بين الفوضى والانسجام وعدمه! بقلم: علي نصر الله

تَلِجُ السياسة الأميركية مرحلة جديدة من العبثيّة تُنفذها إدارة جو بايدن، وقد بَدت ملامحها واضحة على الأقل إلى الحدود التي لا تَخفى حتى على غير المُهتمين بالتفاصيل، فمن جهة تُواصل – من حيث انتهت إليه – سياسات إدارة دونالد ترامب، ومن جهة أخرى تُحاول الإيحاء بأنها تَنقلب على الكثير مما انحرفت باتجاهه إدارة ترامب.

الهوامشُ بين المُحافظة على السياسات السابقة والانقلاب عليها، على الدوام كانت مساحة تتلاعب بها واشنطن الديمقراطية أو الجمهورية وبالعكس، وقد خَبرها العالم في العديد من الملفات المطروحة والأزمات القائمة، ليَثبت معها ربما خُبث مَذهب التلاعب الأميركي، وليَصير من الثابت أنّ هذه العلّة إذا كانت أميركية خالصة، فهي من جانب آخر عالمية – غربية بامتياز أكثر منها أميركية.

للقاصي والداني صارَ واضحاً أن واشنطن تقود معسكراً تابعاً مُمتداً يُمارس الإرهاب والبلطجة ويَسعى للهيمنة يَلتحق به الغرب والشرق بمُجرد صدور أمر عمليات منها تُوزع فيه المَهمات والأدوار التي تُنفّذ من غير اعتراض وبكثير من الحماس من دون تَدقيق وحتى لو تَعارضت مع المصالح الوطنية لمُكونات المعسكر – المنظومة – التي تَخضع صاغرة لإرادة الشر الصهيو-أميركية.

في الكثير من الجبهات التي تَفتتحها أميركا تَخلق بالقوّة حالة الانسجام والتكامل بين أعضاء فريق العدوان الذي تَقوده، وعندما تتعثر بتحقيق الأهداف التي تُلاحقها تَتَعمد فعل ما يُؤدي إلى الضياع ويُوحي بعدم الانسجام بين مُكونات الفريق المنظومة، فتسود حالة الفوضى المُتعمد خَلقها لتَستغلها واشنطن كسباً للوقت ولتَجعلها فرصة لإعادة ترتيب الأوراق والغايات مع إبقاء الجميع تحت السيطرة.

الأمرُ الذي تَكرر من جانب واشنطن وَوَضَعَ معسكر حلفائها وأدواتها الرخيصة في حالة لا تُحسد عليها، تَذهبُ إليه واشنطن كلما اقتضت الحاجة له ولا تُوفره، وليس مُهماً لها إن أحرجت هؤلاء أو حَشرتهم بأقذر الزوايا وأضيقها، وهناك الكثير من الأمثلة التي تُؤكد ذلك بالأدلة والوقائع، فعندما قَبلت أميركا وضعَ تنظيم جبهة النصرة على قائمة الإرهاب، حَشرت شُركاءها في تَصنيعه ودَعمه وإمداده بزاوية صَعبة، وفي الوقت عينه بَرّأَت ذاتها منه، ثم عادت بعد ذلك لاستصدار الأمر لمن أحرجتهم وحشرتهم بالاشتغال على تَغيير اسم التنظيم الإرهابي ورايته.

الانتقالُ الأميركي من حالة الانسجام بين مُكونات معسكر واشنطن بدعم تنظيم جبهة النصرة الإرهابي، إلى حالة عدم الانسجام داخل المعسكر باستصدار قرار يَحظر التنظيم إياه ويُوجب مُلاحقته – شَكلاً لا واقعاً – هذا الانتقال الأميركي خلقَ نوعاً من الفوضى، استثمرتها إدارة أوباما آنذاك نفاقاً وتضليلاً تحت ما سُمي فصل المعارضة عن الإرهاب، أي فرز الإرهاب بين رديء وجيد، مَرفوض ومَقبول، لتَعود للاستثمار بالتنظيم الفرع التابع لتنظيم القاعدة الإرهابي الذي ادّعت واشنطن قتاله ومُحاربته والذي تُفاوضه هو ومُشتقاته اليوم في الدوحة وكابول!.

الأمرُ ذاته تَكرر غير مرّة، فقرار ترامب المُفاجئ بسحب قواته الغازية المُحتلة من التنف ومُحيطها بمنطقة الجزيرة السورية خلقَ حالة من الفوضى والضياع بين صفوف حُلفاء أميركا وأدواتها، ذلك من بعد انسجام بينهم، وذلك من بعد توزيع أدوار بينهم داعمة للدواعش ومُستثمرة فيهم، والحالة كذلك فإنّ كذبة الكيماوي لا تَنفصل عن قصص العقوبات المفروضة على سورية وروسيا وإيران وسواها، وتَتَطابق مع توقيع الاتفاق النووي الإيراني والخروج الأميركي منه، ثم مُحاولة العودة المَشروطة له بإقحام مَسائل أخرى في سياقه تَرفضها طهران، ولا مصداقية لمواقف الجانب الأوروبي داخل مجموعة 4 + 1 تجاهها، وقد افتُضح عَجزها بعدم تَفعيل “اينستكس – spv” وعُريها بالعديد من المواقف تجاه روسيا والصين، نَشر الدرع الصاروخية مثال، والاتفاقيات التجارية الدولية الأنموذج!.

بين الانسجام وعَدمه داخل مَنظومة العدوان والبلطجة التي تَقودها الولايات المتحدة، تُحاول إدارة بايدن خلق الفوضى المُنتجة إحياءً أو تَرجمة لاستراتيجية الفَوضى الخلّاقة للالتفاف على الإخفاقات بكُلية مَشاريعها كنتائج باتت تُلامس باتجاهات مُتعددة الهزيمة الكاملة التي ربما لن تتوقفَ عند حدود عدم تحصيل الأهداف، بل تَذهب لانهيارات أميركية وعلى امتداد تحالفها الشيطاني صارت حَتميّة.. ولن نَستعجل الحديث عن انتصارات ناجزة تُحققها الأطراف المُستهدفة في أمنها وحدودها وسيادتها واقتصاداتها.

أعلن في شمرا

الأكثر قراءة