شعر-التفعيلة-وخصائصه/

يعد شعر التفعيلة من أبرز مظاهر الشعر العربي الحديث الذي ظهرت ملامحه الأولى في الثلاثينيات من هذا القرن على يدي الشاعرين نازك الملائكة (1923م - 2007م)، وبدر شاكر السياب(1926م - 1964م)، وقد عرفت الشاعرة نازك الملائكة شعر التفعيلة بقولها: إنّه شعر ذو شطر واحد ليس له طول ثابت وإنما يصح أن يتغير عدد التفعيلات من شطر إلى شطر، ويكون هذا التغيير وفق قاعدة عروضية تضبط إيقاعه.[١]


قد قام أمين الريحاني بتعريف شعر التفعيلة بقوله: إنّه الشعر الذي تحرّر من الوزن والقافية وقد ظهرت بداياته في الشعر الإنجليزي الذي تأثر به الكثير من الشعراء العرب ونسجوا شعرًا حرًا على منواله، ويرى الريحاني أنّ شعر التفعيلة قدي يرد على وزن واحد وقد تتعدد فيه الأوزان في القصيدة الواحدة وهذا ما جعله جديدًا محدثًا على الشعر العربي.[٢]


لم يقتصر تحديد مفهوم شعر التفعيلة على الشعراء وحسب، فقد قام دارسو الشعر الحديث ونقاده بمحاولات لتحديد مصطلح مفهومي يبين المقصود به، فعرفه بعض النقاد على أنّه شعر تقليدي جديد تتعدد التفعيلة العروضية بين شطوره وتتنوع فيه القوافي، وينظم على عدد من بحور الخليل بن أحمد الفراهيدي (718م -791م) التي تتميز بوحدة التفعيلة كالبحر الكامل والبحر الهزج والرجز وغيرها.[٣]


لقد عرف شعر التفعيلة منذ ظهوره وحتى اليوم بعدة مسميات منها: شعر التفعيلة نسبة إلى ما تقوم عليه بنيته الإيقاعية من وحدة التفعيلة، وأطلق عليه بعض النقاد الشعر الحر لما رأوا فيه من انطلاق وتحرر من القيود النظمية من الوزن والقافية والهيكل البنيوي للقصيدة والتي طالما قيدت الشعر العمودي.[١]


أُطلق عليه أيضًا الشعر الجديد، نظرًا لجدة الأوان الذي ظهر فيه ولجدة البنية الهيكلية والنمط الذي يسير عليه، كما أطلق عليه الناقد إحسان عباس مسمّى الغصن نظرًا لما رآه من تشابه بين هذا اللون الشعري وبين الشجرة التي تتفاوت أغصانها في أطوالها، بالإضافة إلى ما يحمله شعر التفعيلة من رموز وعمق دلالات يشبه إلى حد كبير الشجرة وأغصانها التي تحمل الكثير من الرموز والدلالات.[١]


ما دور العوامل النفسية في تشكيل شعر التفعيلة؟

ظهرت البوادر الأولى للتحرر من قيود الشعر في إنجلترا، ومن هناك كانت انطلاقة الشعر الحر أو شعر التفعيلة، وقد كان الكثير من الشعراء العرب يهتمون بالثقافات الغربية ويطلعون على آدابهم وأشعارهم، وهذا بدوره أدّى إلى توسُّع القريحة الإبداعية العربية وتنوّع النتاجات الأدبية وتجددها، وقد اطّلع شعراء العرب على ما نظمه الشعراء الإنجليز من الشعر الحر وتأثروا به ونسجوا على منواله، وبذلك يكون الباعث الثقافي الذي أتاحه الانفتاح على الشعوب من أبرز البواعث التي أدّت إلى ظهور شعر التفعيلة في العالم العربي.[٤]


