ما جرى في حلب أخطر ما كان يمكن أن تصل إليه خيالات أكثر المتشائمين وفاقدي الثقة ‏بكافة تجليات ما يسمى «الشرعية والمواثيق الدولية».. احتلال تركي للمدينة بكل معنى كلمة ‏الاحتلال.. وما رافقه من تداول المبررات والدوافع على المستوى الرسمي البرلماني والحزبي ‏في الأوساط التركية كان صادماً.. «السوق المسقوف في حلب تشبه نظيرتها في إسطنبول.. لا ‏يمكن أن تجد مواطناً تركياً إلّا ويخفق قلبه عند ذكر حلب».. وسلسلة تهويمات قريبة إلى حدِّ ‏التماهي مع «هلوسات متعاطٍ بعد جرعة زائدة».. وكأن جيراننا تورطوا في جرعة من هذا ‏النوع..‏

فماذا لو خفقت قلوب الشعوب في إيران وأرمينيا وبلغاريا مثلاً لكافة المدن التركية الحدودية ‏مع هذه الدول، وخفقت قلوب الشعب الروسي لكافة المدن الواقعة على شاطئ البحر الأسود..؟

سيكون العالم في خطر إن كان «خفقان القلوب» هو الذي سيحكم العلاقات الدولية، عندها ‏سيكون مبدأ «توازن الرعب»، هو الأداة الوحيدة لحفظ السلم والأمن في هذا العالم، وإن حصل ‏ودرج وساد هذا الشرط والاعتبار الكارثي، فالعالم أمام عودة سريعة لمفهوم الغابة بكل ما فيه ‏من توحّش، وحسبنا ألّا تكون مجريات العلاقات الدولية تسير في هذا الاتجاه فعلاً.‏

لم نسمع أو نقرأ في سِفر التاريخ الحديث أنَّ دولةً ما، مهما كانت صغيرة، استطاعت ضرب ‏طوق عسكري، بشري وتقني، أي عديد وعتاد.. حول حدودها كشرط لازم لينعمَ شعبها ‏بالأمان، وللوقاية من هجومات خارجية محتملة، ومن «خفقات قلوب» جيرانها.‏

فالأدبيات المكتوبة والموثقة للعلاقات بين الدول، محكومة بمواثيق ومعاهدات ثم قوانين ‏ترعاها منظماتٌ دولية ضامنة للأمن والسلام العالميين.‏

أما أن يثبت بالوقائع أنّ دولة في إقليم ما، تحولت إلى غولٍ توسُعي غايته ابتلاع الجوار، ونشر ‏القلق الدائم في أوساط شعوب ودول آمنة، فهذا منعطفٌ حاد في تاريخ العلاقات الدولية منذ ‏تأسيس «الأمم المتحدة» عام 1945.‏

في مشهد اليوم ما يثير القلق وإن استمر فلن يكون ممكناً الحديث عن مجرد قلق بل رعب، ‏فالنموذج «الكولنيالي» التركي القديم يستفيق، ويحاكي ويكثف تجارب الكيان الصهيوني منذ ‏عام 1948 وحتى اليوم، بل لعلّها شراكة متجذرة بين النموذجين تقوم على تلاقي إملاءات ‏الغريزة المنحدرة من نزعات تراث وإيديولوجيات منحرفة مشبوهة، انطوى عليها «التلمود» ‏مع سِفر العثمانية القديمة التي تتجدد بكافة تفاصيلها الكارثية.‏

إنّ أكثر ما يثير الهواجس أنّ «ممارسات الرعب» الصهيونية والعثمانية الجديدة، تجري ‏بتغطية ومباركة من أعضاء كبار وفاعلين في مجالس ومنظمات دولية أُسست لحفظ السلم ‏والأمن الأممي، أي ثمة أخطار كبيرة محدقة اليوم بشعوب ومجتمعات كانت تظن أنها آمنة ‏على أرواحها وأرزاقها، تحت مظلة «الشرعية الدولية»، وتتكشف الوقائع عن أن الشعور ‏بالأمان كان وهماً.‏

اليوم باتت شرعة الأمم المتحدة بكل «مؤسساتها» أمام امتحان مصيري قاسٍ، وإن كنا على ‏يقين من أنّها ستفشل به، فإنَّ امتحان «أهل القطب الجديد» المجتهدين كثيراً باتجاه كسر ‏الأحادية القطبية، لا يقلُّ حساسية ومصيرية، فهم أمام تحدي استفراد عضو في نادي «نيتو» ‏بإقليم لا بمجرد مدينة سورية اسمها حلب.‏

حلب ستعود بإصرار وإرادة الجيش العربي السوري وأصدقاء سورية الحقيقيين، نحن على ‏يقين من ذلك، لكن ماحدث هو كابوس مستجد على مستوى العلاقات بين الدول، إن صمت ‏عنه المجتمع الدولي فلن تكون «الدنيا» بخير بتاتاً.‏

صحيفة تشرين

أعلن في شمرا