الصمت والموت... دعوة لكسر الحاجز النفسي

المصدر : INDEPENDENT | السبت , 29 تشرين الثاني | : 52

يدعو الكاتب الرجال إلى تجاوز حاجز الخجل والخوف وإجراء الفحوص المبكرة للكشف عن السرطان، مؤكداً أن الصراحة والتوعية، كما فعل ديفيد كاميرون، يمكن أن تنقذ الأرواح، وأن تجاهل الأعراض بدافع الثقافة الذكورية يؤدي غالباً إلى تشخيص متأخر ومضاعفات قاتلة.

أصابني خبر تشخيص رئيس الوزراء البريطاني السابق ديفيد كاميرون بسرطان البروستاتا، بصدمة أعادت إلى ذاكرتي مشاعر مألوفةً لدي: إن لجهة التردد، أو الضغط العائلي، أو الصعوبة في تحديد موعد مع الطبيب، أو الخوف المتنامي. لقد نصحته زوجته بأن يخضع للفحص، ولحسن حظه أنه استمع إليها.

في ما يتعلق بالرجال، قد تكون المرحلة الفاصلة بين التفكير بأن "الأمر بالتأكيد لا يستدعي القلق"، و"يا إلهي، منذ متى يحدث ذلك؟"، قد تكون مميتة.

أنا أعرف هذا جيداً. فقبل نحو أربعة أعوام، عندما كنت في السادسة والعشرين من عمري، اكتشفت وجود تورم في إحدى خصيتي.

لن أنسى ما حييت تلك الصدمة المفجعة التي اجتاحتني، مصحوبةً بذعر شديد، وبالشعور النمطي بأن العالم ينهار من تحت قدمي. في غضون أسبوع، كنت مستلقياً على طاولة الفحص في مستشفى "رويال مارسدن"، بينما كان أحد الاستشاريين الطبيين يراجع صور الأشعة ويفحص خصيتي.

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

قال لي الاستشاري "الوضع لا يبدو مطمئناً يا جاك". وتابع كلامه مشيراً إلى الشاشة كما يفعل محلل مباراة كرة قدم يراجع ثغرة دفاعية "في رأيي، إنه سرطان، والخطوة التالية هي إجراء عملية جراحية".

سألته بصوت أجش: "متى؟"، فأجابني: "في أقرب وقت ممكن".

لكن الطبيب خفف من حدة نبرته محاولاً طمأنتي قائلاً: "لقد أحسنت صنعاً بالمجيء مبكراً لإجراء الفحص والكشف عن الإصابة. بعض الشباب يهملون الأمر لأشهر طويلة - ولن تصدق مدى سوء الوضع أحياناً". ثم مد يديه، وضمهما معاً ليضفي تأثيراً أكبر، وأضاف: "الخصيتان هما بحجم برتقالة".

ما أنقذ حياتي في الواقع لم يكن الشجاعة أو رباطة الجأش، بل القلق، والخوف، والهوس، وعدم قدرتي على تجاهل أي أمر من شأنه أن يثير شكوكي. لم أنتظر. ولم أهز كتفي متجاهلاً. ولم أحاول إقناع نفسي بأنني على الأرجح بخير، أو بأن الأمر سيزول تلقائياً، أو القول إنني أصغر من أن أصاب بهذا المرض، أو أكثر صحة وانشغالاً. واصلت الإلحاح، وقمت ببحث على الإنترنت، وحجزت مواعيد لإجراء فحوصات خاصة، وجعلت نفسي، من خلال إصراري، مصدر إزعاج للجميع. ولعل كل ذلك هو ما أنقذ حياتي.

لكن الكثير من الرجال - ولا سيما من الشباب اليافعين - لا يتصرفون على هذا النحو. فقد نشأنا على الفكرة القائلة بأن الصحة هي من شأن النساء: شرائط وردية للتوعية بسرطان الثدي، وفحوصات دورية، ومسحات عنق الرحم، ومنظومة ثقافية كاملة تشجع على اليقظة والنقاش المفتوح.

