غالباً ما يقدم المسلسل رؤية مستقبلية متشائمة عن عالم تطغى عليه التقنيات الحديثة بحيث تنقلب ضد البشر أو تؤدي إلى نتائج كارثية وغير متوقعة.

إذا أردت الانفصال عن الواقع والابتعاد من مشكلات الحياة اليومية العادية، والغوص في عالم آخر له مشكلات مختلفة وغريبة وربما مريضة، عليك بمشاهدة الموسم السابع من "بلاك ميرور" (Black Mirror) التي تبثه منصة "نتفليكس".

ويأخذ العمل العبثي المشاهدين إلى مستقبل تكنولوجي قاتم يهدف هذه المرة إلى إحياء الماضي، ويواصل استكشاف الجوانب المظلمة للتكنولوجيا وتأثيرها في المجتمع من خلال ست حلقات مستقلة تتناول مواضيع متنوعة، مثل الذكاء الاصطناعي والوعي البشري وتطورات التكنولوجيا المتسارعة، ويقدم هذا الموسم تجربة مشوقة ومثيرة للتفكير مع حلقات تتراوح بين الرعب النفسي والدراما العاطفية.​

ومن أبرز المفاجآت حلقة تكميلية للحلقة الشهيرة "USS Callister" من الموسم الرابع، إذ يعود كل من كريستين ميليوتي وبيلي ماغنوسن وجيمي سيمبسون لاستكمال القصة السابقة، في حين ستقدم الحلقات الخمس الباقية قصة جديدة كلياً.

ملصق العمل (نتفليكس)

ومع انتهاء عرض كل حلقة يشرد المشاهد بما رآه، فهل فعلاً ستتحكم التكنولوجيا بنا قريباً، وهل سيدخل الذكاء الاصطناعي إلى ذكرياتنا ليعيد ترتيبها أو محوها، وهل سنكون قادرين على التواصل مع الموتى، ولماذاً أصلاً سنسلم أنفسنا وعقولنا إلى الآلة؟

أسئلة كثيرة يمكن طرحها بعد مشاهدة هذا الموسم السوداوي المظلم حول الحب والعلاقات وكيف تدمرها التكنولوجيا، حول الأنا التي سترضخ للتقدم والتطور.

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

و"بلاك ميرور" مسلسل بريطاني يصنف كدراما وخيال علمي وديستوبيا المستقبل القريب، من إعداد تشارلي بروكر، وعرض للمرة الأولى على القناة الرابعة البريطانية في ديسمبر (كانون الأول) 2011. وفي عام 2015 اشترت "نتفليكس" حقوق إنتاج المسلسل وعرض منه حتى الآن سبعة مواسم، فمعظم الحلقات كتبها بروكر بمشاركة كبيرة من قبل المنتج التنفيذي أنابيل جونز.

وتدور أحداثه في إطار من الدراما والإثارة حول الجانب المظلم من التكنولوجيا في المستقبل القريب والبعيد وتداعياته على قرارات ومصائر أبطال العمل، كل حلقة لها قصة مختلفة وطاقم مختلف ولا تدور في إطار زمني واحد إلا نادراً، إضافة إلى تغيير في التصوير والمواقع، وعليه فإن الحلقات مختلفة الأحداث والشخصيات ولا يربط بينها غير مسألة التقنية الحديثة وتأثيرها في النفس البشرية.

مشهد ممن الحلقة الأولى (نتفليكس)

 ​​​​​​​مشهد من الحلقة الأولى (نتفليكس)

ويتميز العمل بطابعه السوداوي والنقدي تجاه التكنولوجيا الحديثة وتأثيرها في المجتمع والأفراد، ويغوص في أفكار جريئة وغير مريحة، ليطرح أسئلة أخلاقية معقدة حول علاقتنا بالتقنية.

