تعود بعض أسباب تكوين "فقاعة المعلومات" إلى الطبيعة البشرية، إذ إن الإنسان اجتماعي بطبعه، يميل للانتماء إلى مجموعات رياضية أو سياسية أو ثقافية، تعزز قيوداً على نوعية المعلومات المقبولة والمرفوضة. كما أن ضعف الوعي الإعلامي والمهارات البحثية، خصوصاً في ما يتعلق بالمعلومات المعقدة مثل القضايا البيئية أو الاقتصادية، يجعل الأفراد أكثر عرضة لتأثير هذه الفقاعات، مما يؤدي إلى تعزيز الشعور بالصواب المطلق وتجاهل المعلومات المعارضة.

في عصر الهيمنة الرقمية تتسلل ظاهرة "فقاعات المعلومات" إلى تفاصيل حياتنا اليومية، إذ يجد الأفراد أنفسهم محصورين داخل دوائر ضيقة من المحتوى الذي يعكس معتقداتهم وآراءهم الحالية. تلعب منصات التواصل الاجتماعي ومحركات البحث دوراً محورياً في تشكيل هذه الظاهرة، من خلال خوارزميات ذكية تصمم المحتوى بناء على تفضيلات المستخدم، وعلى رغم ما تقدمه من راحة وتخصيص، تسهم هذه الآلية في تعزيز التحيزات الفكرية وعزل الأفراد عن وجهات النظر المختلفة، مما يقلل قدرتهم على فهم أوسع للواقع واتخاذ قرارات متوازنة، فهل باتت هذه الفقاعات تشكل تهديداً غير مرئي على الوعي الجمعي؟

بين "خلل الألفية" ونظرية "الأرض المسطحة"

فقاعات المعلومات ليست ظاهرة جديدة، لكنها أصبحت أكثر تأثيراً في عصرنا الرقمي، كما يظهر من خلال قضيتين بارزتين: مشكلة Y2K، أو "خلل الألفية"، وحركة "الأرض المسطحة". وعلى رغم اختلاف طبيعة هاتين القضيتين، إلا أن كلتيهما تظهران كيف يمكن للإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي تضخيم المخاوف أو تعزيز المعتقدات غير العلمية.

في أواخر التسعينيات، أثارت مشكلة "Y2K" جدلاً عالمياً حول ما إذا كانت أزمة حقيقية أم مجرد "فقاعة معلومات" مبالغ فيها. الخشية كانت من أن تؤدي أخطاء في أنظمة الكمبيوتر، التي تعتمد على تمثيل السنة برقمين فقط، إلى انهيار الأنظمة المالية والبنية التحتية الحيوية مع دخول عام 2000.

وعلى رغم الإنفاق الضخم، الذي وصل إلى 150 مليار دولار في الولايات المتحدة وحدها، لم تحدث الكوارث المتوقعة. هذا دفع بعض المتابعين للتساؤل عما إذا كانت المشكلة تضخمت بفعل الإعلام والخوف الجماعي، بينما يرى آخرون أن التحضيرات الضخمة لعبت دوراً محورياً في تجنب الكارثة.

https___cloudfront-us-east-2.images.arcpublishing.com_reuters_TVZ265ODXJNY3KFJ62G237RGPM.jpg

في المقابل تعكس نظرية "الأرض المسطحة" جانباً آخر من فقاعات المعلومات، إذ استغلت وسائل التواصل الاجتماعي لنشر معتقدات غير علمية تناقض حقائق أثبتت منذ آلاف السنين. يزعم مؤيدو هذه النظرية أن الأرض مسطحة وأن الأدلة العلمية والصور من وكالات مثل "ناسا" مزيفة، هذه الفقاعة المعلوماتية ازدهرت بفضل الإنترنت الذي وفر بيئة مثالية لتشكيل مجتمعات مغلقة تعزز هذه الأفكار من دون مواجهة نقد علمي حقيقي.

المشترك بين الحالتين هو أن فقاعات المعلومات تؤثر في إدراك الجمهور للحقائق، سواء من خلال تضخيم المخاوف كما في حالة Y2K، أو تعزيز المعتقدات غير العلمية كما في نظرية "الأرض المسطحة". وفي الحالتين تعكس الظاهرة أزمة أعمق تتعلق بكيفية استهلاك المعلومات في العصر الرقمي، وتأثيرها في الثقة في المؤسسات العلمية والقدرة على التمييز بين الحقيقة والمعلومات المضللة.

أسباب تكوين الفقاعة

تعود بعض أسباب تكوين "فقاعة المعلومات" إلى الطبيعة البشرية، إذ إن الإنسان اجتماعي بطبعه، يميل للانتماء إلى مجموعات رياضية أو سياسية أو ثقافية، تعزز قيوداً على نوعية المعلومات المقبولة والمرفوضة. كما أن ضعف الوعي الإعلامي والمهارات البحثية، خصوصاً في ما يتعلق بالمعلومات المعقدة مثل القضايا البيئية أو الاقتصادية، يجعل الأفراد أكثر عرضة لتأثير هذه الفقاعات، مما يؤدي إلى تعزيز الشعور بالصواب المطلق وتجاهل المعلومات المعارضة.