ومن اللافت أن الناس في تصورهم العام، يميلون إلى تأنيث مرض السرطان، إذ ينظر إليه على أنه قضية مجتمعية وعاطفية، وحالة يلتف حولها الناس. أما حالات السرطان التي تصيب الرجال فتبقى، على نقيض ذلك، مهمشة إلى حد بعيد. وفيما يصيب سرطان الخصية فئة الشباب، يتعرض الكبار في السرطان للإصابة بسرطان البروستاتا. وبينهما، يخيم صمت طويل.

عندما تم تشخيص حالتي، لم يكن هناك نموذج محدد يوضح ما يفترض أن يقوله أو يفعله رجل في السادسة والعشرين من عمره عند مواجهة السرطان. ولم يكن هناك أقران يمكنني تبادل الخبرات معهم. كنت أكبر من أن أستمع لقصص الطفولة المأسوية، وأصغر من أن أتعاطف مع كليشيهات ما تسمى بـ"المعركة الشجاعة" في مراحل العمر المتقدمة. فالرجال في مثل سني لا يتوقعون أن يحدث لهم أي مكروه. نحن نمتنع عن الحديث عن أجسادنا. لا بل نتظاهر بأننا على ما يرام، حتى لو كان هناك شيء في داخلنا يصرخ طلباً للمساعدة.

غالباً ما ينظر الرجال إلى المرض على أنه فشل شخصي. نفضل أن نعرج لمدة ستة أشهر على أن نحجز موعداً مع اختصاصي علاج طبيعي، ونفضل البحث عن الأعراض على "غوغل" في الساعة الثانية صباحاً، بدلاً من مراجعة طبيب فعلي. نصف الرجال في بريطانيا يؤثرون الحديث عن سجل بحثهم على الإنترنت للآخرين، أكثر من سجلهم الطبي. وعندما يتعلق الأمر بأمراض تصيب أي منطقة من الجسم تحت الخصر، يتضاعف هذا التردد أربع مرات.

البيانات تؤكد هذا الواقع: فالرجال يتأخرون في الخضوع للفحص، ويشخص مرضهم في مراحل متأخرة، ويلقون حتفهم أحياناً بلا داع لأنهم لم يستجيبوا لأول ومضة قلق شعروا بها. والسبب ليس غباءً أو غروراً، بل لأن الشباب لم يتعلموا يوماً أن يعاملوا أجسادهم على أنها تستحق أن تحظى بالاهتمام.

لهذا السبب، تكتسب قصة ديفيد كاميرون أهميةً تتجاوز المشاحنات الثقافية المتوقعة التي ترافق أي مقال عنه. ومهما كان الموقف من سياساته، فهذا رجل يقول بصراحة: "لقد أجريت الفحص، وربما أنقذني ذلك، وعليكم أن تفعلوا الشيء نفسه". هذا الصوت يخترق حاجز الإحراج بفاعلية تفوق بكثير أي منشور حكومي توعوي.

نحن بحاجة ماسة لمزيد من هذا النوع من المبادرات: المزيد من الرجال الذين يتحدثون بصراحة، والشركاء الذين يشجعون على الخضوع للفحص المبكر، والأطباء العامين الذين يصرون على متابعة الأمر. في نهاية المطاف، نحتاج لبرنامج فحص يعامل سرطانات الرجال بالجدية والتنظيم اللذين لطالما توافرا للنساء. فالكشف المبكر ليس بالأمر المعقد، لكنه ببساطة مهمل في مجتمعنا بشكل مزمن.

اكتشفت إصابتي بالسرطان في مرحلة مبكرة لأن الشعور بالخوف تغلب على غرائزي الذكورية. أما ديفيد كاميرون فاكتشف إصابته لأن زوجته طلبت منه الخضوع للفحص الطبي. ولا هذه الطريقة مثالية ولا تلك. لكن إلى أن نصل إلى ثقافة يتحرك فيها الرجال تلقائياً للفحص والسؤال والمتابعة وحجز المواعيد والتحقق من دون من يدفعهم، ستبقى هذه الاعترافات المربكة والضعيفة التي يقدمها الشخصيات العامة قادرة فعلاً على إنقاذ الأرواح.

يبقى أنه إذا كان رئيس الوزراء البريطاني السابق مستعداً لأن يقول بصراحة: "لقد ذهبت إلى الطبيب، وعليكم أن تفعلوا الشيء نفسه"، فربما حان الوقت كي نبدأ نحن البقية أخيراً بالاستماع.

© The Independent