يرى العلماء أن ارتفاع درجات حرارة المياه الناجم عن تغير المناخ الذي يسببه الإنسان يؤثر في توزيع الفرائس ومناطق الصيد لأسماك القرش، مما يدفع بعضها إلى الاقتراب من الشواطئ بحثاً عن الطعام.
كل عام، يتعرض العشرات من الأميركيين لهجمات أسماك القرش، وهي حوادث مرعبة لكل من السباحين وراكبي الأمواج. وعلى رغم صعوبة منع هذه الحوادث، يعتقد العلماء أنهم قد توصلوا إلى حل محتمل.
من أعماق المياه المظلمة، قد يكون من الصعب على أسماك القرش تمييز البشر. فعندما يركب السباحون الأمواج على ألواحهم، تراهم القروش وكأنهم فقمات. وفي لحظة من الارتباك والجوع، قد تهاجمهم أسماك القرش معتقدة أنهم فريستها المعتادة.
مدير برنامج أبحاث أسماك القرش في متحف فلوريدا للتاريخ الطبيعي، الدكتور غافن نايلور، قال لـ"اندبندنت" إن هذا العام يبدو أنه "عام منخفض الحوادث" في ما يتعلق بهجمات أسماك القرش، مشيراً إلى أن الحوادث الأخيرة قبالة سواحل هاواي وفلوريدا غير اعتيادية.
لكن بعض الطرق التي يتبعها عشاق البحر لمحاولة تجنب الحوادث وإبعاد أسماك القرش قد تكون غير تقليدية. فبعضهم يمارس اليوغا في المياه لتهدئة أسماك القرش، بينما يشغل آخرون موسيقى الحيتان القاتلة، وهناك من يرتدي أساور مغناطيسية حول الكاحلين، على رغم أن الدكتور نايلور لا يعتقد أن هذه الأساليب فعالة.
وأوضح "في الواقع هذه الطرق قد يكون لها تأثير عكسي، لأنها تمنح الناس شعوراً زائفاً بالأمان".
هذا وقد شهدت مدينة نيويورك العام الماضي أول هجوم لأسماك القرش منذ عقود في شاطئ روكواي، أسفر عن إعاقة دائمة للضحية، وفي العام نفسه سجلت الولايات المتحدة 36 هجوماً لأسماك القرش، اثنان منها أديا إلى الوفاة. وعلى رغم أن هذا الرقم أقل من 41 حادثة في عام 2022، فإن العلماء لا يزالون يعملون على إيجاد طرق لتقليصها أكثر.
وفي دراسة جديدة نشرها باحثون في جامعة "ماكواري" الأسترالية في وقت سابق من هذا الشهر في مجلة "كارينت بيولوجي" Current Biology، اقترحوا فيها حلاً غير تدخلي [لا يضر أسماك القرش أو النظام البيئي البحري] قد يساعد في حماية راكبي الأمواج.
وأوضح نايلور، الذي لم يشارك في الدراسة، "إذا كانت المياه واضحة ورأوا شيئاً يشبه الفقمة، وإذا تمكنت من منع هذا الشيء من الظهور كفقمة - فيمكنك استغلال ذلك للحد من الهجوم".
استلهم الباحثون من سمكة صغيرة تعرف باسم "ميدشيبمان" midshipman، وهي سمكة غريبة الشكل تشبه الضفدع وتحوي خلايا ضوئية على بطونها تنتج الضوء وتغير شكل ظلالها — إذ وضع الأستاذ ناثان هارت، والدكتورة لورا رايان، وزملاؤهما أضواء LED على مجسمات رغوية تأخذ شكل الفقمة.
ثم سحبوا المجسمات في رحلات عدة في منطقة معروفة بوجود أسماك القرش البيضاء الكبرى في خليج موسيل بجنوب أفريقيا على مدى ست سنوات، وتبين أن وضع الأضواء على صورة خطوط عرضية على الدمى، لتكون متعامدة مع حركة أسماك القرش، كانت وسيلة فعالة لردعها.
