انعكس النشاط السياسي الأخير لنجوم تركيا بشكل مباشر على مستقبلهم المهني، إذ اعتُقل بعضهم، فيما خسر آخرون أدواراً مهمة في مسلسلات معروضة حالياً وتحظى بشعبية.
ليس جديداً أبداً على نجوم الفن في تركيا الانتظام في المعترك السياسي، فمع انتشار الدراما التركية في الشارع العربي منذ نحو 15 عاماً والجماهير تتابع تحركات مشاهيرها الذين يعبرون عن مواقفهم وآرائهم، بالتغريدات والاحتجاجات في الشارع والتظاهر، والإعلان عن دعم أحزاب بعينها ومجابهة تيارات أخرى، لكن الجديد هذه المرة، التأثيرات المتعددة لمشاركة الفنانين في الاحتجاجات السياسية بالبلاد أخيراً على المشهد الدرامي، إذ تطور الأمر إلى الاستبعاد وإنهاء تعاقدات، واستبدال خطوط درامية بأخرى في أعمال لا تزال قيد التصوير.
فالاحتجاجات التي يقودها حزب الشعب الجمهوري ضد الحكومة التركية وحزب العدالة والتنمية ورئيسه رجب طيب أردوغان، ألقت بظلالها على المشهد الدرامي، واشتعل الموقف بصورة ملحوظة بعدما أعلن عدد من النجوم عن تضامنهم مع حملة المقاطعة الموقتة التي دعا إليها النشطاء لتوجه لشركات ومؤسسات تدعم الحكومة رغبة في الضغط عليها لإخراج أكرم إمام أوغلو رئيس بلدية إسطنبول من الحبس، كما أنه يصنف على أنه سيكون المنافس الأهم في الانتخابات الرئاسية المقبلة، الذي فجر القبض عليه في مارس (آذار) الماضي الأزمة من الأساس.
إمام أوغلو تم تأجيل محاكمته بتهمة الفساد، فيما يحتشد مئات من مؤيديه للمطالبة بالإفراج عنه، إذ إنه مهدد بإيقاف نشاطه السياسي، واللافت أن المؤسسات المعنية تحاول تهدئة الأوضاع بالإفراج عن عشرات من الطلاب المحتجين، إلا أن بعض المشاريع الدرامية تغيرت ملامحها تماماً بسبب هذا الحراك.
رقابة صارمة والسياسة تحرك الدراما
وبشكل عام يبدو المشهد الدرامي التركي أكثر اختلافاً عن أعوام عدة مضت، فالرقابة على المواد المعروضة باتت أكثر إحكاماً، وهو أمر بدا ملحوظاً بعد إيقاف عرض مسلسل "عائلة شاكر باشا" أكثر من مرة بحجة المشاهد الجريئة، فيما المشاهد العاطفية كانت جزءاً من نسيج الدراما التركية في أعمالها الأكثر شعبية مثل "نور، والعشق الممنوع، العشق الأسود" وغيرها، ولكن ملامح الصناعة ضغطت عليها متغيرات جديدة، نفس الأمر بالنسبة إلى السياسة، حيث باتت عاملاً مهماً من العوامل المتحكمة في معالم هذا المجال، لا سيما أن كثيراً من شركات الإنتاج وقنوات ومنصات العرض تصنف على أنها موالية للمؤسسات الرسمية، ومن ثم فأي انتقاد لأداء الحزب الحاكم ورجاله سينعكس سلباً وبصورة مباشرة على صاحبه ويرتد وبالاً عليه، فقد خسر عدد منهم أدواراً بارزة في أعمال تتمتع بجماهيرية كبيرة.