إنّ أثر الشعر الإنجليزي الحر في الشعر العربي لم يكن الدافع الوحيد الذي أدّى إلى ظهور شعر التفعيلة ونهوضه فيالأدب العربي، فقد انكب الشعراء على قراءة الشعر الأندلسي ومحاكاته، وكثرت الدعوات للتجديد في الشعر ومحاولات التحلل من القيود النظمية التي كانت سائدة في شعر التفعيلة، والدعوة للتنويع في الإيقاع الموسيقي العروضي والقوافي على غرار الشعر الأندلسي.[٥]


ثمّة بواعث اجتماعية تتصل بطبيعة المجتمع الإنساني ورغبته في إحداث تغيير وتجديد كان لها كبير الأثر في ظهور شعر التفعيلة، لا سيّما أنّ الإنسان يميل بطبعه لاستحداث الحضارة وإحداث تغيير وتبديل في أنماط معيشته، هذا بالإضافة إلى ما ينعكس على فكره وسلوكه من تغيير، وبما أنّ الشعر يعد انعكاسًا حيًا للواقع الإنساني فإنّه لا بدّ أن يصيبه شيء من هذا التغيير الذي لا يفارق الواقع الإنساني.[١]


يرد كثير من الباحثين والدارسين ظهور الشعر الحر في العالم العربي إلى بواعث نفسية تكمن في الشعور بالكبت الطاقي والظلم والغبن الذي كان نتيجة للاستعمار الأجنبي، فكانت القصيدة بوحًا للشعور تنشد الاستقلال والحرية لا في كلماتها ومعانيها فحسب، إنّما في بنيتها الهيكلية أيضًا، فكان الخروج على المألوف وكسر قواعد الشعر العمودي القديم في محاولة للتحرر وإثبات الذات.[١]


ما هي أبرز المضامين التي تناولها شعراء التفعيلة؟

نظم شعراء التفعيلة في العديد من الموضوعات الشعرية وأهمها:







ما هي السمات المميزة لشعر التفعيلة؟

تميز شعر التفعيلة بعدد من السمات والخصائص الفنية وأهمها:








لقراءة المزيد، انظر هنا: خصائص الشعر الحر.


ما عدد التفعيلات التي يبنى عليها الشعر الحر؟

يعد الشعر الحر أو شعر التفعيلة شعرًا له قواعده ونظامه الخاص به، حيث يلزم الشاعر فيه بمراعاة وجود القافية والوزن الشعري ولا يمكنه تجاوزهما، لكنه يتيح له إمكانية التنويع والتعدد في الأوزان والقوافي، وينظم الشعر الحر على عدد من بحور العروض المعروفة التي تتكرر فيها التفعيلات إذ يبنى الشعر الحر على ثمانية تفعيلات فقط، بينما يبنى الشعر العمودي على عشرة تفعيلات منها.[٧]


تُبنى القصيدة في الشعر الحر على عدد غير محدود من التفعيلات، فقد تبنى القصيدة الواحدة على تسعة تفعيلات أو عشرة أو خمسة ومن البحور المؤتلفة التي تتكرر فيها تفعيلة معينة، وقد تبنى من البحور الأخرى المركبة التي تتكون من تفعيلتين أو أكثر، وفي هذه الحالة أيضًا يمكن للشاعر أن يكرر التفعيلات كما يشاء دون قيد، إلا أنه يتوجب عليه أن يلتزم بالترتيب الإيقاعي الأساسي لتلك التفعيلات كما وردت في البحر العروضي.[٧]


من هم أبرز رواد شعر التفعيلة؟

برز عدد كبير من الشعراء الذين نظموا قصائد في شعر التفعيلة ومنهم:


(1926م - 1964م) شاعر عراقي له العديد من الدواوين الشعرية نظم في شعر التفعيلة جل قصائده وكان من الرواد الأوائل لشعر التفعيلة، اتسمت أشعاره بالواقعية، أصيب بالمرض في سن مبكرة وقد انعكس ذلك في شعره حيث صارت ذاته محور شعره والتي كانت تتردد بين ما يحيط به من الأشياء والعلاقات، وسمي بشاعر الحرمان فقد كان شاعرًا محرومًا ناقمًا على الناس أجمعين كما أنه قد انضم إلى الشيوعية لما وجد فيها من تفريغ لرغباته وطاقاته، وكان يميل لشرب الخمر والمجون في محاولة منه لنسيان واقعه[٩]، ومن أبرز قصائده:[١٠]


