على رغم أن البشر لم يتعلموا كيفية توليد الكهرباء إلا في القرنين الأخيرين، فإننا كنا على دراية بوجودها في الطبيعة لبعض الوقت، حيث كانت الأسماك الكهربائية في مصر القديمة تسمى "صاعقة النيل"، وتظهر في المنحوتات التي يرجع تاريخها إلى عام 2725 قبل الميلاد.
كثيراً ما كانت الطاقة الكهربائية موجودة حولنا، لكن البشر لم يتمكنوا من فهمها أو التحكم بها حتى القرنين الـ18 والـ19 عندما أدت سلسلة من الاكتشافات الكبرى إلى تطوير تقنيات نعتبرها اليوم أمراً مفروغاً منه.
تعتبر الكهرباء جزءاً من الطبيعة، وهي تشبه النار من ناحية أنها كانت موجودة منذ الأزل، ولكن تسخيرها لأغراضنا الخاصة كان خطوة رئيسة في التطور البشري. لذا، تطرح أسئلة كثيرة عن كيفية اكتشافها وإسهامات بعض الشخصيات الأكثر شهرة في تطويرها، مما يحتاج إلى التعمق في التاريخ لتوضيحه بالتفصيل.
من دون الكهرباء تكاد تكون الحياة المعاصرة مستحيلة، فهي شريان الحياة في معظم الجوانب التي نستخدمها يومياً، وتعمل على تشغيل الأجهزة الضرورية لحياتنا اليومية كالثلاجة والغسالة وشحن الأجهزة الخليوية والتدفئة والتبريد وغيرها، وهي أجهزة ضرورية تعمل على تسهيل الحياة بصورة كبيرة وملحوظة من دون مشقة.
متى اكتُشفت الكهرباء؟
على رغم أن البشر لم يتعلموا كيفية توليد الكهرباء إلا في القرنين الأخيرين، فإننا كنا على دراية بوجودها في الطبيعة لبعض الوقت، حيث كانت الأسماك الكهربائية في مصر القديمة تسمى "صاعقة النيل"، وتظهر في المنحوتات التي يرجع تاريخها إلى عام 2725 قبل الميلاد.
ويرجح العلماء أن أول محاولة لاستخدام الطاقة الكهربائية كانت في الطب ويفترضون أن اليونانيين والرومان والمصريين استخدموا الأسماك الكهربائية كعلاج للصرع والنقرس.
النوع التالي من الكهرباء الذي اكتشف هو الكهرباء الساكنة التي تُنسب إلى الفيلسوف اليوناني ثاليس ميليتوس الذي رأى أنه يمكن جعل جزيئات الغبار تلتصق بالعنبر، بالطريقة نفسها التي قد نلاحظ بها التصاقها بالبالون.
أما مصطلح "الكهرباء"، فلم يكن موجوداً حتى أوائل القرن الـ17، عندما توصل عالم إنجليزي يدعى ويليام جيلبرت إلى كلمة "إليكتريكوس" لوصف الأشياء التي تجذب الغبار مثل حجر العنبر الأشهب، وهو عبارة عن حجارة تكونت من مواد نباتية تحجرت على الأشجار القديمة منذ أكثر من 50 مليون عام، وأدى هذا في النهاية إلى الاستخدام الحديث لكلمة "كهرباء".
وقع الرئيس الأميركي فرانكلين روزفلت عام 1936 على قانون "كهربة الريف" الذي ساعد في جلب الطاقة الكهربائية إلى المناطق الريفية (بيكساباي)
تجربة الطائرة الورقية
قد يكون بنجامين فرانكلين معروفاً بأنه أحد الآباء المؤسسين للولايات المتحدة، لكنه قام أيضاً بدور رئيس في تاريخ الكهرباء، فخلال ليلة عاصفة وحالكة من صيف عام 1752، أجرى فرانكلين تجربة باستخدام طائرة ورقية ومفتاح معلق عند طرف خيطها، وتحسست هذه التجربة وقوع البرق وكانت تأمل في ردع صاعقته الكهربائية بتجميع وتفريغ شحناته في مكان آمن.
في الثقافة الشعبية، غالباً ما يُنسب إلى فرانكلين اكتشاف الكهرباء، خصوصاً أن تجربته مكّنت من اختراع مانع الصواعق، ولكن كما ذكرنا، فإن الأمر ليس بهذه البساطة، إذ لم تكُن هذه هي المرة الأولى التي يحدد فيها أي شخص الصلة بين الكهرباء والبرق، لكنه كان أول من جمع القطع معاً وشرح كيفية عملها.