وقال هارت في بيان "يشبه الأمر عباءة للاختفاء، لكننا نقسم الشكل البصري إلى أجزاء أصغر". مضيفاً "إنها تفاعل معقد مع سلوك أسماك القرش، إذ يجب أن تكون الأضواء بنمط ودرجة سطوع معينين".
أوضح العلماء أن فعالية طريقتهم ترتبط ببيولوجيا أسماك القرش البيضاء الكبرى وقدرتها على الصيد. بينما تعتمد هذه الأسماك على حاسة البصر، إلا أن رؤيتها غير حادة ومن المحتمل أنها تعاني عمى الألوان.
لاختبار ذلك، أوضح نايلور أنهم يفحصون شبكية عين القرش من خلال توصيلها بجهاز مراقبة وتسليط أطوال موجية مختلفة من الضوء عليها لرصد الاستجابات. كذلك يمكنهم أيضاً تحليل الخلايا المتضررة لاستخلاص مزيد من المعلومات.
وأشار إلى أن قاعدة بيانات "ملف هجمات أسماك القرش الدولية" التابعة لمتحف فلوريدا للتاريخ الطبيعي، التي تضم 7 آلاف سجل، وهي الوحيدة في العالم التي توثق علمياً جميع هجمات أسماك القرش المعروفة، تظهر أن 60 في المئة من الهجمات تحدث في مياه ذات رؤية منخفضة، مما يشير إلى أن أسماك القرش قد تخلط بين البشر وفرائسها المعتادة.
وأضاف: "من المنطقي تماماً أنه إذا شُوِّش التباين كي لا يتعرف الحيوان إلى الشكل كفريسة، فمن المفترض أن تنجح الطريقة".
مع ذلك، هناك عديد من التحديات في منع هذه الحوادث. أحدها هو تنوع الأنواع في المياه قبالة الساحل الشرقي. وعلى رغم أن أسماك القرش قد تتشابه في بعض السمات الجسدية، فإن سلوكها يختلف بصورة كبيرة.
وأشار نايلور إلى أنه لا يمكن استخدام الطريقة نفسها التي تطبق على أسماك القرش البيضاء مع أسماك قرش النمر. بينما تفضل أسماك القرش البيضاء عادة الثدييات البحرية، فإن أسماك قرش النمر غير انتقائية ولديها نظام غذائي أكثر تنوعاً.
وأوضح قائلاً: "إذا كانت ما تراه أسماك القرش طعاماً ولم يعد يبدو كذلك، فهذا تقدم كبير". لكنه أشار إلى أنه وفقاً لدرجة جوع أسماك القرش، فقد تتجاهل أي مؤثرات لا تفضلها.
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وأضاف أن ارتفاع درجات حرارة المياه الناجم عن تغير المناخ الذي يسببه الإنسان يؤثر في توزيع الفرائس ومناطق الصيد لأسماك القرش، مما يدفع بعضها إلى الاقتراب من الشواطئ بحثاً عن الطعام.
وفي النهاية، يؤمن نايلور أن "الحلول ستنبثق من علماء الأحياء البحرية والمتخصصين في دراسة أسماك القرش"، مؤكداً "إنه مشروع يستحق الاهتمام الإعلامي، فهناك عديد ممن يزعمون أنهم اكتشفوا الحل النهائي".
قد يشعر بعض الأشخاص الذين يقلقون من احتمال التعرض النادر جداً لهجمات أسماك القرش ببعض الاطمئنان إذا استخدموا ألواح تزلج مزودة بتقنيات قد تقلل من خطر الهجوم من واحد في 100 مليون إلى واحد في 200 مليون.
في النهاية، يؤكد نايلور أن جميع هذه الإجراءات للوقاية من هجمات أسماك القرش تهدف إلى تمكين الناس من الاستمتاع بأنشطتهم المفضلة بأمان.
© The Independent