وقد أعلن أخيراً عن تعديل مسار الأحداث في مسلسل "تشكيلات" أو "المنظمة"، وذلك بعد استبعاد عدد من المشاركين به، وبينهم بطلته أيبوكي بوسات التي تؤدي دور (نسليهان)، فالعمل الذي يتمتع بنسبة مشاهدة عالية ولا يزال يعرض موسمه الخامس كما يجري تصوير موسمه السادس، يواجه أزمة لم يتم الكشف بالتحديد عن كيفية مداواتها، فهل سيُلغى دور البطلة تماماً بأي حجة درامية، أم سيتم استبدالها بممثلة أخرى تجسد شخصية نسليهان؟ وإن كان الحل الثاني هو الأقرب للواقع، وفي حال حدوثه سيكون هذا هو التغيير الثالث للممثلة التي تقدم الدور، حيث جسدته في المواسم الأولى النجمة دينيز بايسال، ومن ثم كان آخر ما يريده صناع العمل هو تغيير البطلة مجدداً.
مسلسل "المنظمة" يبحث عن أبطال جدد
اللافت أن أيبوكي بوسات عوقبت سريعاً بعدما تشاركت منشوراً للمعارضة يدعو لمقاطعة التسوق للضغط على الحكومة لتهدئة الأوضاع وإخراج رئيس بلدية إسطنبول إمام أوغلو من الحبس إلى جانب الطلبة المعتقلين، ورغم أنها حذفته بعد دقائق ولكن التغريدة كانت انتشرت، وعلى إثرها تغير مستقبلها المهني، فيما لا تزال الضغوط تتوالى على شريكها في البطولة تولغا ساريتاش الذي اختار التزام الصمت حيال ما يجري بينما يطالبه المتابعون بإعلان دعمه لزميلته.
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
فيما دفع الممثل فوركان أنديتش ثمن تأييده خطيبته أيبوكي بوسات، حيث استبعد من بطولة مسلسل "المراسل" الذي كان يتم التحضير له حالياً، ولم يعلن عن الممثل البديل حتى الآن، لكن على ما يبدو أن مسلسل "المنظمة" ستتغير ملامحه تماماً، فبعد أيبوكي تم أيضاً استبعاد باشاك غومولسينيلي أوغلو من بطولته واتهمت بالتحريض ضد اقتصاد الدولة والاستقرار السياسي، كذلك خسر بوران كوزوم دور عاطف يلماظ في مسلسل "مغامرة روح" ليحل ألبر سالديران بدلاً عنه.
اعتقال ومطاردة
فكل من دعم حملة المقاطعة ودعا للتظاهر سواء بمنشورات صريحة أو بمجرد علامة إعجاب أخذ جزاءه فورياً، وخسر مشاريع مهنية، ولكن الأمر تخطى فكرة الإبعاد عن بلاتوهات التصوير بالنسبة إلى البعض، إذ تطورت الأوضاع معهم إلى الاعتقال، وبينهم جيم يغيت أوزوموغلو صاحب دور جواد في مسلسل "عائلة شاكر باشا"، إذ سارعت نقابة الممثلين الأتراك لإصدار بيان داعم له، وبالفعل لم يستغرق الوقت طويلاً حتى خرج النجم الشهير من الحبس، وتشارك مع متابعيه على "إنستغرام" منشوراً عبر فيه عن تقديره للدعم، من دون أن يتراجع عن موقفه في ما سماه الاحتجاج السلمي الذي عُدت المقاطعة إحدى صوره كما قال أيضاً "شكراً للجميع على دعمكم، إذا كنا متحدين، إذا وقفنا جنباً إلى جنب من دون تمييز، إذا لم نتردد في التعبير عن آرائنا بسلام، فإن الأيام الجميلة المليئة بالأمل ستكون لنا، علينا أن نناضل من أجل شبابنا المسجونين، ومستقبلنا، ورؤسائنا المستقبليين، ومهندسينا وأطبائنا وفنانينا، هذه البلاد لنا. المستقبل لنا"، وفي السياق نفسه، تم التضييق على عدد آخر من المشاهير بينهم أليكان يوجيسوي وروجدا ديميرير.
