في خطى ثابتة يسير لبنان نحو إدخال "الروبوتات الطبية" إلى قلب غرف العمليات، واعتماد برمجيات "الذكاء الاصطناعي" في تشخيص الأمراض والعناية الصحية، وتوقع المستقبل المرضي بناء لمقارنة شديدة ودقيقة.

فما رأي المختصين في عالم الطب؟ وما رأي تطبيق "تشات جي بي تي نفسه"؟

"لم أعد أنتظر مراجعة الطبيب من أجل معرفة حالتي الصحية، ونتائج فحوصاتي، وإنما ألجأ إلى تشات جي بي تي، حيث أصور له التحليل، ويجيبني بصورة موسعة وبالتفاصيل العلمية"، هكذا تختصر جنين تجربتها الصحية مع برمجيات الذكاء الاصطناعي، موضحةً "لقد نجح في أكثر من مرة، وهو ما زاد ثقتي به، ففي المرة الأولى أرسلت له فحص مرض مستعصٍ، ومنحني التشخيص قبل الموعد المحدد مع الطبيب بـعدة أيام، وبعدها ذهبنا إلى العيادة ونحن مستعدون نفسياً بصورة مسبقة".

تلك التجربة ليست باليتيمة، وإنما أصبحت جزءاً من حياة كثيرين، وهي إن كانت تبشر بشيء فإنما تبشر بحقبة جديدة من اعتماد اللبناني وربما كثر في الدول العربية والعالم على التقنيات الحديثة في مجال تطوير الأساليب العلاجية، والتشخيص الطبي.

وليس بعيداً في عالم الطب، نجد أنه في عدد لا يستهان به من مستشفيات العاصمة بيروت، دخل الروبوت إلى غرفة الجراحة، وأظهرت فيديوهات على مواقع التواصل الاجتماعي قيام أطباء لبنانيين بعمليات جراحية دقيقة بواسطة الروبوت، ما تسبب بجدل واسع، وترك تساؤلات حول تحوُل الأطباء إلى مجرد "عامل تقني" يقوم بتشغيل الطبيب الآلي. فيما يرفض الأطباء تماماً هذه المقاربة، ويقولون إن الروبوت هو مجرد أداة أكثر تطوراً ودقة.

pexels-pavel-danilyuk-8439076.jpg

بدأت "الروبوتات" بالحلول التدريجي مكان "عمليات المنظار" في لبنان بسبب دقتها العالية، ووصولها إلى أماكن ما كان لبقية التقنيات السابقة بلوغها.

 يرحب نقيب المستشفيات في لبنان الدكتور بيار يارد بدخول "الإنسان الآلي" إلى غرف الجراحة في المستشفيات، انطلاقاً من عمله كجراح وخبرته في العلاجات الدقيقة، حيث "يحتل الروبوت مكانة هامة في العمل الطبي شرط استخدامه من قبل خبير، وعند الضرورة".

يلفت يارد إلى أن "كلفة جراحة الروبوت عالية مقارنة بجراحة المنظار، ولا تعترف بها شركات التأمين، وبالتالي سيتحمل المريض ضعفي أو ثلاثة أضعاف العملية التقليدية في حال إجرائها"، من هنا، فإنه "يمكن حالياً استبدال الروبوت بالمنظار إلا في بعض العمليات الحرجة والدقيقة، ومع مرور الوقت والاعتماد المتزايد على الروبوت ستنخفض الكلفة، وسيصبح هذا الإجراء متاحاً للعامة".

خلال الأشهر والسنوات القليلة الماضية، بدأ الأطباء باللجوء إلى الروبوت في عمليات استئصال الخلايا السرطانية من أماكن حساسة، مثل البروستات أو عنق الرحم، والكلى، ويكشف يارد أنه "يمكن القيام بجراحات من خلال الروبوت بطريقة لا يمكن اتباعها باليد البشرية، على غرار الجراحة في خلفية الكلية، حيث تعجز يد الجراح عن خياطة العضو، فيما يمكن للروبوت القيام بتلك الخطوة بسهولة".

يعتقد نقيب المستشفيات في لبنان أن البشرية أمام اكتشاف علمي هام إلا أنها تتضمن بعض التعقيدات على غرار كافة الأعمال الجراحية ذات الخطورة العالية، وقد تنتج منها آثار جانبية.