(1940م - 1983م) شاعر مصري له ديوانين شعريين، وكان أديبًا مثقفًا غير أنه أصيب بمرض السرطان وأدخل المستشفى وأجرى العديد من العمليات، وكان لهذه المرحلة الموجعة من حياته أثر كبير في وجهته الشعرية التي اكتست بثوب الحزن والتشاؤم، كما أصدر مجموعة شعرية بعنوان الغرفة 8، وهو رقم غرفته في المستشفى، وعلى الرغم من مرضه لم يتوان لحظة عن كتابة الشعر ولم يقصر في ذلك، وفي شعره وظّف الرمز ودلالات الألوان والصور والتجسيد[١١]، ومن شعره:[١٢]


(1930) شاعر سوري اسمه علي سعيد إسبر، له عدد كبير من الدوواين الشعرية والكتب النثرية الفكرية، ويعد بحق شاعر الحداثة، ثار على شتى القيود المجتمعية والدينية والسياسية والأدبية، سعى لتحقيق ذاته في شعره وقام بتوظيف الأسطورة واستدعاء الشخصيات التاريخية، وكان أدونيس شاعرًا مثقفًا ومطلعًا على آداب العرب والغرب قديمها وحديثها، وقد تأثر بتلك الآداب أيما تأثر في شعره، وقيل إنّه كان له فضل كبير في نقل الشعر العربي إلى العالمية، حيث ترجمت الكثير من إنجازاته إلى اللغتين الإنجليزية والفرنسية وحاز على العديد من الجوائز التقديرية[١٣]، ومن شعره:[١٤]


(1941م - 2008م) شاعر فلسطيني له خمسة وعشرون ديوانًا، بالإضافة إلى عدد من الكتب النثرية والمقالات الأدبية المنشورة، نظم في شعر التفعيلة والشعر النثري، اتصلت مواضيعه الشعرية بالسياسة والحداثة، وشعره غني بالرمز والأساطير حتى قيل إنّه قد أسهم في نقل الشعر العربي إلى الرمزية والسوريالية، وقد مر شعره بعدة مراحل تطور فيها ونضج، حيث كان شعره في المرحلة الأولى رومانسيًا، وفي المرحلة الثانية أخذ يسود فيه الخطاب الأيدولوجي حتى بدا أيدولوجيًا بحتًا، وفي المرحلة الثالثة غاب الخطاب الأيدولجي عن شعره وأصبح يميل للذاتية المحضة[١٥]، ومن شعره:[١٦]



لقراءة المزيد، انظر هنا: أهم شعراء الشعر الحر.


لماذا عارض بعض النقاد شعر التفعيلة؟

نظر الكثير من النقاد والشعراء لشعر التفعيلة نظرة ترحيب باعتبارها خطوة نحو التجديد والتقدم الأدبي والشعري، ورأى الناقد عناد غزوان أنّ هذا التطور في الشعر لم يكن سوى استجابة للطبيعة الشعرية، فالقصيدة حركة متطورة تبدأ نشأتها مع الإنسان في كافة تفاصيل حياته وتبقى مصاحبة له حتى تبدو وكأنها ضرب من مسؤولياته الأدبية، وبذلك فإن شعر التفعيلة لم يكن ظهوره سوى محاكاة لطبيعة الحياة الإنسانية التي تتطلب النمو والتجدد.[١٧]


قد عارض بعض النقاد والشعراء فكرة الشعر الحر فاستهجنوه وعدّوه مرحلة من مراحل الضعف التي يمر بها الشعر، وأنه يمثل تعديًا وتجاوزًا للموروث الفني الشعري الذي دام عصورًا، ومن النقاد من ثار على رواد شعر التفعيلة أنفسهم باعتبار أنّ شعر التفعيلة لم يكن جديدًا حتى ينادي رواده فخورين بما حقّقوه من ثورة تجديدية على مستوى الشعر العربي، وردّه بعضهم مثل مصطفى جمال الدين إلى شعر البند وهو لون شعري يتحرر من قيود الوزن والقافية كان شائعًا في العراق.[١٨]


