أدوية ومكملات غذائية شائعة قد تضر بكبدك
الكبد هو العضو الأكثر انشغالاً في الجسد، فهو يقوم بتصفية الدم من السموم وتحليل الأدوية وإنتاج المواد الحيوية التي تنظم العمليات الكيماوية. لكنه على قدر صلابته يبقى هشاً أمام الجرعات الزائدة أو التداخلات الدوائية.
كان يُعتقد أن الكبد لا يمرض إلا بسبب الكحول أو الفيروسات، وأن الأدوية والمكملات الغذائية الطبيعية آمنة مهما طالت مدة استخدامها، لكن الواقع الطبي الحديث نسف هذه الفكرة تماماً. ففي مفارقة لافتة، أصبحت بعض العقاقير التي تستخدم للشفاء سبباً مباشراً في أمراض الكبد الحادة والمزمنة.
تشير مراجعة موسعة نشرتها مجلة "الطب الباطني في نيو إنغلاند" إلى أن ما يقارب نصف حالات الفشل الكبدي الحاد حول العالم سببها دواء أو مكمل غذائي. أما مستشفى كليفلاند كلينك الأميركي فيصف هذا النوع من الإصابات بأنه الأخطر والأكثر غدراً وصمتاً، لأن المريض لا يشعر عادة بأية أعراض خطرة في البداية، ثم تتدهور حالته فجأة خلال أيام قليلة.
وفي السعودية، وثق مستشفى الملك فيصل التخصصي ومركز الأبحاث داخل الرياض عدداً من الحالات المماثلة، بينها مرضى استخدموا أعشاباً تباع في محال العطارة أو مكملات لإنقاص الوزن، وانتهى بهم الأمر في العناية المركزة يعانون فشلاً كبدياً حاداً. ويؤكد الأطباء هناك أن الطبيعي لا يعني الآمن، وأن ما يتناوله بعض باسم الصحة قد يكون سبباً في انهيار الكبد.
الكبد هو العضو الأكثر انشغالاً في الجسد، فهو يقوم بتصفية الدم من السموم وتحليل الأدوية وإنتاج المواد الحيوية التي تنظم العمليات الكيماوية. لكنه على قدر صلابته يبقى هشاً أمام الجرعات الزائدة أو التداخلات الدوائية.
يوضح مستشفى مايو كلينك أن هناك نوعين من الإصابات الكبدية الدوائية، الأولى متوقعة عندما تتجاوز الجرعة الحد المسموح به مثل التسمم بالباراسيتامول، والثانية غير متوقعة عندما يتفاعل الجسم مع الدواء بطريقة خاصة تؤدي إلى تلف الكبد حتى بجرعات عادية. وغالباً ما تظهر الأعراض بعد أيام أو أسابيع من التوقف عن الدواء، مما يجعل التشخيص صعباً ومتأخراً.
يأتي الباراسيتامول في مقدمة الأدوية التي تسببت في فشل كبدي حاد وفق مراجعات "كليفلاند كلينك" و"مايو كلينك"، إذ يمكن أن تؤدي جرعة واحدة كبيرة أو تناول متكرر فوق الحد الموصى به إلى تدمير خلايا الكبد بصمت. والمشكلة أن هذه المادة موجودة في كثير من أدوية الزكام والإنفلونزا، مما يجعل المريض يتناولها ضمن أكثر من عبوة دون أن يدري. وتحذر "مايو كلينك" من تجاوز أربع غرامات يومياً للبالغين الأصحاء، بينما يجب خفض الجرعة إلى النصف تقريباً لمن يعانون أمراض الكبد أو يتناولون الكحول.
أما مضادات الالتهاب غير الستيرويدية مثل الإيبوبروفين والديكلوفيناك والنابروكسين فتوصف على نطاق واسع لتخفيف الألم والالتهابات، لكنها قد ترفع إنزيمات الكبد وتسبب التهاباً حاداً عند الإفراط في استخدامها أو عند الجمع بينها وأدوية أخرى.
وفي فئة المضادات الحيوية، تذكر مجلة "الطب الباطني في نيو إنغلاند" أن تركيبة أموكسيسيلين مع حمض الكلافولانيك هي السبب الأكثر شيوعاً في التهاب الكبد الدوائي حول العالم، إذ تظهر الأعراض عادة بعد أسابيع من انتهاء العلاج على صورة يرقان وحكة وإجهاد شديد قد يستمر شهوراً.
