"طوايف غبنتن" هي فرق فنية شعبية تتمركز بالأساس في محافظة مدنين وتتكون الفرقة من سبعة إلى 11 عضواً، وشاركت في مناسبات تونسية ودولية عدة وأقامت عدداً من التظاهرات الثقافية الكبرى
انطلقت فرق "طوايف غبنتن" إحدى أصوات البادية التونسية الشعبية من المحلية إلى العالمية بعد تسجيل ملفها قبل أيام في بارغواي ملف فنون العرض الخاصة بها على القائمة التمثيلية للتراث الثقافي غير المادي لدى اليونيسكو.
وفي ظل اعتبار التراث الثقافي تشاركياً بين أمم تتنافس على الهيمنة عليه من جهة، وكونه مورداً اقتصادياً مُدراً للربح لبعض الفئات، فقد شهد هذا الفن نزاعات بين عدة دول لتسجيله، بخاصة أن تونس تقع في منطقة تشهد تشابهاً كبيراً في الثقافات.
و"طوايف غبنتن" هي فرق فنية شعبية تتمركز بالأساس في محافظة مدنين، وتتكون الفرقة من سبعة إلى 11 عضواً، وشاركت في مناسبات تونسية ودولية عدة وأقامت عدداً من التظاهرات الثقافية الكبرى. وتتميز تلك المجموعات الموسيقية المنحدرة من قبيلة ورغمة التي تقطن في المنطقة الفاصلة بين محافظتي مدنين وقابس والحدود الليبية بنوع من التخصص الفني.
وتختص عناصر تلك الطوائف أو المجموعات الفنية بسمرة لون البشرة لأنهم تم جلبهم إلى تونس في إطار تجارة العبيد قديماً قبل عتقهم بقرار من المشير أحمد باي في عام 1846.
تأريخ الأحداث بطريقة فنية
بدوره، قال عضو الهيئة التسييرية المعدة لملف تسجيل الفرقة ضمن التراث العالمي محمد الباشا، إن "رحلة التسجيل استمرت منذ عام 2017 حيث مرت بعدة مراحل إلى أن نجحنا في تسجيل طوايف غبنتن ضمن التراث العالمي"، مؤكداً أن وجود الطوائف فقط في الجنوب التونسي ساعدهم في تسجيلها عكس عناصر ثقافية أخرى تشترك فيها تونس مع الدول المجاورة لها.
وفي حديثه لـ"اندبندنت عربية"، أوضح الباشا أن تسجيل الفرقة سيساعدهم أكثر على التنظيم ومزيد تعريف عروضهم الثقافية لكنه دعاهم إلى "مزيد من العمل للخروج بهذه الموسيقى من المحلية إلى العالمية والاستمرارية وتدريب الشباب الراغب في تعلم هذه العروض الشعبية".
بحسب الدكتور محمد ذويب الباحث في التاريخ فإن "عناصر هذه الطوائف أو المجموعات الفنية جرى تمكينهم قديماً من قطعة أرض استقروا عليها في جنوب شرقي تونس، وظلوا محتكرين للفن الاستعراضي في المنطقة ويمتهنون منذ استقرارهم هناك موسيقى فولكلورية بخصوصيات أفريقية تقدم إيقاعات ورقصات تختلف عن بقية الفرق الفنية الأخرى التي تنتشر في الجنوب التونسي وحتى في دول الجوار مثل ليبيا والجزائر وتتميز بلباسها المنفرد وإيقاعاتها الموغلة في المحلية والمستمدة من خصوصيات الجهة وتراثها".
وتابع ذويب في تصريح خاص، "لا تكاد هذه المجموعات الفنية أو الطوائف تغيب عن أفراح المنطقة"، موضحاً أن "أغاني هذه المجموعات الفنية تتميز بطرافة المواضيع التي تتطرق إليها والتي من خلالها تركز على وصف الأحداث الكبرى التي تشهدها البلاد التونسية والمنطقة العربية والعالم بصفة عامة وتضطلع بدور مهم في تأريخ الأحداث بطريقة فنية ويطلق عليها اسم (جريدة البادية) لدورها في حفظ الذاكرة".