كيف تخلص شعر التفعيلة من وحدة البيت؟

لقد اختلف النقاد المحدثون في نظرتهم لشعر التفعيلة، فمنهم من رأى أنه يعد ثورة حقيقية في عالم الشعر العربي وأنه قد فتح آفاقًا جديدة من الفنون الشعرية وأتاح المجال للإبداع والابتكار، في حين رأى آخرون أنّ شعر التفعيلة لا يختلف كثيرًا عن الشعر العمودي سوى ما كان متصلًا بإمكانية تعدد القوافي والأوزان فيه وهذا لا يجعل منه شعرًا جديدًا بكل معنى الكلمة، إذ إنّه بذلك يكون قد اتبع نظام الشعر الأندلسي ولكن في أشطر شعرية.[٣]


في هذا الخلاف تُصرّح الشاعرة نازك الملائكة برأيها، حيث تقول إنّ شعر التفعيلة يعد شعرًا جديدًا في عالم الأدب العربي إلا أن جدته لا تبعد به كثيرًا عن الشعر العمودي، فشعر التفعيلة لا يزال يحتفظ بمفهوم الشعر الذي بيّنه قدامة بن جعفر منذ قديم الزمان، حيث إنّ كل قول موزون مقفى يدل على معنى، وبذلك فإنّ التجديد في شعر التفعيلة يكمن في الحرية التي أتاحها للشاعر في مجال التنويع وحسب.[٨]

يتميز شعر التفعيلة عن الشعر العمودي بسهولة تدفقه نظرًا لما يتيحه التعدّد في الوزن والقافية من سهولة في إيجاد الألفاظ وإعداد القوافي، بينما يعد الشعر العمودي أكثر التزامًا وتقيدًا بوحدة الوزن والقافية، ممّا يقيد الشاعر بألفاظ مُحدّدة تُناسب الوزن والقافية، وقد يضطر الشاعر في كثير من الأحيان للجوء إلى الضرورة الشعرية حفاظًا غلى وحدة الوزن والقافية، بينما لا نجد ذلك في شعر التفعيلة.[٨]


أما بالنسبة للبناء الهيكلي الخارجي، فالفرق بين الشعر العمودي وشعر التفعيلة واضح، فالشعر العمودي يقوم على الالتزام بتناسق بين شطري البيت الواحد من جهة وتناسق بين أبيات القصيدة الواحدة كلها، بينما لا نجد ذلك في شعر التفعيلة الذي يقوم على نظام الأشطر المتتابعة التي تتفاوت في أحجامها تبعًا لنفس الشاعر والدلالة التي يوحي بها الفضاء الفني الشعري.[٨]


من جهة أخرى تعتمد قصائد الشعر العمودي في معظمها على وحدة البيت الشعري، أي أنّ المعنى الذي يقصده الشاعر قد يتم في البيت الواحد، في حين يتناول البيت الآتي معنى آخر غيره يدعم ما قبله ويؤكده كما هو الحال في قصائد الشاعر أحمد شوقي، غير أن ذلك لا يشمل سائر قصائد الشعر العمودي إلا أنه ممكن فيه، أما شعر التفعيلة فيقوم على ما يسمى بالوحدة العضوية التي تأتلف فيها سائر أشطر القصيدة تحت معنى واحد، وهذا بدوره قد ترك أثرًا بالغًا في النقد الأدبي، حيث لم يعد النقد الجزئي وافيًا لتغطية شعر التفعيلة وتطلّب ذلك ظهور ألوان جديدة من النقد الأدبي.[١٩]


ما هي أشهر قصائد شعر التفعيلة؟

نظم الشعراء الكثير من القصائد التي في شعر التفعيلة ومن أبرزها:



أعلن في شمرا