شركات الإنتاج تبعد الغاضبين
ويواجه هؤلاء الفنانون شبح الإبعاد عن الدراما التي تقف على إنتاجها شركات موالية للمؤسسات الرسمية في الجمهورية التركية، حيث تستحوذ على النسبة الأكبر، لا سيما أن الأمر تكرر في ما سبق مع واحدة من أكثر نجمات تركيا شهرة وشعبية، هي بيرين سات التي تألقت في مسلسلات مثل "فاطمة، والعشق الممنوع، وانتقام"، فبسبب مواقفها المناهضة للسياسة التركية الحالية أصبحت خارج حسابات المنتجين المحليين الذين يقدمون إنتاجات درامية ضخمة وملحمية، وأصبح عملها شبه مقتصر على التعاون مع منصات العرض الرقمي العالمية مثل "نتفليكس" التي قدمت عليها عدة أعمال بينها "عطية".
وكانت بيرين سات من أوائل الداعمين لزملائها في الأزمة الجديدة من خلال عدد من التدوينات إذ أعلنت أسفها على ما حدث مع زملائها من استبعاد من المشاريع وحظر لبعض حساباتهم على مواقع التواصل الاجتماعي وكذلك اعتقالهم، ورفضت التحريض على العنف والكراهية ووصفت زملاءها بالموهوبين الذين يريدون الأفضل لبلادهم، وعبرت عن دعمها حزب الشعب الجمهوري وإمام أوغلو أحد أبرز وجوهه، حيث كتبت "نؤمن إيماناً راسخاً بالديمقراطية، وتحمل جميع الأجيال شعلة المسؤولية. يدافع طلاب أعرق جامعات تركيا عن حقوقهم. ندعم رئيس البلدية أكرم إمام أوغلو، ونقف إلى جانب الديمقراطية".
النشاط السياسي لنجوم تركيا
هذه التغريدة ليست غريبة أبداً عن بيرين سات التي لم تتردد في أن تهاجم الرئيس التركي مراراً، وبينها مطلع عام 2022، بعدما هدد رجب طيب أردوغان بقطع لسان كل من يتطاول على النبي آدم، وذلك على خلفية طرح المطربة التركية سيزان أكسو أغنية بعنوان "أعيش لحظات رائعة" اتهمت فيها بالإساءة لآدم وحواء، كما دشن أنصاره حملات هجومية تطالب المغنية المثيرة للجدل بأن تلزم حدها، وقالت بيرين سات في منشور على منصة "إكس"، "لا أريد أن أصدق أن أردوغان الذي انتخب بإلقاء القصائد والغناء للشعب وبناء جسر عاطفي، لقد قال اليوم سنقطع لسانك لسيزان أكسو".
بيرين سات أيضاً كانت من أوائل النجوم الذين تظاهروا في مطلع صيف 2013 احتجاجاً على خطة الحكومة لتطوير ميدان غيزي في إسطنبول وسط اتهامات بطمس معالم الميدان، إذ تصدرت التظاهرات التي عمت ميدان تقسيم لتعلن رفضها لما يجري، وذلك بالمشاركة مع زملاء كثر لها وبينهم خالد أرجنتش وهازال كايا وبيرغوزار كوريل وبولنت إينال وتوبا بويوك أوستون، كذلك حرص كثر غيرهم على التعبير عن رأيهم في حق المتظاهرين في الاحتجاج السلمي من دون التعرض لأذى، وبينهم كيفانش تاتليتوغ وإبراهيم تشيليكول ومريم أوزرلي.
الوعي السياسي والرغبة في المشاركة الفاعلة في ما يجري في البلاد جعل مشاهير تركيا أيضاً يقفون صفاً واحداً مع القيادة السياسية عام 2016 إثر محاولة الانقلاب الفاشلة، فرغم اختلاف بعضهم مع النظام، فإنهم، وبما فيهم بيرين سات الأكثر معارضة لأردوغان، حرصوا على رفضهم لاستخدام العنف لإجراء أي تغيير في السلطة، وذلك من خلال تغريدات متوالية وبيانات وقعوا عليها، وبينهم نجاتي شاشماز ومراد يلدريم، كما شاركوا في تظاهرات مليونية تنادي بالشرعية والديمقراطية والتمسك بمبدأ التداول السلمي للسلطة.
