الاكتئاب أكثر شيوعا بين النساء والرجال يقدمون أكثر على الانتحار

المصدر : INDEPENDENT | الأربعاء , 27 أيلول | : 480

تعد المرأة أكثر عرضة للإصابة بالاكتئاب بمعدل الضعفين بالمقارنة مع الرجل، بحسب منظمة الصحة العالمية، كما تصاب امرأة من خمس نساء بالاكتئاب بعد الولادة، وارتفاع أرقام هذه الحالات بين النساء مرتبط بعوامل عديدة بيولوجية واجتماعية وبيئية، كما أصبح واضحاً.

في المقابل، تظهر الأرقام أن الرجال أكثر ميلاً إلى الإقدام على الانتحار، وإن كانت الأرقام التي تشير إلى معدلات الانتحار بين الرجال لا تعكس حقيقة الواقع، بحسب المتخصصين.

من المهم أن يتدخل المقربون لمساعدة من لديه أفكار انتحارية ولحمايته قبل أن يقدم على هذه الخطوة (رويترز)

بشكل عام، دعا ارتفاع أرقام الاضطرابات النفسية، خصوصاً الاكتئاب، ومعدلات الانتحار في السنوات الأخيرة، المتخصصين إلى دق ناقوس الخطر. ففي لبنان تحديداً، يدعو ارتفاع هذه المعدلات في ظل الأزمة إلى نشر الوعي حول أهمية مساعدة كل من تظهر عليه علامات اكتئاب أو أفكار انتحارية، إضافة إلى أهمية التعاطي مع موضوع الانتحار بجدية ومسؤولية لأن الاستهتار في هذا المجال يزيد من الأخطار على المجتمع، وبشكل خاص على الفئات الأكثر هشاشة من الناحية النفسية.

ارتفاع معدلات الانتحار بين الرجال

من بداية عام 2023 حتى شهر أغسطس (آب)، سجلت 114 حالة انتحار في لبنان، منها نسبة 24 في المئة من الإناث ونسبة 79 في المئة من الرجال، أي إن الرجال أقدموا على الانتحار بمعدل مرتين ونصف المرة أكثر من النساء، وتوضح رئيسة جمعية Embrace لنشر الوعي حول الصحة النفسية في لبنان والشرق الأوسط ميا عطوي أن الاضطرابات النفسية ذاتها تصيب الرجل كما المرأة. في المقابل، يلجأ الرجال إلى وسائل أكثر عنفاً لدى الإقدام على الانتحار، مما يؤدي إلى ارتفاع الأرقام بينهم بالمقارنة مع النساء، لهذا السبب تنجح الخطوة التي يقدمون عليها، فيما يمكن أن تفشل المرأة في ذلك، كما تبين أن النساء يلجأن إلى العلاج النفسي ويحصلن على خدمات نفسية بمعدلات كبرى بالمقارنة مع الرجال، وهن يعبرن أكثر عن المشكلة النفسية التي يعانينها.

ومن العوامل التي أسهمت أيضاً في زيادة معدلات الانتحار بين الرجال في لبنان، الأزمة بكل ما لها من تداعيات، والصدمات المتكررة التي تعرض له المواطنون عامة بسب خسارة القدرة المادية والوضع المعيشي، ويؤثر ذلك بشكل خاص بالرجل لأنه يتحمل مسؤولية العائلة عادة، ومن الطبيعي أن تتأثر ثقته بنفسه وتقديره لذاته في هذه الحالة "تكون وطأة هذه العوامل المرافقة للأزمة ثقيلة على الرجل وتؤثر في صحته النفسية، وفي لبنان، تكثر العوامل التي أسهمت في زيادة معدلات الأفكار الانتحارية وحالات الانتحار مثل انفجار مرفأ بيروت والجائحة والوضع المعيشي الصعب، وإن لم تكن الضائقة المادية السبب الوحيد للانتحار بين الرجال بوجود عوامل أخرى تلعب دوراً في ذلك، كالعوامل البيولوجية والنفسية الخاصة بالفرد وبتاريخ العائلة، فهي عوامل تتفاعل لتؤدي إلى ذلك، ما نشدد عليه هو ضرورة أن يتحدث الرجل عن معاناته، علماً أن نسبة 90 في المئة من حالات الانتحار سببها نفسي في الأصل، فكون الرجل لا يلجأ إلى العلاج والمساعدة، تزيد الضغوط النفسية لديه، هو يعاني غالباً بصمت ولا يعبر عما يزعجه، حتى للمقربين".

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

على رغم ذلك، يبدو أن معدلات الرجال الذين يبلغون عن أفكار انتحارية لديهم أو عن اضطراب نفسي على الخط الساخن للوقاية من الانتحار 1564 في تزايد أخيراً، حتى أصبحت نسبتهم موازية تقريباً لنسبة النساء مع ازدياد الوعي حول أهمية ذلك، وتعود هذه الزيادة أيضاً إلى أن هوية المتصل تبقى مجهولة، ما يحفز الرجل على الاتصال بعد أن أصبح أكثر انفتاحاً في الحديث عن مشكلاته هذه.

