تلعب تكنولوجيا الأقمار الاصطناعية دوراً حيوياً في الكشف عن الحوادث، فبإمكانها تتبع أنماط حركة المرور وتحديد أي اضطرابات تشير إلى وقوع حادثة بوتيرة قد تكون أسرع من تلقي مكالمات الطوارئ.
تتسبب حوادث الطرق في وفاة نحو 1.19 مليون شخص سنوياً، وعلى مدى عقود، كانت استراتيجيات السلامة على الطرق غير فعالة إلى درجة كبيرة، وشملت زيادة عدد رجال الشرطة على الطرق وتركيب كاميرات لمراقبة حركة المرور واستخدام إشارات المرور حتى الذكية منها.
وأدى ظهور تكنولوجيا الأقمار الاصطناعية إلى إحداث تحول جذري في هذا النهج، فباستخدام البيانات الجغرافية المكانية، والتصوير المتقدم، والاتصال في الوقت الفعلي، توفر تكنولوجيا السلامة على الطرق القائمة على الأقمار الاصطناعية فرصة لإعادة تشكيل كيفية مراقبة وإدارة وتخفيف أخطار الطرق، من خلال مراقبة حركة المرور والحوادث من ارتفاع 2000 كيلومتر فوق سطح الأرض في المدار الأرضي المتوسط.
اعتمدت سلامة الطرق سابقاً على تدابير استباقية كتحليل المناطق المعرضة للحوادث، ونشر دوريات الشرطة، واستخدام كاميرات المراقبة، لكن هذه الأساليب لها قيودها، فهي تعتمد على البنية التحتية الأرضية، ولا يمكنها توفير مراقبة فورية في كل مكان، وغالباً ما تقدم معلومات بعد وقوع الحوادث.
تغير تكنولوجيا الأقمار الاصطناعية هذه المعادلة، فبدلاً من انتظار وقوع الحوادث، يمكننا التنبؤ بالأخطار ومنعها والتخفيف من آثارها وإدارتها بفعالية أكبر من أي وقت مضى.
ولشرح الأمور بطريقة مبسطة تخيل نفسك تقود سيارتك على طريق سريع ضبابي حيث تكاد الرؤية تكون معدومة، في هذه الحال تعمل أنظمة الأقمار الاصطناعية على مراقبة أحوال الطقس والطرق، ويمكنها إرسال تنبيهات فورية إلى تطبيق نظام تحديد المواقع العالمي (GPS) أو اللافتات المرورية الرقمية، محذرة إياك من الأخطار المحتملة في الطريق.
كما تلعب تكنولوجيا الأقمار الاصطناعية دوراً حيوياً في الكشف عن الحوادث، فبإمكانها تتبع أنماط حركة المرور وتحديد أي اضطرابات تشير إلى وقوع حادثة بوتيرة قد تكون أسرع من تلقي مكالمات الطوارئ.
تتيح صور الأقمار الاصطناعية عالية الدقة، بالاقتران مع التحليلات المدعومة بالذكاء الاصطناعي، رصد أنماط الازدحام المروري، ومراقبة مواقع الحوادث المتكررة، وتحديد أخطار الطرق مثل الانهيارات الأرضية أو الفيضانات أو البنية التحتية المتضررة، ويمكن للحكومات ومراكز إدارة المرور استخدام هذه البيانات لإصدار تحذيرات مبكرة، وتعديل تدفقات المرور، ومنع الكوارث المحتملة قبل وقوعها.
ومع التطورات في الاتصال عبر الأقمار الاصطناعية، ها نحن ندخل عصراً جديداً من سلامة المركبات، حيث أصبح التوجيه الدقيق للمسارات، وتنبيهات الأخطار في الوقت الفعلي، كلها أمور ممكنة بفضل الأقمار الاصطناعية، مما يقلل من احتمالية الخطأ البشري وهو السبب الرئيس للحوادث.
ولأنه في حالات الحوادث كل ثانية تعد ثمينة، تمكن الأقمار الاصطناعية فرق الإنقاذ من تحديد مواقع الحوادث بدقة متناهية، حتى في المناطق النائية، ومع أنظمة الاتصالات المدمجة في المركبات، يمكن إرسال إشارات استغاثة تلقائية إلى خدمات الطوارئ، وهذا ما يضمن أوقات استجابة أسرع ويسهم في إنقاذ الأرواح.