البطارية الكهربائية
يعود تطوير أول بطارية كهربائية والمعروفة باسم "البطارية الفولتية" للعالم الإيطالي أليساندرو فولتا عام 1800، إذ أكدت تجاربه أن الكهرباء لا تنتجها الحيوانات مثل الضفادع التي كانت تستخدم عادة في المختبرات في ذلك الوقت، بل يمكن أيضاً إنتاجها من خلال التفاعلات الكيماوية وجعلها تنتقل في دائرة.
وأحدثت اكتشافات فولتا تقدماً سريعاً في مجال الكهرباء، بما في ذلك اختراع الدينامو، وهو مولد كهربائي قام بدور رئيس في الثورة الصناعية. وبعد أعوام عدة من وفاته، ارتبط الفولت وهو وحدة قياس الطاقة الكهربائية باسمه تقديراً لإنجازاته.
الولايات المتحدة أول دولة تنتشر فيها الكهرباء بصورة واسعة داخل المنازل (بيكساباي)
المحرك الكهربائي
لا يعتبر عالم الكيمياء والفيزياء الإنجليزي مايكل فاراداي مشهوراً كبعض الأسماء الأخرى في تاريخ الكهرباء، لكن يُنسب إليه تطوير فكرة المجال الكهرومغناطيسي، وأمضى معظم حياته في إنجلترا لكن أفكاره سافرت حول العالم، وأصبح عضواً فخرياً في الأكاديمية الأميركية للفنون والعلوم، وطور أول محرك كهربائي وأظهره للعلن في 1821.
وعام 1836 قدم فاراداي أحد أكثر الاختراعات المبهرة حينذاك التي أطلق عليها اسم "قفص فاراداي" وهو عبارة عن غرفة مضادة للموجات الكهربائية والكهرومغناطيسية. كما حدد قوانين التحليل الكهربائي التي لا تزال تستخدم حتى اليوم لتحديد مقدار الطاقة التي يجب أن تمر عبر مادة ما من أجل إحداث تغيير كيماوي.
المصابيح الكهربائية
إلى ذلك ينسب إلى المخترع الأميركي توماس إديسون على نطاق واسع اختراع المصباح المتوهج، ولكن الرواية الأكثر دقة هي أنه قام بتحسين هذه التقنية التي كانت موجودة بالفعل، وكان عدد كبير من براءات اختراع إديسون البالغ عددها 1093 نتاجاً للعمل الجماعي، إذ عمل فريق كبير من الباحثين في مختبره في "مينلو بارك" واضطلعت بحوثهم بدور رئيس في تطوير تقنية التسجيل الصوتي والأفلام السينمائية.
وأحد أكبر إنجازات إديسون يتمثل في افتتاح أول محطة طاقة في مدينة نيويورك عام 1882 سميت محطة "بيرل ستريت"، كما قام أيضاً بتثبيت أول مصابيح الشوارع الكهربائية في ولاية نيو جيرسي، مما مثل بداية نهاية الإضاءة بالغاز في المدن الأميركية.
في النهاية، تطورت شركات إديسون إلى العلامة التجارية الشهيرة "جنرال إلكتريك"، المعروفة بغسالاتها وثلاجاتها ومصابيحها الكهربائية.
متى استخدمت الكهرباء للمرة الأولى في المنازل؟
في سياق متصل، غالباً ما يوصف المخترع الأميركي نيكولا تيسلا بأنه منافس إديسون، وهناك بعض الحقيقة في هذه الفكرة. ولد تيسلا في الإمبراطورية النمسوية وعمل في الفرع الفرنسي لشركة إديسون قبل أن ينتقل إلى الولايات المتحدة عام 1884. وبعد أن دشن مختبره الخاص في مدينة نيويورك، عمل مع المهندس الأميركي جورج وستنغهاوس لتطوير نظام التيار المتناوب (AC) الذي تنافس مع نظام التيار المستمر (DC) الخاص بإديسون.