وأشار إلى أن هذه المجموعات الفنية "تغنت بالمقاومة الوطنية للاستعمار الفرنسي وباستقلال تونس وحرب الخليج وأحداث 17 ديسمبر (كانون الأول) 2010 إلى 14 يناير (كانون الثاني) 2011 في تونس، وما جرى في ليبيا بعد 17 فبراير (شباط) 2011 والعمليات الإرهابية في جبل الشعانبي وبن قردان ووباء كورونا والهجرة غير الشرعية والجفاف والحرب على غزة وغيرها من المواضيع المعاصرة والراهنة".
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ونبه الباحث التاريخي إلى أن "هذه المجموعات الفنية اعتمدت بالدرجة الأولى على كلمات من اللهجة المحلية للمنطقة في أسلوب تأريخي توثيقي وبإيقاعات ذات خصوصيات أفريقية وبرقصات منظمة وبأزياء تميزها عن غيرها من الفرق الموسيقية المنتشرة في الجنوب التونسي والبلاد بصفة عامة".
دور فني فلكلوري
واعتبر الباحث في التاريخ الدكتور محمد ذويب، أن "طوائف غبنتن تضطلع بدور فني فلكلوري اختصت به من ضمن المجموعات الفنية الأخرى وبرزت ممارستها الاحتفالية في شكل فرق تسمى كل فرقة طائفة. وجاء اسم طائفة من فعل طاف يطوف لأن المجموعة الفنية تقوم بنوع من الطواف أثناء إحياء العرس أو الفرح".
وقال "يبدأ الاتفاق بين الطايفة أو الفرقة التي ستتولى إحياء الحفل أو العرس مع صاحب العرس أو المسؤول عنه قبل أشهر، إذ يجري الاتفاق شفوياً على إحياء حفل في ليلة يتم تحديدها مسبقاً ويحصل رئيس الفرقة على مبلغ مالي يسمى عربون، ويدوم العرس ثلاثة أو أربعة أيام بلياليها وغالباً ما تكون ليلة العرس هي الليلة الثانية التي تحييها الطايفة، وتنطلق الحفلة منذ التاسعة ليلاً وتتواصل حتى فجر اليوم التالي، وتكون عبارة عن مراوحة بين الأغاني و(الرمو) أي إعطاء هبات مالية للفرقة أو التصفير أو (كر الشنة) وهي نوع من الاستعراض".
وتتكون كل طايفة من رايس (رئيس) وبحرية وكل رايس هو قائد الفرقة وتحمل الطائفة اسمه ويشترط فيه أن يكون قادراً على قول الشعر لأنه الذي يؤلف القصائد المغناة خلال الحفلات ويتقاسم البحرية الأدوار في ما بينهم، إذ يتخصص أحدهم في نقر الطبل جالساً وسط المحفل ويؤذن ببدء الوصلة الغنائية أو اختتامها فيما يتولى آخر جمع محاصيل الرشق أو (الرمو) وهي الأموال التي تهدى للفرقة إثر كل وصلة غنائية ويقوم نفس الشخص بالتبريح وهي عملية إشهار للاسم الثلاثي لصاحب الهدية فيذكر خصاله كما يذكر من يقترحه من أفراد عائلته، أما بقية عناصر الفرقة فتشكل الكورال الذي يردد مقاطع معينة من الغناء مرفقة برقصات على نغمات الطبل.
مشكلات الاستمرارية
إلا أن الدكتور ذويب يرى أنه "على رغم هذه المساعي الرسمية لحماية تراث هذه الطوايف والمحافظة عليه، يواجه مشكلات أخرى بعضها متعلق بهذا التراث في حد ذاته على غرار ضرورة تكييف اللهجة بالشكل الذي يساعد على فهم مضامين النصوص المُغناة على صعيد أوسع (وطني وعربي)، ثم ثانياً أزمة نقل هذا التراث إلى الأجيال الجديدة وبالتالي ضمان استمراريته إضافة إلى بعض المشكلات الأخرى منها زحف الفرق الفنية وتراجع الإقبال على استدعاء هذه الطوايف في حفلات الزواج التي بدأت هي نفسها تفقد نظامها القديم وتتخفف من الكثير من فقراتها وطقوسها الاحتفالية".
وصادقت تونس على اتفاقية اليونيسكو في شأن حماية التراث الثقافي غير المادي بعد ثلاثة أعوام من إقرارها، أي في عام 2006. وأشرف المعهد الوطني للتراث على تشكيل فريق من المتخصصين والباحثين في مجال التراث لجرد التراث اللامادي التونسي بعد ستة أعوام من المصادقة على الاتفاقية في مجلس النواب، وتمكن الفريق إلى الآن من جرد 67 عنصراً.