وتحذر عطوي من الخطورة الكبرى لتناول موضوع الانتحار باستهتار، فقد تسلط بعض وسائل الإعلام الضوء على الانتحار بطريقة مدروسة، "على سبيل المثال، ليس صحيحاً ما يشاع، بأن ثمة زيادة في معدلات الانتحار في السنوات الأخيرة في لبنان، صحيح أنه في مارس (آذار) 2023، سجلت أعلى نسبة انتحار في هذه الفترة نفسها، إنما قد يكون السبب في طريقة تسليط الضوء على الموضوع بطريقة خاطئة، في المقابل، هناك زيادة في معدلات الأفكار الانتحارية كما يبدو واضحاً من الاتصالات على الخط الساخن".

المرأة أكثر عرضة للاكتئاب

في المقابل، تظهر الإحصاءات أن النساء أكثر عرضة للاكتئاب، وأظهرت دراسة على عينة من 100 شخص أنه في مقابل ثلاثة رجال يصابون بالاكتئاب، تصاب به ست نساء، السبب يعود إلى عوامل عديدة بيولوجية واجتماعية وبيئية وغيرها، ويوضح رئيس قسم الأمراض النفسية في مستشفى "أوتيل ديو دو فرانس" رامي بو خليل أن العوامل البيولوجية هي تلك التي ترتبط بالتقلبات الهرمونية وبتأثيراتها على المزاج، خصوصاً خلال الدورة الشهرية وفي مرحلة انقطاع الطمث، أيضاً يختلف الميل إلى الاكتئاب بحسب استعداد الشخص لتحمل الضغوط اليومية، "بشكل عام، يزيد لدى المرأة الشعور بالخوف ويكون تقدير الخطر بمستوى أعلى لديها، وتلعب عوامل اجتماعية أيضاً دوراً في ذلك، إذ لا تزال المرأة تطالب بحقوقها في أهم الدول، فلا تتقاضى أجوراً منصفة ولا تجد وظائف بالفرص ذاتها التي للرجل، هذا من دون أن ننسى تعدد المسؤوليات الملقاة على عاتق المرأة بين العمل والأمومة والاهتمام بالمنزل، إضافة إلى تعرضها للعنف في بعض المجتمعات، فكلها عوامل تجعلها أكثر ميلاً للاكتئاب".

أما الانتحار فيزيد بين الرجال من حيث العدد بالفعل لأنهم يعتمدون أساليب أكثر جدية وحدة، بحسب بو خليل، إنما أيضاً، قد يتوجه الرجل الذي يصل إلى حالة الاكتئاب نحو الانتحار كحل جذري لأنه لا يتخوف من الموت، أما المرأة فلديها هاجس الأطفال ومسؤولية البيت التي تردعها "في مجتمعنا، الرجل هو المسؤول المباشر عن العائلة وعن إيجاد حل للأزمة، في الوقت نفسه لا تسمح له عزة نفسه وكرامته بأن يتأثر سلباً لأنه المسؤول ومطلوب منه أن يحافظ على رباطة جأشه، وإن كان ضعيفاً من الداخل. لذلك، يلجأ إلى أساليب أخرى ليفرغ ما في داخله كالإدمان والعنف أو الغضب، ويشعر بعدها بالذنب والعار، وعندما يجد نفسه عاجزاً، يتصور أنه إذا أنهى حياته يكون ذلك أفضل له ولعائلته، فيقع في هذا الخطأ الفادح. هو يفضل ألا يكون موجوداً طالما أنه عاجز عن تقديم المساعدة لعائلته وما من جدوى لوجوده".

يبدو أن التفكير بالموت وإنهاء الحياة في الأزمة موجود لدى الرجل كما لدى المرأة في ظل الأزمة، لكنه يزيد عند الرجل بشكل خاص فعلاً، علماً أن الضغط المادي قد يوصل الشخص إلى الانتحار بوجود حالة اكتئاب سابقة يعانيها، إلى جانب عدم قدرته على مواجهة الضغوط والمشكلات في الحياة، ولأن الرجل يكون أكثر هشاشة من الداخل ويبدو أكثر قوة من الخارج، يمكن أن يلجأ إلى الانتحار أمام نقص الموارد العاطفية أو المادية، عندما لا يجد مخرجاً. في المقابل، كثر يواجهون المشكلات بإيجابية وأمل وتنظيم، حتى إنهم يساعدون آخرين ويمدون لهم يد العون.

ويشدد بو خليل على أن الانتحار عارض ونوبة صحية، وليس نهاية حتمية، كما أن محاولة الانتحار ليست شيئاً يدعو إلى الخجل، كأي مشكلة صحية أخرى، يجب معالجتها حتى لا تنتهي الحياة بهذا الشكل المأسوي، فالإقدام على الانتحار أو الأفكار الانتحارية من الأعراض التي تستوجب المعالجة، وقد تمر كأية مشكلة صحية بوجود طرق عدة للمعالجة. وبشكل عام، من لديه أفكار انتحارية يبلغ أحد المقربين في الأقل عن نيته هذه، فهو ليس عبارة عن موت مفاجئ، لذلك، من المهم أن يتدخل المقربون لمساعدة من لديه أفكار انتحارية ولحمايته قبل أن يقدم على هذه الخطوة، ومن المؤسف أنه في مجتمعنا، يعيب الناس على من يفكر بالانتحار ويمنعونه عن التحدث بالموضوع، ما يعد ظلماً لأنه لا يمكن استبعاد هذا الشخص، ومن المفترض أخذه على محمل الجد وإنقاذ حياته من دون انتقادات وسخرية.