وفي المجتمعات ذات الانغلاق الثقافي ترسخ الأعراف والمعتقدات ومنع الاطلاع على الآراء المخالفة، مما يؤدي إلى تعزيز العزلة الفكرية. أما على الجانب الآخر، فإن مستخدمي التكنولوجيا يواجهون تحدياً مختلفاً، يتمثل في "إرهاق المعلومات"، إذ تزداد كمية المحتوى المتاح، فيتراجع الاهتمام بالتحقق من مصادره.

عوامل مساهمة

في العصر الرقمي تزداد ظاهرة "فقاعة المعلومات" انتشاراً، متأثرة بعوامل عدة تتعلق بالطبيعة البشرية والتطورات التكنولوجية والممارسات الإعلامية. بصورة عامة يميل الأفراد إلى البحث عن معلومات تعزز آراءهم ومعتقداتهم الشخصية مع تجنب الآراء المخالفة، ومع وفرة المعلومات في هذا العصر يلجأ كثيرون إلى ممارسات مثل متابعة عدد محدود من المصادر الإخبارية أو المؤثرين، أو الاعتماد على المحتوى السريع والموجز، مما يؤدي إلى تقليص التنوع المعلوماتي، خصوصاً في الأخبار العاجلة ويؤثر في التفكير النقدي لدى الأفراد.

يشكل هذا النمط جزءاً من الهوية الرقمية للأفراد، إذ يعزز الانغماس في محتوى يعكس توجهاتهم وهويتهم الرقمية صعوبة تقبل الآراء المختلفة. وفي هذا السياق يشير المهندس جمال فيصل المطوع، الخبير في التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي، إلى أن "المستخدم عندما يركز على موضوع معين أو اهتمام محدد، يبقى محصوراً في هذا النطاق. وحتى إذا عرضت عليه مصادر أو وجهات نظر مختلفة، فإنها يجب أن تكون جذابة ومقنعة للغاية ليهتم بها، وإلا فسيتجاهلها ببساطة".

الدور التجاري والتكنولوجي

تلعب الشركات الرقمية والمنصات الإعلامية دوراً كبيراً في تعزيز الفقاعات المعلوماتية، إذ تسعى إلى تحقيق أرباح من خلال الإعلانات المستهدفة وتخصيص المحتوى. وتستخدم أدوات مثل الذكاء الاصطناعي لتقديم محتوى مخصص يعكس تفضيلات المستخدم أو المؤسسة، مما يقلل من فرص التعرض لوجهات نظر مغايرة.

وفي هذا الإطار يرى الخبير بشار الصايغ، المدير العام لجريدة الجريدة الكويتية، أن "فقاعات الإعلام الجديد أكثر تأثيراً من الإعلام التقليدي، إذ تستخدم أدوات التتبع والذكاء الاصطناعي لتحديد أنماط الأفراد، وتكيف رسائلها ومعلوماتها بناء على هذه الأنماط. على عكس الإعلام التقليدي الذي يتطلب من الأفراد الوصول إليه للحصول على المعلومات، ولا يمتلك القدرة على متابعة حركاتهم واهتماماتهم على الإنترنت".

مشاهير التواصل الاجتماعي

في عصر هيمنة وسائل التواصل الاجتماعي، يلعب مشاهير المنصات وصناع المحتوى دوراً رئيساً في تشكيل الرأي العام وتوجيه اهتمامات المتابعين. هذا التأثير الكبير يجعل من المشاهير مصدراً أساسياً للمعلومات لدى شريحة واسعة من الجمهور، مما يسهم في خلق "فقاعات معلومات" تحاصر المتابعين داخل رؤية محدودة ومنحازة للعالم.

reuters-uj3nu5d6sbpmxfqgvloaaovl6u (1).png

المحتوى الذي يقدمه المشاهير غالباً ما يعكس اهتماماتهم وأولوياتهم الشخصية، مما يضيق دائرة المعلومات التي يتعرض لها المتابعون. بمرور الوقت، يؤدي هذا الاعتماد المفرط إلى إضعاف مهارات التحليل والنقد لدى الأفراد، وجعلهم أكثر عرضة للتأثير السلبي. ويعزز ذلك الأسلوب العاطفي الذي يستخدمه المؤثرون في التواصل، مما يعمق ارتباط المتابعين بالمحتوى ويزيد من قوة "فقاعة المعلومات".

ومع دعم خوارزميات وسائل التواصل الاجتماعي للمحتوى المشابه لاهتمامات المستخدم، تكرس عزلة المتابع داخل فقاعة المؤثر، إذ تعيد هذه الخوارزميات تدوير الأفكار والمعلومات نفسها من دون تقديم وجهات نظر بديلة.