ويعرف هذا التنافس في التاريخ باسم "حرب التيارات" وأدى إلى إنجازات هندسية كهربائية تجلت بتزويد مدينة بوفالو في نيويورك بالطاقة من شلالات نياغارا. وطور تيسلا أنواعاً مختلفة من المحولات، بما فيها "ملف تيسلا"، وهو محول عالي الجهد ومنخفض التيار يستخدم غالباً للترفيه.
وكانت حرب التيارات بداية العصر الحديث للكهرباء، إذ طرحت تقنيات جديدة حول العالم، ففي ولاية ويسكونسن الأميركية، أصبح رجل يدعى هنري روجرز أول شخص يستخدم الطاقة الكهرومائية لتوليد الكهرباء في منزله، بينما بنى فيرنر فون سيمنز أول سيارة ترام كهربائية في ألمانيا عام 1881.
وتجسد التحدي التالي بتوصيل الكهرباء إلى منازل الناس، وعام 1936 وقع الرئيس الأميركي فرانكلين روزفلت على قانون "كهربة الريف" الذي ساعد للمرة الأولى في العالم على جلب الطاقة الكهربائية إلى المناطق الريفية التي كانت بعيدة من شبكات التوزيع القائمة، لتصبح الولايات المتحدة أول دولة تنتشر فيها الكهرباء بصورة واسعة داخل المنازل.
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
الطاقة النووية
مع توافر الكهرباء في كل منزل تقريباً، لجأ الباحثون إلى طرق جديدة لتوليد الطاقة لمواكبة الطلب المتزايد عليها. وكانت الطاقة النووية واحدة من أكثر الأفكار الواعدة التي تستخدم اليورانيوم لتوليد الطاقة من خلال الانشطار النووي، وأطلق الرئيس الأميركي دوايت أيزنهاور عام 1957 على برنامج البحث هذا اسم "الذرة من أجل السلام" لتمييزه عن الحرب الذرية.
لكن افتتاح أول محطة للطاقة النووية لتوليد الكهرباء النظيفة في العالم يعود لعام 1954، حين دخلت محطة "أوبنينسك" النووية الواقعة غرب روسيا حيز التشغيل وكانت مزودة بمفاعل اليورانيوم والغرافيت مع ناقل حراري مائي.
وخلال الأعوام الأولى من التشغيل، كانت المحطة بمثابة منشأة تجريبية لتطوير تقنيات الطاقة النووية وتدريب المتخصصين من المحطات النووية التجارية وأطقم الغواصات النووية.
الطاقة الشمسية
ويُعدّ تطوير تقنية الألواح الشمسية عملية متكررة استغرقت عدداً من الإسهامات من علماء مختلفين، وهناك بعض الجدل حول متى أنشئت بالضبط ومن يجب أن ينسب إليه الفضل في الاختراع. ويعزو بعض المتخصصين اختراع الخلية الشمسية إلى العالم الفرنسي إدموند بيكريل الذي حدد أن الضوء يمكن أن يزيد من توليد الكهرباء عند وضع قطبين معدنيين في محلول موصل، وكان هذا الاختراق الذي تم تعريفه باسم "التأثير الكهروضوئي" مؤثراً في تطورات الخلايا الكهروضوئية اللاحقة مع عنصر السيلينيوم.
واكتشف العالمان الإنجليزيان ويليام غريلز آدامز وريتشارد إيفانز داي عام 1876 أن السيلينيوم يولد الكهرباء عند تعرضه لأشعة الشمس. وبعد بضعة أعوام، تحديداً في 1883، أنتج العالم الأميركي تشارلز فريتس أول خلية شمسية مصنوعة من رقائق السيلينيوم، مما جعل بعض المؤرخين ينسبون إلى فريتس الفضل في اختراع الخلايا الشمسية.
ومع ذلك، فإن الخلايا الشمسية كما نعرفها اليوم مصنوعة من السيليكون وليس السيلينيوم، لذا يعتقد بعضهم بأن الاختراع الحقيقي للألواح الشمسية مرتبط بإنشاء ثلاثة علماء أميركيين وهم داريل تشابين وكالفن فولر وجيرالد بيرسون للخلية الكهروضوئية السيليكونية في مختبرات "بيل" عام 1954. ويزعم كثيرون أن هذا الحدث يمثل الاختراع الحقيقي لتكنولوجيا الخلايا الكهروضوئية لأنه كان أول مثال لتكنولوجيا الطاقة الشمسية التي يمكنها بالفعل تشغيل جهاز كهربائي لساعات عدة في اليوم.