في موازاة دخول الإنسان الآلي إلى غرف العمليات، يزداد الاعتماد على البرمجيات في تشخيص الأمراض. ويشدد الدكتور بيار يارد على ضرورة الاعتماد عليها بوصفها إمكانية من الإمكانيات التي يتيحها العلم الحديث والتقنيات المتطورة، ولكن شرط استخدامها من قبل متخصصين في المجال الصحي والطبي من أصحاب الكفاءة العلمية والخبرة العملية.

ويؤكد أن "الذكاء الاصطناعي يساعد في التشخيص وصور الأشعة، والفحوصات الطبية المختبرية، إذ توجد منصات متطورة للغاية ومتوافرة لدى المؤسسات البحثية الكبرى والمستشفيات والمختبرات، وبالتالي يمكن التعامل معها كوسيلة لتطوير القطاع الطبي والعلاجي".

يرحب يارد بتقنيات الذكاء الاصطناعي داخل المستشفيات اللبنانية، وهي بمثابة المنحة من أجل استعادة القطاع الطبي والسياحة العلاجية عافيتهما في لبنان. فيما لا يزال يُنظر إلى لبنان كوجهة علاجية مهمة بسبب وجود أهم الكفاءات البشرية من أطباء وممرضين، وفرق طبية تقنية مدربة، كاشفاً عن عودة عدد كبير من الأطباء الأكفاء والممرضين.

وأضاف "كل ما يحتاجه لبنان هو الاستقرار الأمني، وهو يمتلك قيم الضيافة، والكفاءة، والمستشفيات المجهزة، وبالتالي، نحن أمام فرصة لإستعادة مكانتنا في المنطقة".

pexels-sanketgraphy-17887854.jpg

يفتح الذكاء الاصطناعي أبواباً جديدة أمام المعرفة البشرية، مع الانتقال من الجيل الرابع لـ "تشات جي بي تي" إلى الجيل الخامس منه، ففي وقت يتواصل الجيل السابق بمستوى طالب جامعي، فإن الخامس، يعد بمثابة شخص خبير حاصل على درجة دكتوراه في أي موضوع ممكن. ويأتي التحديث في إطار المنافسة المحمومة بين شركات البرمجيات والذكاء الاصطناعي.

يرى الخبير المتخصص في مجال الذكاء الاصطناعي الدكتور نادر غزال أن الجيل الخامس يشكل قفزة نوعية في دعم الصحة والعلاج الطبي، إلا أنه "ليس بديلاً للطبيب، لكنه أداة داعمة قوية ترفع من مستوى فهم المستخدم، وتساعد في توجيه القرارات، وتدعم الاستشارات الطبية".

ويعدد غزال عدة مجالات يمكن أن يسهم فيها الذكاء الاصطناعي، والتي تدخل في خانة التحسينات، بدءاً بـ "القدرة على رصد الأخطار الصحية الخطيرة بشكل أدق وأسرع من الأطباء مثل السرطان"، كذلك هو "محاور عميق بما لديه من معلومات تخصصية فعالة وأكثر إنسانية في مجال الحوار الطبي"، و"لديه القدرة على فهم وشرح النتائج الطبية بلغة مبسطة"، ويتمتع بدقة وسرعة محسنة، ودعم شامل للمستخدم.

لأننا نتحدث عن دور الذكاء الاصطناعي في عالم الطب، سألنا تطبيق "تشات جي بي تي" عن المجالات الطبية التي يلعب دوراً فيها راهناً، فكانت إجابته أنه برز في التشخيص الطبي عبر تحليل الصور الطبية، وكذلك الكشف المبكر عن السرطان من خلال خوارزميات تتعرف إلى أنماط دقيقة لا تراها العين البشرية بسهولة.

ويتطرق أيضاً إلى الطب التنبؤي، أي التنبؤ باحتمالية إصابة المريض بأمراض مزمنة (مثل السكري وأمراض القلب) بناءً على بياناته الصحية ونمط حياته وتوقع احتمالية المضاعفات بعد العمليات الجراحية أو العلاج.

إضافة إلى تطوير الأدوية والعلاجات عبر تحليل ملايين المركبات الكيميائية وتوقع فعاليتها عبر تصميم أدوية مخصصة بناءً على الجينات، ناهيك عن تحليل البيانات الصحية الضخمة، ومراقبة المرضى عن بُعد وإرسال تنبيهات عند وجود خطر.

