لم تحظَ الشابة العشرينية “آية الخضر” بالوقت الكافي لتوازن بين دراستها في الهندسة المدنية وموهبتها في الرسم. فاختارت ترك الأخيرة والمضي قدماً في حياتها بعيداً عن شغفها، ومثلها كثر من مواهب شباب دير الزور.

حكاية “آية” واحدة من حكايات كثيرة يتخلى فيها الأشخاص عن هواياتهم نتيجة الظروف غير الداعمة، التي تجعلهم يتعاملون مع هواياتهم على أنها أمر ثانوي. قياساً بمتطلبات الحياة الأخرى.

تقول الشابة لـ”سناك سوري”، إنه لا مجال لإطلاق المواهب. وتضيف أنها بدأت الرسم قبل 5 سنوات، ونتيجة شغفها الكبير به طورت نفسها بنفسها إذ تعذر عليها إيجاد معهد متخصص بتعليم الرسم في مدينتها دير الزور. لتكون هذه إحدى أكبر العقبات التي واجهتها في طريقها لتحقيق شغفها.

كذلك فإن العقبة الأخرى تمثلّت بصعوبة فرعها الجامعي حيث لم تكن تجد الوقت الكافي لممارسة الرسم. رغم أنها وظفت الموهبة لتحصّل مورد مالي، لذا قررت ترك الرسم والتركيز على الدراسة.

في قصة مشابهة، تخلّت “أروى الجازي” الطالبة بكلية الهندسة المدنية في جامعة الفرات، عن موهبتها بالرسم. لأنها لم تستطع التوفيق بين عملها وبين دراستها وموهبتها. فاختارت ترك الأخيرة والتركيز على الدراسة والعمل.

الشابة قبل ترك الموهبة واجهت صعوبة تأمين مواد الرسم في مدينتها دير الزور. لتضطر لشرائها من دمشق بسعر باهظ.

وتعاني مدينة دير الزور الواقعة في أقصى الشرق السوري صعوبات في استعادة عافيتها مابعد الحرب. فما تزال المدينة التي انطفأت حرارة القتال فيها عام 2017 تواجه مشكلات في إعادة الإعمار وصعوبات في نقل المواد والمعدات إليها نتيجة بعدها الجغرافي وغلاء الأسعار. ما يؤثر على بيئة الحياة فيها وتوفر المستلزمات الأساسية للسكان ولدعم المواهب.

ترك طالب الهندسة الميكانيكية “محمد اليونس”، بصمته الفنية على الجدران التي رسم عليها، قبل أن يترك موهبة الرسم نتيجة قلة الفرص ومراكز التدريب ما منعه من تعزيز شغفه وتجسيده على أرض الواقع.

يقول “محمد” لو توفرت الظروف المناسبة والدعم لكان تابع هوايته وملأ جدران مدينته ألواناً زاهية لتكون سبيل راحة نفسية للأهالي الذين أتعبتهم الحرب ولونها الأسود.

يرى “محمد” إنه لا يوجد بيئة داعمة للمواهب الفنية في دير الزور حالياً ويضيف:«دفنت الموهبة بحزنٍ لأعيش أولاً، ومن ثم أرسم».

لم يساعد المجتمع “محمد الحدو” طالب الهندسة البتروكيماوية، على تنمية موهبته بالعزف على الغيتار. الذي يمتلك واحداً منه إلا أنه لا يجد مركزاً للتدريب على العزف عليه.

“محمد” قال لـ”سناك سوري”، إنه اكتشف موهبته سماعياً وتعلّم بما تيسر له من الإنترنت. لعدم وجود مراكز موسيقية تعلّم العزف على الغيتار الذي يعتبر آلة موسيقية غربية من النادر وجودها في الدير ذات الطابع الموسيقي الشرقي الذي يتجه نحو العود والإيقاع. متمنياً لو أن مراكز تعليم الموسيقا بكافة أنواعها تنتشر في مدينته.

مشكلة مشابهة يعيشها الشاب “عبد الرحمن الشوحان” الممثل المسرحي والطالب بكلية الهندسة البتروكيماوية. فهو يمارس موهبته على المسرح لكن من دون جمهور شغوف يهتم بالمشاهدة. كما يقول لـ”سناك سوري”.

الظروف المعيشية القاسية في المحافظة المنهكة من نتائج الحرب والحصار، تجعل المسرح رفاهية وغير ذا أولوية بالنسبة للسكان المشغولين بتأمين قوت يومهم والتعامل مع الظروف الصعبة التي يمرون بها. يقول “عبد الرحمن” إن السكان حالياً غير شغوفين بالمسرح وهناك أولويات أخرى.

بالوقت عينه لا يبدو المسرح أولوية للجهات الحكومية أيضاً فالشباب اليوم يقدمون مواهبهم على خشبة متعبة تغيب عنها اللوجستيات المسحرية. وذلك بسبب تأخر إعادة إعمار المركز الثقافي في المحافظة والذي تهدّم خلال الحرب وفترة الحصار التي تعرضت لها المدينة من قبل عناصر تنظيم داعش.

ويشير “عبد الرحمن” إلى أن البيئة الحالية في دير الزور تخيف الشباب من الانخراط بالمسرح وتجعلهم يعتكفون عن إعطاء هذه الموهبة حقها. خصوصاً في ظل غياب المراكز التدريبية التي تدعهما الدولة أو الخاصة.

وتلعب المواهب دوراً بارزاً في صقل شخصية الأطفال، واستمرارها معهم إلى مرحلة الشباب يساعد على تعزيز الثقة بالنفس. وتفريغ الانفعالات بطريقة آمنة خصوصاً في سن المراهقة، وتقع على الأسرة مهمة تعزيزها كما تقول المرشدة الاجتماعية، “سلمى الأبكع” لـ”سناك سوري”.

وعلى الرغم من أن البعض يتركون مواهبهم للتركيز على الدراسة، فإن هذا لا يبدو أمراً صحيحاً. وبحسب المرشدة الاجتماعية فإن المواهب تعزز الثقة بالنفس وتمنح الشباب الدافع للدراسة. لأنهم حين يحققون نجاحات في الموهبة فإن شعورهم بالكفاءة سيزداد وينعكس إيجاباً على النجاح الدراسي.

المواهب تعزز الثقة بالنفس وتمنح الشباب الدافع للدراسة لأنهم حين يحققون نجاحات في الموهبة فإن شعورهم بالكفاءة سيزداد وينعكس إيجاباً على النجاح الدراسي

تضيف المرشدة الاجتماعية لـ”سناك سوري”، أنه وبخلاف ما التحديات الخارجية والتعليقات السلبية التي يتعرض لها الموهوبون، تشكل عائقاً نفسياً. وتدعو الشباب للتركيز على التعليقات الإيجابية.

وتنصح الشباب بممارسة هواياتهم بثقة وحرية. لأن الأشخاص الذين يمارسون هواياتهم أقل عرضة للإصابة بمشاكل نفسية مثل التوتر والاكتئاب. كما أنها تحفز الإبداع والخيال لدى الأطفال والشباب أيضاً، ومن فوائدها أيضاً أنها تزيد من مستويات السعادة لدى الشباب. كما تقول المرشدة الاجتماعية.

زمالة سناك سوري 2024

إشراف: داليا عبد الكريم

أعلن في شمرا