النساوة حالة من فقدان الذاكرة، يصعب على بعض المصابين بها تكوين ذكريات جديدة، ويعجز آخرون عن تذكر الحقائق أو التجارب الماضية. على أي حال، عادةً ما يحتفظ المصابون بالنساوة بمعرفة هويتهم الشخصية إضافةً إلى مهاراتهم الحركية.
إن فقدان الذاكرة الخفيف طبيعي عند التقدم بالسن، لكن قد يشير فقدان الذاكرة الواضح أو انعدام القدرة على تكوين ذكريات جديدة إلى وجود أحد اضطرابات النساوة.
العَرض الأساسي للنساوة فقدان الذاكرة، أو عدم القدرة على تكوين ذكريات جديدة، وقد يعاني المصابون بالنساوة أعراضًا أخرى مثل:
من جهة أخرى، يحافظ المصاب على مهاراته الحركية، مثل القدرة على المشي، إضافة إلى الطلاقة في اللغات التي يعرفها.
يوجد أنواع عديدة من النساوة، من ضمنها:
يفقد المصاب بالنساوة الرجوعية الذكريات الموجودة والمكونة مسبقًا.
يميل هذا النوع من النساوة إلى التأثير في الذكريات المتشكلة مؤخرًا في البداية. عادةً تتأثر الذكريات الأقدم مثل ذكريات الطفولة بطريقة أبطأ.
تسبب بعض الاضطرابات مثل الخرف نساوة رجوعية تدريجية.
لا يستطيع المصاب بالنساوة التقدمية تشكيل ذكريات جديدة. قد تكون هذه الحالة مؤقتة، وقد يختبرها الفرد مثلًا في أثناء نوبة فقدان الوعي الناتجة عن شرب كمية كبيرة من الكحول.
قد تكون هذه الحالة دائمة، إذ يصاب بها الفرد في حال تخرّب منطقة الحصين في الدماغ، وذلك بسبب الدور المهم الذي يؤديه الحصين في تكوين الذكريات.
النساوة الشاملة العابرة حالة غير مفهومة جيدًا، إذ يعاني المصاب بها تخليطًا ذهنيًا أو هيجانًا يظهر ويغيب باستمرار لعدة ساعات.
قد يعاني المصاب فقدان الذاكرة في الساعات السابقة للنوبة، وغالبًا ما تمر الحالة دون بقائها في الذاكرة.
يظن العلماء أن النساوة الشاملة العابرة نتيجة لفعالية مشابهة لنوبات الاختلاج أو لانسداد عابر في الأوعية الدموية المغذية للدماغ.
يشيع حدوث هذه الحالة لدى البالغين في منتصف العمر وفي أعمار أكبر.
لا يستطيع معظم الأشخاص تذكر السنوات الثلاثة وحتى الخمسة الأولى من حياتهم، وتسمى هذه الظاهرة الشائعة نساوة الطفولة.
يصعب على المصاب بالنساوة التفارقية تذكّر معلومات مهمة عن نفسه، مثل اسمه أو ماضيه أو عائلته وأصدقائه.
قد تنتج النساوة التفارقية عن حدث صادم أو مسبب للضغط النفسي، مثل المشاركة في شجار أو الوقوع ضحية لجريمة ما. عادةً ما تحدث هذه الحالة على نحو مفاجئ، وقد تدوم لدقائق أو ساعات أو أيام، وقد تستمر لأشهر أو سنوات في حالات نادرة.
إن معظم الأشخاص الذين يدخلون المستشفى على إثر إصابة دماغ رضحية يعانون حالةً من نساوة ما بعد الصدمة بحسب الأبحاث.
قد يحدث هذا النوع من النساوة بعد فترة من فقدان الوعي، وقد يكون المريض مستيقظًا لكنه يتصرف ويتكلم بطريقة غريبة ومغايرة لشخصيته، وقد يعجز عن تذكر الأحداث الحاصلة قبل دقائق أو ساعات من ذلك.
قد تشير مدة استمرار نساوة ما بعد الصدمة إلى شدة الإصابة الدماغية، فقد تستمر لأقل من ساعة في حالات الرض الخفيف، أو لأكثر من 24 ساعة في حالات الأذية الدماغية الشديدة، وذلك وفقًا لمؤسسة Headway الخيرية التي تُعنى بالناجين من الإصابات الدماغية.