وبما أن عديداً من حوادث الطرق تحدث بسبب سوء البنية التحتية، مثل الحفر أو التقاطعات سيئة التصميم، يمكن للأقمار الاصطناعية توفير مراقبة مستمرة للطرق، وكشف التآكل والتلف قبل وقت طويل من تحوله إلى مشكلة حرجة تتعلق بالسلامة، وهذا يسمح بالصيانة التنبؤية، مما يقلل الأخطار ويحسن إنفاق الحكومة على الإصلاحات اللازمة.
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
أما مستقبل سلامة الطرق فيكمن في المركبات ذاتية القيادة التي تعتمد بصورة كبيرة على بيانات الأقمار الاصطناعية لتحديد المواقع بدقة، والحصول على تحديثات في الوقت الفعلي، والتواصل السلس مع البنية التحتية الذكية.
ومع تقدم هذه التقنيات، فإننا نقترب أكثر من عالم يتم فيه القضاء على الخطأ البشري المسؤول عن 94 في المئة من حوادث المرور، ومن ثم قد تصبح وفيات الطرق شيئاً من الماضي.
تدعم شركة "فاليران"، المتخصصة في حلول إدارة حركة المرور المتقدمة، بتمويل من وكالة الفضاء الأوروبية تطوير منصة لمراقبة حركة المرور والكشف عن الحوادث باستخدام الذكاء الاصطناعي وبيانات الأقمار الاصطناعية، والمصممة لتعزيز سلامة وكفاءة شبكة الطرق على مستوى القارة الأوروبية.
وتتماشى هذه المبادرة مع هدف برنامج "تطبيقات الأعمال والحلول الفضائية" التابع لوكالة الفضاء الأوروبية المتمثل في دعم إنشاء خدمات مبتكرة تستفيد من تكنولوجيا وبيانات الفضاء في الأسواق الرئيسة، مثل قطاع النقل، كما أنها تتوافق مع أهداف استراتيجية البوابة العالمية للاتحاد الأوروبي لإدارة ممرات النقل الدولية بسلاسة واستدامة وبما يراعي البيئة.
وفي الولايات المتحدة، أطلقت "الجمعية الأميركية للسيارات" بالشراكة مع شركة "أبل" ميزة جديدة توفر المساعدة على الطريق عبر الأقمار الاصطناعية، تعد هذه الخدمة منقذة للحياة، وهي مصممة لمستخدمي هواتف "آيفون 15" و"آيفون 14" الذين يجدون أنفسهم عالقين في مناطق لا تتوفر فيها تغطية لشبكة الهاتف المحمول، وتكمل هذه الميزة قدرة "أبل" الحالية على إرسال نداء استغاثة طارئ عبر الأقمار الاصطناعية عند اكتشاف حادثة سير خطرة.
هذا وأعلنت شركة "تيلسترا" في أستراليا أخيراً عن إطلاق أول خدمة رسائل نصية من الأقمار الاصطناعية إلى الهواتف المحمولة في البلاد. وباستخدام شبكة "ستارلينك" التابعة لشركة "سبايس إكس"، يهدف المشروع إلى إرسال واستقبال الرسائل النصية من وإلى أي مكان في البلاد، مما يحسن التواصل والاستجابة في حالات الطوارئ.
لا يخلو نظام السلامة المرورية المعتمد على الأقمار الاصطناعية من التحديات، إذ تعد أمن البيانات، ومخاوف الخصوصية، والحاجة إلى تبني واسع النطاق من القضايا المهمة التي يجب معالجتها، مع ذلك فإن الفوائد تفوق بكثير العقبات المحتملة.
من هنا يجب على الحكومات ومزودي التكنولوجيا ووكالات النقل (سواء البرية أو الفضائية) التعاون للاستفادة الكاملة من إمكانات السلامة المرورية المعتمدة على الأقمار الاصطناعية، وستمهد الاستثمارات في التحليلات الجغرافية المكانية، والاتصال في الوقت الفعلي، واتخاذ القرارات المدعومة بالذكاء الاصطناعي الطريق نحو طرق أكثر ذكاء وأماناً في جميع أنحاء العالم.
وبذلك لم تعد السلامة المرورية تقتصر على التحذيرات في الوقت المناسب، بل باتت تتعلق بتسخير قوة تكنولوجيا الفضاء لحماية الأرواح على الأرض، ومن المتوقع أن تكون تكنولوجيا الأقمار الاصطناعية الحارس الأمثل لطرقنا، حيث توفر معلومات فورية، ورؤى تنبؤية، وابتكارات منقذة للحياة.