انتظرت نقابات “سوريا” عقوداً طويلة للوصول إلى لحظة التحرر من سلطة حزب “البعث” والتمتّع بإجراء انتخابات حقيقية تنهي حقبة القوائم الجاهزة والناجحة مسبقاً على وقعِ “ثقة القيادة”.

وبعد سقوط النظام في الثامن من كانون الأول الجاري. تسلّمت “هيئة تحرير الشام” دفّة إدارة البلاد وعيّنت حكومة “محمد البشير” لتسيير الأعمال حتى مطلع آذار من العام القادم.

لتقوم حكومة “البشير” بإقرار سلسلة تعيينات في مواقع إدارية عدّة لم تكن النقابات بمنأىً عنها. حيث تم تعيين “مالك حج علي” نقيباً للمهندسين بدلاً من “غياث قطيني” الذي أوصله انتماؤه لحزب “البعث” إلى موقعه في قيادة النقابة منذ العام 2014.

كما تم تعيين “أحمد محمد دخان” نقيباً للمحامين بدلاً من “حكمت فرداوي” الذي تسلّم موقعه قبل شهر واحد فقط حينما أجريت انتخابات للنقابة المركزية لكن اختيار النقيب وأعضاء مجلس النقابة جاء بقرار من اللجنة المركزية لحزب “البعث” وتم تطبيق القرار بحرفيته عبر “التزكية” دون انتخابات حيث لم يترشّح أحد لمواجهة الأسماء التي اختارها الحزب وتمت العملية دون ضجيج يذكر.

لكن اللافت أن سقوط النظام نقل النقابتين من تعيين “البعث” إلى تعيين “الهيئة”. بينما كان النقابيون ينتظرون لحظة التخلّص من حكم الحزب الواحد لخوض تجربة ديمقراطية حقيقية بعيداً عن التعيينات. علماً أن حكومة “البشير” تقول أنها “مؤقتة” لكن قراراتها قد تتجاوز في آثارها مدة الأشهر الثلاثة المعلنة. حيث لم يعلن عن نيّة إجراء انتخابات للنقابات لتشكيل مجالس جديدة منتخبة بحرية لها للمرة الأولى منذ عقود.

سيكون من اللافت أن نقابتي “المهندسين” و”المحامين” كانتا رأس حربة في معارضة النظام أواخر سبعينيات القرن الماضي. حيث خاضتا معركة مواجهة حزب “البعث” وتفرّده بالسلطة ونقلتا مطالب الناس برفع قانون الطوارئ وإطلاق الحريات والإفراج عن المعتقلين. ونجحت قوائم المستقلين في النقابتين بالفوز في آخر انتخابات نقابية حرة بمواجهة قوائم “البعث”.

ومع حلول العام 1980 نفّذت النقابات إضراباً واسعاً احتجاجاً على عدم الاستجابة لمطالبها ردّ النظام عليه بحملة اعتقالات للنقابيين. ليصل بعد ذلك لإصدار مرسوم يخوّل مجلس الوزراء بحلّ النقابات. لتكون تلك لحظة مفصلية في وأد العمل النقابي في “سوريا”.

إذ تحوّلت النقابات والاتحادات بكافة قطاعاتها إلى مجالس يشكّلها حزب “البعث” ويختار أسماء إداراتها كما يشاء من أعضائه وأنصاره. فكان من الكافي الانتماء لحزب “البعث” وتوطيد العلاقة مع قياداته ليصبح الشخص نقيباً أو عضواً في مجلس النقابة دون الحاجة لكسب أصوات أعضاء النقابة فالأمر لم يكن قائماً على الانتخابات بالمطلق.

أما في عام 2012 وحين أقرّ النظام السابق دستوراً جديداً للبلاد حذف منه المادة الثامنة القائلة بأن حزب “البعث” هو الحزب القائد للدولة والمجتمع. فقد تضمّن المادة العاشرة التي تنصّ على أن النقابات منظمات شعبية تضمن الدولة استقلاليتها.

إلا أن النظام كان أول مخالفي الدستور الذي وضعه بنفسه  حيث واصل “البعث” سياسة التعيينات في النقابات والتدخل في شؤونها وحضور مسؤوليه اجتماعاتها دون صفة قانونية. فيما كانت حجّة المدافعين عن ذلك أنه حزب الأغلبية ومن الطبيعي أن ينفّذ أعضاؤه النقابيون قراراته وينتخبون تبعاً لأوامر قيادتهم. لكن تلك الحجّة تتجاهل ضمناً أن الانتماء لـ”البعث” كان يهدف إما للوصول إلى مناصب أعلى وإما ليحمي الشخص نفسه من مساءلات الأجهزة الأمنية خاصةً بالنسبة لموظفي القطاع العام.

التجربة المريرة للنقابات في “سوريا” مع النظام السابق زادت من أحلام النقابيين بالوصول إلى لحظة الحرية وإحياء نقاباتهم ككيانات معبّرة عن المجتمع المدني وقادرة على إيصال المطالب والهموم عبر أصواتٍ حقيقية ومنتخبة بعيداً عن التعيينات والولاءات وحكم الحزب الواحد.

أعلن في شمرا