قد يحدث هذا النوع من فقدان الذاكرة عند تناول أدوية محددة، وفي القائمة التالية بعض الأدوية التي قد تسبب النساوة:
عادةً ما تكون النساوة المُحرضة بالدواء حالةً مؤقتة، ونجدها خاصة لدى البالغين الأكبر عمرًا، الذين قد يتناولون أدوية متنوعة.
للنساوة أسباب متنوعة، مثل:
يُظن أن موقع الذاكرة في الدماغ معتمد على قِدَمها، ففقدان ذكريات قديمة يقتضي الإصابة بتدهور واسع الانتشار في الدماغ، وقد ينتج ذلك عن داء ألزهايمر، أو غيره من أنواع الخرف.
عادةً، يفقد المصابون بالخرف الذكريات الأحدث أولًا، ويحتفظون بذكرياتهم الأقدم فترةً أطول.
قد يؤثر نفاد مستويات الأكسجين في كامل الدماغ، ويتسبب بالنساوة، إذ تعرف هذه الحالة بنقص الأكسجين.
إن لم يكن نقص الأكسجين شديدًا بما يكفي ليسبب أذية دماغية، فقد يكون فقدان الذاكرة الناتج عنه مؤقتًا.
الحصين جزء من الدماغ والجهاز الحوفي المسؤول عن الذاكرة، ووظيفته تكوين الذكريات وتنظيمها واستعادتها عند الحاجة.
إن خلايا الحصين من أكثر خلايا الدماغ هشاشةً وحاجةً للطاقة، إذ يسهل إعاقتها في حالة نقص الأكسجين، والحالات الخطرة الأخرى مثل التسمم بمادة ما.
يواجه المصاب بأذية الحصين صعوبةً في تكوين ذكريات جديدة، وقد يسبب أذيته في نصفي الدماغ معًا حالة تامة من النساوة التقدمية.
قد تنتج الأذية الدماغية عن إصابات الرأس الرضية، إلى جانب السكتة الدماغية والأورام، والعدوى، وقد تتضمن هذه الأذية اضطرابات دائمة في الذاكرة.
من الشائع أن تشوّش ذكريات ما قبل الإصابة وبعدها مدةً تتراوح ساعات أو أيام أو أسابيع.
قد يسبب تعاطي الكحول قصير الأمد حالةً من فقدان الوعي، وهي شكل مؤقت للنساوة التقدمية.
أما التعاطي طويل الأمد للكحول فقد يسبب متلازمة فرنينكه-كورساكوف، وهي اضطراب دماغي يؤدي إلى فقدان تدريجي للذاكرة بسبب نقص فيتامين ب1 (الثيامين). يصعب على المصاب بهذه الحالة تكوين ذكريات جديدة، ولكنه قد لا يعي حالته.
قد تسبب الصدمات الشديدة أو الضغط النفسي الشديد حالةً من النساوة التفارقية، إذ يرفض العقل الأفكار أو المشاعر أو المعلومات التي يصعب التعامل معها.
يوجد نوع خاص من النساوة التفارقية يسمى الشرود التفارقي، الذي قد يسبب شرودًا غير متوقع، وقد يسبب فقدان الذاكرة بما يخص ظروف السفر، إضافةً إلى نسيان تفاصيل أخرى عن حياة الفرد.
قد يعاني الأشخاص الذين يتلقون العلاج بالصدمة الكهربائية في حالات الاكتئاب أو غيره حالةً من النساوة الرجوعية تخص الذكريات من فترة أسابيع أو أشهر قبل العلاج.
قد تحدث أيضًا حالة من النساوة التقدمية، عادةً ما تزول عفويًا خلال أربعة أسابيع من العلاج.
يزيد وجود أي من العوامل التالية احتمال الإصابة بالنساوة:
قد تنقِص الإصابة بالنساوة الخفيفة من جودة الحياة، إذ يصبح أداء الأعمال اليومية والنشاطات الاجتماعية تحديًا في هذه الحالة؛ بسبب صعوبة استعادة الذكريات السابقة وتكوين ذكريات جديدة.