وغالباً ما يقدم المسلسل رؤية مستقبلية متشائمة عن عالم تطغى عليه التقنيات الحديثة، إذ تنقلب ضد البشر أو تؤدي إلى نتائج كارثية وغير متوقعة، ويلاحظ المشاهد من خلال متابعة العمل كمّ التشاؤم الذي يحويه، إذ نادراً ما تنتهي الحلقات بنهاية سعيدة، وثمة دائماً إحساس بالمرارة أو المفارقة المزعجة.

وغالباً ما تقدم كل حلقة نوعاً من الابتكار وفكرة جديدة سابقة لعصرها، ولا يكتفي المسلسل بعرض التكنولوجيا بحد ذاتها بل ينتقد الطريقة التي يستخدمها البشر كنوع من النقد الاجتماعي، ويقول الكاتب تشارلي بروكر في حديث إلى وكالة الصحافة الفرنسية عن الموسم الجديد إن "بعض الحلقات غير سارة على غرار بدايات بلاك ميرور"، في حين ثمة أخرى مؤثرة جداً مما يجعلها في الواقع مزيجاً من المألوف وغير المتوقع".

وتستلهم حلقات عدة الحنين إلى الماضي من خلال تقنيات تتيح إحياء ذكرى ما من خلال الغوص في صورة قديمة، أو إعادة صوغ فيلم بالأبيض والأسود بفضل الذكاء الاصطناعي، ومن بين الممثلين المشاركين في هذا الموسم بول جياماتي وينتر بريك ورشيدة جونز وإيسا راي وإيما كورين.

وكتب تشارلي بروكر الموسم السابق أثناء جائحة "كوفيد-19" في وقت كان يشعر "بالاشمئزاز من التكنولوجيا"، ويحظى الجزء السابع من المسلسل بإعجاب محبيه القدامى بفضل "عودته للأساسيات مع استكشاف التطورات التكنولوجية في المستقبل القريب، ونبرة ساخرة ونقد اجتماعي"، ولا يظهر في العمل أن التكنولوجيا سيئة أو شريرة، لكن المشكلة تعود غالباً في خطأ أو سلسلة من العواقب.

لقطة من العمل (نتفليكس)

والملاحظ أن العمل يتفوق عندما تكون التكنولوجيا مجرد جزء واحد من القصة وليس الهدف من القصة، وثمة تفاوت واضح في المستوى بين الحلقات الست، وقد تكون الأولى والخامسة من أبرز الحلقات التي قدمت طوال السلسلة لما فيها من صدمات نفسية.

الحلقة الأولى

تتناول الحلقة الأولى بعنوان "ناس عاديون" (Common People) قصة زوجين أنقذا بواسطة تقنية طبية معجزة، لكنهما يتعرضان للاختناق تدرجياً بسبب نموذجها القائم على الاشتراك، وهي نوع مألوف من حلقات Black Mirror، إذ يحدد بعض العلل الاجتماعية الواضحة المتعلقة بالطبقية والتكنولوجيا، ومن ثم يستغل فرضية الخيال العلمي لاستكشاف تلك القضايا بطريقة أكثر حدة.

يلعب كريس أودوود ورشيدة جونز دور زوجين يكافحان من أجل تغطية نفقاتهما، وعندما ينتهي الأمر بجونز في غيبوبة بسبب ورم في الدماغ، تُعرض على أودود فرصة لإنقاذها بتقنية جديدة مذهلة من شركة "ريفرمايند" الناشئة، ويستبدل الجراحون المنطقة المصابة بالسرطان بأنسجة اصطناعية، ويجري نقل أجزاء ذاكرة وشخصية جونز الموجودة في ذلك الجزء من أنسجة الدماغ إليها عبر السحابة مع رسوم اشتراك شهرية باهظة بالطبع.

وكان كل من أو داون وجونز ممتازين ومؤثرين في الحلقة، وكذلك تريسي إليس روس في دور المندوب غير المكترث المحبط لريفيرمايند، والمشكلة هي أنه في اللحظة التي يجري فيها تقديم فكرة الاشتراك الشهري يتضح على الفور إلى أين تتجه القصة.

