تبقى فكرة العمل الأساس التغلب على الوحوش التي نربيها داخلنا وكيف نروضها لنتعايش معها، إذ يظهر في سياق العمل الدرامي أن هذه الوحوش نحملها معنا منذ طفولتنا وهي تتغذى في عوالمنا غير المرئية.
نجح مسلسل "إريك" الذي تبثه منصة "نتفليكس" في خلق نقاش بين مشاهديه على مواقع التواصل الاجتماعي، مما ساعد في دعاية إضافية له، والإسهام في ارتفاع نسبة مشاهداته، لكن هل هذه النقاشات أصابته في الصميم؟.
الملاحظ أن غالبية ما دار من حوارات حول العمل الدرامي لا يبتعد من السطحية ومناقشة الفكرة بشكل عام، لكن ما يميز "إريك" أبعد بكثير من فكرته التي قد تبدو بسيطة حول اختفاء طفل وما يحصل بعد ذلك.
ويناقش العمل أهمية مدينة نيويورك ورمزيتها خلال ثمانينيات القرن الماضي، وما فيها من صراعات بين السلطة والمال والشرطة والمافيات والمخدرات، وكيفية السيطرة على المدينة عبر مجلسها البلدي.
وهناك أيضاً في العمل صراع ما بين التابوهات التي كانت لا تزال تسيطر على المدينة والرهاب من المثلية الجنسية، وعنصرية الشرطة ضد السود تحديداً، وجلد الذات ومحاسبتها في كثير من المشاهد، والضياع الذي يسببه إدمان الكحول والتخيلات والتهيئات، وما بينهما من وهم، والتحرش بالأطفال واغتصابهم واختطافهم وقتلهم إن لزم الأمر، كما يوجد أيضاً صراع خفي بين الرغبات والأحلام والحقيقة والخوف من الطفولة البائسة.
إذاً هو عمل درامي متعدد الأوجه، ولا يمكن حصره ضمن مساحة ضيقة، بل كلما توسعنا في نقاشه، كلما وجدنا أوجه شبه بين ما نراه وما نشعر به كمشاهدين.
هو عمل يدفع المتابع إلى التفكير بما يخاف منه، ويخرج ما فينا من وحوش كي نحاورها ونتفق معها على هدنة ربما، خوفاً من الدخول في الخطأ.
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وتبقى فكرة العمل الأساس في التغلب على الوحوش التي نربيها داخلنا، وكيف نروضها لنتعايش معها، إذ يظهر في سياق العمل الدرامي الذي كتبته آبي مورغان وأخرجته لوسي فوربس، أن هذه الوحوش نحملها معنا منذ طفولتنا وهي تتغذى في عوالمنا غير المرئية، وتكبر وتكبر إلى أن تظهر على شكل نوبات غضب أو هلوسة أو انتحار أو شعور بالذنب.
القصة
تدور أحداث العمل الدرامي والشيق حول إختفاء الطفل إدغار الذي يسكن مع عائلته في نيويورك حين كان متوجهاً إلى المدرسة، ويتسبب ذلك في حال حزن شديدة للأب الذي يعمل مقدماً لبرنامج تلفزيوني شهير خاص بالأطفال "Good Day Sunshine"، وأحد محركي الدمى الرائدين في المدينة، والأم التي تعاني الاكتئاب فتطلب الانفصال من زوجها للجوء إلى الحبيب القديم الجديد.
حادثة تركب العائلة وتشتتها، لكن قبل اختفائه يبتكر الطفل شخصية كرتونية جديدة سماها "إريك"، وهو وحش لكن لطيف، وخلال حال التشتت الذهني والصدمة التي أصابت الأب، تلمع فكرة في رأسه أن من سيجد ابنه الضائع لن يكون إلا هذا الوحش اللطيف الذي ابتكره ابنه، فيعمد إلى تجسيد هذه الشخصية والطلب من القيمين في أن تكون ضمن البرنامج، وتتخلل كل هذه الأحداث كثير من القصص الجانبية، مثل اختفاء شاب أسود منذ أشهر، لكن هذه الحادثة لم تلق الاهتمام الإعلامي والرسمي الذي لاقته حادثة اختفاء الطفل، والسبب واضح وهو لون البشرة الذي تحدد على أساسه المدينة أولوياتها.
قصص هامشية
ومن ضمن القصص الهامشية أيضاً تجارة المخدرات والتحرش والاغتصاب والفساد الإداري في المدينة، ويبقى الأهم التحولات النفسية التي يمر بها الأب والذي يلعب دوره الممثل البريطاني بينيديكت كامبرباتش.
وقد نجح الممثل، الذي عمل في المسرح والتلفزيون والسينما والإذاعة، في أن يقدم مزيجاً من الحالات النفسية والتهدجات الصوتية، وكان مقنعاً في لعب دور المأزوم نفسياً، والخائف دوماً من والده القاسي الذي لم يكن مثالياً في طفولته، كما قدم عدداً من التناقضات في الشخصية ذاتها، إذ يكون في آن وقحاً ويهاجم سياسياً مرشحاً لمنصب رئيس البلدية، ومضحكاً جداً حين يكون مع زملائه في البرنامج.
ويختلف الدور الذي قدمه في العمل شكلاً ومضموناً عما قدمه سابقاً، وحقق الممثل البريطاني شهرة واسعة من خلال شخصية شيرلوك هولمز التي قدمها ضمن مسلسل "شيرلوك" (Sherlock) التي عرضته قناة BBC.
ولا يشعر المشاهد بالملل طوال الحلقات الست، فالأحداث سريعة ومترابطة والسيناريو لافت، بخاصة في الحوارات ما بين الأب والأم أو ما بين المحقق ورئيسه، وشارك إلى جانب بيندكت كامبرباتش كل من إيفان موريس هاو وغابي هوفمان وماكينلي بيلشر.