إضافةً إلى ذلك، يتعذّر استعادة الذكريات المفقودة في بعض الحالات.
أما الإصابة بالنساوة الشديدة فقد تستدعي مراقبةً مستمرة.
يستطيع الأطباء أو علماء الأعصاب تشخيص النساوة. يبدأ التشخيص بطرح أسئلة عن فقدان الذاكرة لدى المصاب إضافةً إلى أي أعراض أخرى قد تصيبه، وقد تُطلَب مساعدة أحد أفراد العائلة أو مقدمي الرعاية في تقييم الحالة، إذ قد يعجز المريض عن تذكر أجوبة الأسئلة المطروحة.
قد يستخدم الطبيب اختبارات معرفية لفحص الذاكرة، أو قد يطلب إجراء اختبارات تشخيصية أخرى، مثل استخدام التصوير بالرنين المغناطيسي أو التصوير الطبقي المحوري للتحقق من وجود علامات لأذية دماغية.
يمكن استخدام التحاليل الدموية أيضًا للتحقق من وجود أي عوز غذائي يؤثر في الوظيفة المعرفية، مثل انخفاض مستويات فيتامين ب1، أو فيتامين ب12 (الكوبالامين)، أو فيتامين د.
إضافة إلى ما سبق، قد تشير التحاليل الدموية إلى الإصابة بعدوى تسبب فقدانًا في الذاكرة، مثل مرض لايم، أو فيروس نقص المناعة البشري HIV، أو الزهري.
يركز الأطباء في علاج النساوة على سبب الحالة.
قد تُشفى النساوة المحرضة كيميائيًا (في حالة تعاطي الكحول مثلًا) عبر إزالة السميّة، إذ تزول اضطرابات الذاكرة في أغلب الحالات حال خروج المادة المسببة لها من الجسم.
قد تزول النساوة الناتجة عن إصابات الرأس الخفيفة دون علاج في غضون دقائق أو ساعات، أما النساوة الناتجة عن أذيات الرأس الشديدة فقد تستمر حتى أسبوع، ونادرًا ما تستمر النساوة الناتجة عن أذيات الرأس فائقة الشدة لأشهر.
غالبًا ما تكون النساوة الناتجة عن الخرف غير قابلة للشفاء، ولكن قد يصف الطبيب أدوية تعزز التعلم والذاكرة مثل دونيبيزيل (أريسبت)، أو غالانتامين (رازاداين إي آر)، أو ريفاستيجمين (إكسيلون).
قد يوصي الطبيب باتباع العلاج النفسي الوظيفي في حال الإصابة بفقدان الذاكرة المستمر، إذ يستطيع هذا النوع من العلاج المساعدة على تعلم معلومات جديدة ومهارات متعلقة بالذاكرة لاستخدامها في الحياة اليومية.
يعلّم المعالجون متلقي العلاج كيفية استخدام الوسائل المساعدة للذاكرة، إضافةً إلى تقنيات لتنظيم المعلومات بهدف تسهيل تذكّرها.
توجد بعض العادات الصحية التي قد تقلل من خطر فقدان الوعي وأذيات الرأس والخرف والسكتة الدماغية، وغيرها من الأسباب المحتملة لفقدان الذاكرة:
على الرغم من أن النساوة نادرًا ما تكون دائمة، فإنها عادةً ما تزول من تلقاء نفسها.
قد يحمل التعايش مع النساوة وأداء الأنشطة اليومية نوعًا من التحدي للمصاب، وربما يحتاج إلى الاعتماد على المساعدة من الآخرين.
على أي حال، قد يساعد اتباع نمط حياة صحي في تقليل مخاطر الإصابة بالنساوة.
اقرأ أيضًا:
إلى أي حد يعد فقدان الذاكرة أمرًا طبيعيًا مع تقدم العمر؟
الحصين : ما هو الحصين وما أهميته في الذاكرة والتعلم والأمور الأخرى؟
ترجمة: حاتم نظام
تدقيق: لبنى حمزة
مراجعة: عبد المنعم الحسين
المصدر