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

في المقابل سألنا التطبيق نفسه عن نسبة الخطأ التي قد تحدث إن اعتمدنا عليه "طبياً"، فكانت إجابته "نعم، تشات جي بي تي يمكن أن يخطئ في عالم الطب، حتى لو بدا واثقاً في إجاباته، وذلك لعدة أسباب أساسية"، ومن ضمن هذه الأسباب محدودية المعرفة الطبية، فهو يعتمد على البيانات التي تم تدريبه عليها حتى تاريخ معين، وبالتالي قد يفتقد أحدث الأبحاث أو الإرشادات الطبية، فيما بعض المعلومات قد تكون عامة أو مبسّطة، وليست دقيقة بما يكفي للحالات السريرية المعقدة.

ناهيك عن غياب القدرة على الفحص السريري، فهو لا يمكنه إجراء فحص بدني أو ملاحظة العلامات السريرية الحقيقية في المقابل يعتمد كلياً على الوصف النصي الذي قد يقدمه المستخدم، مما يزيد احتمال سوء التقدير.

كما قد يخلط بين أمراض متقاربة الأعراض إذا لم تُذكر تفاصيل دقيقة، وأحياناً قد يقدم تشخيصات أو احتمالات غير دقيقة إذا كانت المعطيات ناقصة.

في الخلاصة يقول التطبيق إنه مفيد في التثقيف الطبي العام، وتلخيص الأبحاث، وشرح المصطلحات، لكنه ليس بديلاً عن الطبيب أو عن التشخيص والعلاج المباشر.

يثير دخول الذكاء الاصطناعي والروبوت عالم الطب الكثير من الإشكاليات العلمية والأخلاقية، ولكنه نتيجة ضرورية للثورة العلمية الحالية، وتباشير الحقبة "ما بعد الإنسانوية".

وفي هذا السياق يعتقد الأكاديمي الدكتور غسان مراد أن "اعتماد الأساليب المستحدثة في الرعاية الصحية، والاعتماد على التطبيقات الرقمية في التشخيص والعلاج، هو نتيجة متوقعة بسبب التجارب التي خاضها العلماء خلال العقود الماضية في مختلف المجالات، لافتاً إلى أنه "خلال العقدين الماضيين بدأت التباشير من خلال دخول برمجيات وتقنيات في علاج بعض الأمراض، والتطوير المستمر لأبحاث النانو بوبوتيكس والبيو روبوتيكس، وتمكينها من دخول جسم الإنسان والتعامل المباشر مع الخلايا السرطانية من دون اللجوء إلى العلاجات الكيميائية، والتفاعل الدقيق مع الخلايا المجهرية في الأماكن الحساسة للغاية". كما أصبحت هناك قدرة في تشخيص بعض الأمراض، التي كانت غير متاحة في السابق.

البرمجيات ستصبح مساعداً قوياً جداً للطبيب إلا أنها لن تحل مكانه

يدفع التطور الحالي إلى إثارة التساؤلات حول مكانة الطبيب، وهل سيصبح ثانوياً مقارنة بالروبوت والبرمجيات. يعتبر مراد أن "البرمجيات ستصبح مساعداً قوياً جداً للطبيب إلا أنها لن تحل مكانه، بل ستمنحه إمكانيات كبيرة ودقة عالية، قبل بلوغ مرحلة القرار العلاجي النهائي"، موضحاً "لا يقتصر التطور على التشخيص والأدوات، وإنما يتجاوزها إلى الأدوية النانووية التي يمكنها الوصول إلى المركز المباشر للداء، وإمكانية ابتلاع ماكينة فيديو متناهية الصغر، تتجاوز قدرتها أدوات المنظار المعتادة، إضافة إلى الأدوات العلاجية في عملية البروستات، وتطور زراعة الأعضاء والشرائح العصبية"، ناهيك عن القدرة التحليلية الفائقة وتوقع المستقبل الطبي على غرار عمل طبيب العائلة، مشدداً على أن الذكاء الاصطناعي حقق عدداً من النجاحات الكبيرة بدءاً من 2022، في مجال تحليل وقراءة النصوص، وفي مجال الأعمال الطبية، ما يهدد الأعمال المكتبية وتحليل الأشعة داخل المستشفيات، وهو ما سيدعو إلى تقليص الكوادر البشرية من دون الاستغناء عنها بالمطلق لمصلحة البرمجيات المعلوماتية لأن "الطبيب يمتلك المعرفة الضرورية لتطوير البرمجيات، إلا أن تلك الأدوات والروبوت تأتي للوصول إلى دقة أكبر في العمل وبلوغ أماكن غير مسبوقة في العلاج والتشخيص".