دور الإعلام

يؤكد الخبير بشار الصايغ أن "وسائل الإعلام الموثوقة تتحمل مسؤولية كبيرة في مواجهة فقاعات الإعلام وتأثيراتها في الأفراد والمجتمعات، إذا كانت المؤسسة الإعلامية ترى نفسها كجهة ذات مسؤولية وطنية، فإن محاربة المعتقدات التي تروج لها فقاعات الإعلام، خصوصاً تلك التي تتعلق بالأخلاق والقيم، تصبح واجباً لا يمكن تجاهله".

ويضيف أن مواجهة فقاعات الإعلام الجديد تتطلب تعاوناً بين المؤسسات الإعلامية الحكومية والقطاع الخاص، هذه الجهود يجب أن تبدأ من مراحل مبكرة لتعزيز الوعي لدى الأفراد، وتوضيح أخطار الاعتماد على الإعلام الجديد مجهول المصدر.

الذكاء الاصطناعي

الذكاء الاصطناعي إذا أدير بصورة غير مسؤولة، قد يعمق فقاعات المعلومات ويزيد من الاستقطاب الفكري، فهو قادر على إنشاء محتوى مزيف ودعم وجهات نظر معينة عبر استهداف المستخدمين بمحتوى عاطفي يعزز تحيزاتهم. كما تستبعد خوارزمياته المحتوى الذي لا يتوافق مع أنماط التفاعل الخاصة بالمستخدم، مما يعمق العزلة المعلوماتية.

لكن من جهة أخرى يمكن للذكاء الاصطناعي أن يلعب دوراً إيجابياً في كسر هذه الفقاعات من خلال تحسين الخوارزميات لتقديم محتوى متنوع ومتوازن يعرض وجهات نظر مختلفة، كما يمكن استخدامه في كشف الأخبار الكاذبة وتقديم ملخصات شاملة تسهم في تعزيز التفكير النقدي والوعي الإعلامي.

ويشير المهندس جمال المطوع إلى أن "الذكاء الاصطناعي يتميز بقدرته على التكيف بناء على تفضيلات المستخدم، مما يجعله أداة فعالة لتعزيز أو كسر فقاعات المعلومات، خوارزميات مثل تلك المستخدمة في تيك توك تعتمد على ردود أفعال المستخدمين لتكييف المحتوى، مما يجعلها ذات تأثير كبير".

الحلول ومستقبل

على رغم أن الإنترنت أسهم في تفاقم ظاهرة فقاعات المعلومات، إلا أنه أتاح أيضاً فرصاً لتطوير أدوات قادرة على معالجتها، يمكن للذكاء الاصطناعي أن يلعب دوراً رئيساً في اقتراح محتوى متنوع وتحليل فقاعات المعلومات وكشف عن مدى تحيزها.

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

كما أن هناك توجهاً عالمياً نحو إصدار تشريعات تلزم المنصات الرقمية بالإفصاح عن طبيعة المعلومات التي تجمعها عن المستخدمين، ومنحهم خيار القبول أو الرفض. يرى الخبير بشار الصايغ أن "هناك أدوات تقنية تحمي الأفراد من برمجيات تتبع البيانات، كما تلزم التشريعات المواقع بالإفصاح عن طبيعة البيانات التي تجمعها، هذا يساعد في تقليل تأثير الفقاعات المعلوماتية".

الحفاظ على التوازن بين التكنولوجيا والموروث الأخلاقي يتطلب تعزيز التربية الأخلاقية التعليم النقدي وتنظيم المحتوى الرقمي، يرى الخبراء أن المؤسسات الإعلامية الرائدة، بفضل تاريخها المهني وحرفيتها العالية، ستظل المصدر الأكثر موثوقية للمعلومات المتوازنة، مما يعزز دورها في مواجهة تحديات فقاعات المعلومات والتكنولوجيا الحديثة.

"فقاعات المعلومات".. عندما تشكل الخوارزميات عزلة فكرية
"فقاعات المعلومات".. عندما تشكل الخوارزميات عزلة فكرية
"فقاعات المعلومات".. عندما تشكل الخوارزميات عزلة فكرية
"فقاعات المعلومات".. عندما تشكل الخوارزميات عزلة فكرية
"فقاعات المعلومات".. عندما تشكل الخوارزميات عزلة فكرية
"فقاعات المعلومات".. عندما تشكل الخوارزميات عزلة فكرية
"فقاعات المعلومات".. عندما تشكل الخوارزميات عزلة فكرية
"فقاعات المعلومات".. عندما تشكل الخوارزميات عزلة فكرية
"فقاعات المعلومات".. عندما تشكل الخوارزميات عزلة فكرية
"فقاعات المعلومات".. عندما تشكل الخوارزميات عزلة فكرية
"فقاعات المعلومات".. عندما تشكل الخوارزميات عزلة فكرية
"فقاعات المعلومات".. عندما تشكل الخوارزميات عزلة فكرية
"فقاعات المعلومات".. عندما تشكل الخوارزميات عزلة فكرية
"فقاعات المعلومات".. عندما تشكل الخوارزميات عزلة فكرية
"فقاعات المعلومات".. عندما تشكل الخوارزميات عزلة فكرية
"فقاعات المعلومات".. عندما تشكل الخوارزميات عزلة فكرية
أعلن في شمرا