مشهد من الحلقة الأخيرة (نتفليكس)

إن المعضلة الوجودية المتمثلة في أن تكون حياتك مرتبطة بأهواء خدمة الاشتراك أمر مزعج ويصيبك بالإحباط، وتقدم الحلقة نقدًا لاذعاً لنظام الاشتراكات الرأسمالي، وبخاصة في سياق الرعاية الصحية، وتحمل الحلقة رسائل اجتماعية مهمة تنعكس بصورة كبيرة على الواقع الحالي ومنها استغلال الضعف الإنساني، إذ تقدم الشركة الحلول في لحظات اليأس ثم تستغل الاحتياج العاطفي لفرض شروط مجحفة، كما تسلط الضوء على فقدان السيطرة على الجسد، إذ يتحول جسد أماندا إلى منصة إعلانات مما يعكس تسليع الجسد البشري في العصر الرقمي، ويبرز بصورة واضحة الأداء التمثيلي القوي بخاصة لجهة الانهيار العاطفي التدرجي.

الحلقة الخامسة

"مديح" (Eulogy) هي الحلقة الأكثر تأثيراً في هذا الموسم، إذ يجسد بول جياماتي دور رجل يعلم بوفاة صديقته السابقة، ويتلقى طرداً من عائلة المرأة يحوي جهازاً يسمح له بالدخول إلى صوره القديمة ليظهر ذكرياته عنها كجزء من مشروع تأبين.

وتكمن المشكلة في أنه بسبب غضبه من انفصالهما محى أية صورة لوجهها والآن لا يستطيع تذكرها حقاً، ويدخل إلى الصور متتبعاً قصة العلاقة بينما يحاول يائساً استعادة صورة وجهها مرة أخرى.

جياماتي رائع، إذ يضفي جاذبية على دور رجل يفرز حقائق حياته الخاصة وما فعله وما لم يفهمه عن المرأة التي أحبها، وحافظ على انفعالات الشخصية وتطورها بطريقة مذهلة، وقدمت الحلقة قصة جميلة عن الندم وسوء التواصل والطريقة التي يبقى بها الحب في قلوبنا حتى مع تلاشي الذكريات.

الإعداد التكنولوجي هو أحد الخيوط المثيرة للإعجاب في هذه الحلقة الذي شارك في كتابتها كل من بروكر وإيلا رود، إذ تسمح المؤثرات الخاصة التي ظهرت لجياماتي بالقفز إلى الصور القديمة واستكشاف المشهد المعاد إنشاؤه من حوله، لكن بناء العالم خارج هذه المشاهد المدمجة بين مشاهد الحركة الحية هو المؤثر حقاً.

"بلاك ميرور" والأسئلة الوجودية التي لا تنتهي
"بلاك ميرور" والأسئلة الوجودية التي لا تنتهي
"بلاك ميرور" والأسئلة الوجودية التي لا تنتهي
"بلاك ميرور" والأسئلة الوجودية التي لا تنتهي
"بلاك ميرور" والأسئلة الوجودية التي لا تنتهي
"بلاك ميرور" والأسئلة الوجودية التي لا تنتهي
"بلاك ميرور" والأسئلة الوجودية التي لا تنتهي
"بلاك ميرور" والأسئلة الوجودية التي لا تنتهي
"بلاك ميرور" والأسئلة الوجودية التي لا تنتهي
"بلاك ميرور" والأسئلة الوجودية التي لا تنتهي
"بلاك ميرور" والأسئلة الوجودية التي لا تنتهي
"بلاك ميرور" والأسئلة الوجودية التي لا تنتهي
"بلاك ميرور" والأسئلة الوجودية التي لا تنتهي
"بلاك ميرور" والأسئلة الوجودية التي لا تنتهي
"بلاك ميرور" والأسئلة الوجودية التي لا تنتهي
أعلن في شمرا