يلفت مراد إلى أن "الصين تقود الحضارة التقنية الجديدة، حيث افتتحت أول مستشفى يدار بالكامل من روبوتات أطباء، ويمكنهم معالجة بين 3 آلاف و10 آلاف مريض يومياً من دون التدخل الإنساني، وقد اجتاز هؤلاء (روبوتات أطباء) امتحان البورد الأميركي بمستوى 93 في المئة، أي بتقدير نجاح استثنائي".  

يطرح دخول الروبوت والذكاء الاصطناعي إشكاليات كبيرة على مستوى "المسؤولية عن الخطأ الطبي" التي حاول المشرِع وضع قواعد ضابطة لها. ينوه الدكتور غسان مراد إلى أنه من "الأمور التي تواجه المشرع على المستوى العالمي، لأنه في الوضع التقليدي ستتم ملاحقة الطبيب، أما عندما يكون الفاعل هو روبوت أم برمجية فإن المشكلة ستصبح شائكة أكثر، وبالتالي فإن البحث سيكون عن المشغل أو الصانع في حالة العيب في البنية، إلا في حالة ارتكاب الروبوت للخطأ، كذلك هناك مشكلة في تسريب المعلومات الطبية وانتهاك خصوصية المريض، وولوج شركات التأمين إليها أو تعرض قاعدة البيانات للقرصنة وإعادة توجيه الإعلانات"، إذ "يتصاعد الحديث عن تشات جي بي تي الثرثار بسبب تسريب المحادثات الخاصة عبر محرك غوغل لأن كل ما هو رقمي موجود ولا يمكن محوه، وهو ما يستوجب حرصاً أكبر". 

من جهة أخرى، يتطرق إلى إتساع الفجوة في الحصول على الرعاية الطبية أفقياً وعمودياً، أي بين الدول الغنية والفقيرة، وبين مواطني الدول نفسها بين من يمكنه الاستفادة من العلاج والمستشفيات المتقدمة، ومن لا يمكنه الحصول على مزايا عصر الذكاء الاصطناعي. كذلك يسلط الضوء على اتساع نطاق عملية "التهجين" في معرض دخول البشر حقبة ما بعد الإنسان، وتصنيع "الروبوتات الحيوية" أي استخدام الأنسجة الحيوانية في بنائها للتخلص من مشكلة الطاقة وضرورة الشحن المستمر. وبالتالي، تتجه البشرية إلى مرحلة "زراعة الشرائح العصبية"، و"مرحلة التهجين التي يؤيدها رجل الأعمال الأميركي إيلون ماسك، وهي تدعم التداخل بين مختلف الكائنات الحية، وتعويد الإنسان على تقبل الأمور المستحدثة والمتجاوزة للهويات البيولوجية والخصائص الثقافية".

الذكاء الاصطناعي ينافس الجراحين اللبنانيين في غرف العمليات
الذكاء الاصطناعي ينافس الجراحين اللبنانيين في غرف العمليات
الذكاء الاصطناعي ينافس الجراحين اللبنانيين في غرف العمليات
الذكاء الاصطناعي ينافس الجراحين اللبنانيين في غرف العمليات
الذكاء الاصطناعي ينافس الجراحين اللبنانيين في غرف العمليات
الذكاء الاصطناعي ينافس الجراحين اللبنانيين في غرف العمليات
الذكاء الاصطناعي ينافس الجراحين اللبنانيين في غرف العمليات
الذكاء الاصطناعي ينافس الجراحين اللبنانيين في غرف العمليات
الذكاء الاصطناعي ينافس الجراحين اللبنانيين في غرف العمليات
الذكاء الاصطناعي ينافس الجراحين اللبنانيين في غرف العمليات
الذكاء الاصطناعي ينافس الجراحين اللبنانيين في غرف العمليات
الذكاء الاصطناعي ينافس الجراحين اللبنانيين في غرف العمليات
الذكاء الاصطناعي ينافس الجراحين اللبنانيين في غرف العمليات
الذكاء الاصطناعي ينافس الجراحين اللبنانيين في غرف العمليات
الذكاء الاصطناعي ينافس الجراحين اللبنانيين في غرف العمليات
أعلن في شمرا