أما أدوية مثل إيزونيازيد المستخدم لعلاج السل، وفالبروات الصوديوم للصرع، وبروبيل ثيويوراسيل لعلاج فرط نشاط الغدة الدرقية، فقد سجلت لها حالات نادرة لكنها خطرة من الفشل الكبدي الحاد. ومن بين هذه الحالات تقرير موثق من مستشفى الملك فيصل التخصصي لطفل سعودي في الثامنة تعرض لتلف كبدي حاد بعد استخدام أحد هذه الأدوية وتعافى بعد علاج طويل.
خلال الأعوام الأخيرة ارتفعت أعداد الحالات المسجلة لفشل الكبد الناتج من المكملات العشبية، لا سيما تلك التي تسوق على أنها آمنة أو صحية.
وتوصي الجمعية الأوروبية لدراسة الكبد بتجنب بعض النباتات التي ثبت ضررها، مثل الكافا والبلاك كوهوش والجيرماندر ومستخلص الشاي الأخضر بتركيزات عالية، بعد تسجيل مئات الإصابات الكبدية التي استدعت زراعة كبد في أوروبا وأميركا.
ووفق دراسة حديثة نشرتها مجلة شبكة الجمعية الطبية الأميركية المفتوحة فإن أكثر من 15 مليون أميركي يتناولون مكملات غذائية تحوي مكونات قد تكون سامة للكبد. وأشارت إلى أن كلمة طبيعي أصبحت شعاراً تجارياً وليست ضماناً صحياً.
ومن بين المكملات التي ارتبطت بحالات إصابة كبدية أيضاً الكركم والأشواغاندا، وكذلك فيتامين "أ" والحديد والنياسين عند تناولهما بجرعات عالية. وتؤكد "مايو كلينك" أن الإفراط في هذه المواد يدمر الكبد ببطء كما تفعل السموم.
وفي السعودية وثقت مختبرات مستشفى الملك فيصل التخصصي حالات فشل كبدي ناتجة من أعشاب محلية وخلطات تنحيف، تبين بعد تحليلها أنها تحوي مركبات كيماوية مؤذية للكبد.
الإصابة تبدأ عادة بإرهاق بسيط وغثيان وفقدان للشهية، ثم يتغير لون البول إلى داكن ويظهر اصفرار العينين والجلد. وتوصي "مايو كلينك" بمراجعة الطبيب فوراً عند ملاحظة هذه الأعراض بعد تناول أي دواء أو مكمل جديد، لأن التوقف المبكر عن الدواء هو العامل الأهم في الشفاء.
وتشير دراسات مركز كليفلاند كلينك إلى أن النساء أكثر عرضة للإصابة من الرجال، وأن الخطر يزداد لدى من يعانون أمراضاً كبدية سابقة أو يتناولون الكحول أو لديهم سمنة مفرطة.
يؤكد "مايو كلينك" و"كليفلاند كلينك" ومستشفى الملك فيصل التخصصي أن الوقاية تبدأ من الوعي.
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويجب الالتزام الدقيق بالجرعات المحددة، وإبلاغ الطبيب بكل الأدوية والمكملات قبل وصف أي علاج جديد، وإجراء فحوص دورية لوظائف الكبد عند تناول أدوية مزمنة أو عالية السمية.
وينبغي التوقف الفوري عن أي دواء عند الاشتباه بضرر كبدي، إذ يعتمد الشفاء غالباً على سرعة التوقف عن العامل المسبب.
وفي حالات التسمم بالباراسيتامول، توصي المؤسسات الطبية باستخدام عقار إن أسيتيل سيستئين خلال الساعات الأولى لإنقاذ الكبد قبل تدهور الحالة.
ووسط إغراق السوق بعشرات المكملات والعلاجات العشبية، ينسى كثر أن الكبد يدفع الثمن بصمت. وكما يقول "مايو كلينك"، ليس كل ما يشفي القلب آمناً على الكبد، فالعافية لا تأتي من عبوة بل من وعي يعرف متى يتوقف قبل فوات الأوان.