تشير الأبحاث إلى أن الخبز الأبيض المكرر قد يرفع خطر الوفاة لدى مرضى سرطان القولون لأنه يسهم في الالتهاب وارتفاع السكر، بينما الخبز المصنوع من الحبوب الكاملة يساعد في تحسين الهضم ودعم المناعة. بالتالي، الخبز ليس مضراً بحد ذاته، بل نوعه هو ما يصنع الفارق بين الضرر والفائدة.
خلال الأعوام الأخيرة صار السؤال يتردد كثيراً بين المصابين بسرطان القولون، هل يجب أن أتوقف عن تناول الخبز بعد التشخيص؟ هذا التساؤل البسيط يخفي وراءه شبكة معقدة من العوامل تتعلق بنوع الخبز، وطريقة تصنيعه، والنمط الغذائي العام الذي يتبعه المريض. أبحاث حديثة ناقشت هذا الملف وأشارت إلى علاقة محتملة بين الإفراط في تناول الخبز الأبيض وارتفاع خطر الوفاة لدى بعض مرضى سرطان القولون.
دراسة حديثة من معهد دانا فاربر الأميركي، قدمت ضمن اجتماع الجمعية الأميركية لعلم الأورام السريري (ASCO 2025)، تابعت أكثر من 1600 مريض بسرطان القولون خلال المرحلة الثالثة.
سجل الباحثون أن المرضى الذين اتبعوا أنماطاً غذائية التهابية، أي اغذية تحفز الالتهاب المزمن في الجسم مثل الخبز الأبيض، والمعجنات، والسكريات المكررة واجهوا خطر وفاة أعلى بنحو 87 في المئة مقارنة بمن اتبعوا أنظمة أقل التهابية.
أوضحت الدراسة أن الحمية الغنية بالكربوهيدرات المكررة ترفع مؤشرات الالتهاب في الجسم وتؤثر في توازن الأنسولين، وهو ما قد يخلق بيئة أكثر ملاءمة لنمو الخلايا السرطانية. ولاحظ الباحثون أن المرضى الأكثر نشاطاً بدنياً تمتعوا بنتائج أفضل حتى عند استهلاك كميات معتدلة من الخبز.
من المهم التمييز بين نوعي الخبز، الأبيض والمصنع من الحبوب الكاملة. فالمشكلة ليست في الخبز ذاته، بل في درجة معالجته. الحبوب الكاملة تحوي النخالة والغلاف الليفي الذي يمد الجسم بالألياف والبوليفينولات والمعادن.
هذه المكونات تساعد في تحسين الهضم وخفض مستويات السكر وتثبيط الالتهاب. في المقابل، يُزال الجزء الأكبر من هذه المكونات خلال تصنيع الخبز الأبيض، مما يجعله ذا مؤشر سكري مرتفع يسبب ارتفاعاً سريعاً في سكر الدم والإنسولين. ومع مرور الوقت، تؤدي هذه الارتفاعات المتكررة إلى خلق بيئة التهابية مزمنة قد تزيد من خطر الانتكاس أو الوفاة لدى مرضى السرطان.
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
بيولوجياً، يعتقد الباحثون في جامعة هارفرد للصحة العامة ومعهد دانا-فاربر للسرطان أن ارتفاع مستويات الإنسولين الناتجة من استهلاك الأطعمة المكررة يحفز مسارات نمو الخلايا ويقلل من قدرتها على الانتحار الخلوي الطبيعي، وهي آلية الدفاع الأولى ضد التحول السرطاني. وأن هذه الأنظمة الغذائية قد تؤثر سلباً في الميكروبيوم المعوي وهو المجتمع البكتيري في الأمعاء مما يضعف المناعة ويزيد الالتهاب. دراسات أخرى أشارت إلى أن الأنماط الغذائية ذات مؤشر غلاسيمي عالي ترتبط بزيادة خطر عودة الورم بعد الجراحة والعلاج الكيماوي، بينما تظهر الأنظمة الغنية بالألياف نتائج عكسية، إذ تساعد في إنتاج أحماض دهنية قصيرة السلسلة تقلل من التهابات القولون وتحسن وظائف الخلايا.
تحليلات عالمية شاملة نشرت خلال الأعوام الأخيرة أوضحت أن تناول الخبز المصنوع من الحبوب الكاملة لا يزيد خطر السرطان، بل قد يقلل منه. فالحبوب الكاملة تقلل من امتصاص السكر السريع، وتزيد الشعور بالشبع، وتدعم صحة الجهاز الهضمي.
وأظهرت دراسات سكانية من "هارفرد" أن الأشخاص الذين يتناولون كميات كافية من الحبوب الكاملة تقل لديهم معدلات الوفاة من أمراض السرطان عموماً، وسرطان القولون خصوصاً.
وفي المقابل، كشفت بيانات دراسة البنك الحيوي البريطاني 2024 أن الإفراط في تناول الخبز الأبيض والمعجنات مرتبط بزيادة خطر الإصابة بمتلازمة التمثيل الغذائي والسمنة والسكري من النوع الثاني، وهي كلها عوامل معروفة تؤثر سلباً في نتائج علاج السرطان.
ينبغي التذكير أن غالب الدراسات التي تناولت هذا الموضوع لا تستند إلى تجارب سريرية دقيقة، أي إنها تظهر ارتباطاً لا سبباً مباشراً. ومع ذلك، تتفق النتائج على أن النظام الغذائي المتوازن منخفض الالتهاب أفضل لمرضى القولون في جميع الأحوال. وفي بعض الحالات، قد تكون أولوية المريض هي الحفاظ على الوزن وتجنب الهزال الناتج من العلاج الكيماوي، لذلك يجب استشارة متخصص تغذية قبل إجراء تغييرات كبيرة في النظام الغذائي.
وأخيراً، الخبز ليس عدواً، لكن نوعه وسياق تناوله يحددان أثره. فالخبز الأبيض المكرر إذا تكاثر حضوره في النظام الغذائي قد يسهم في بيئة التهابية تضعف فرص التعافي لدى مريض سرطان القولون. أما الخبز الكامل فهو جزء من نمط صحي متكامل يمكن أن يدعم المناعة ويعزز البقاء. وبكلمات أبسط، استبدل لا تمنع، ووازن لا تفرط. لأن الشفاء في كثير من الأحيان لا يبدأ من الممنوعات، بل من الوعي بنوعية ما نأكل، وبقدرتنا على تحويل الغذاء إلى أداة شفاء لا إلى عبء إضافي على الجسد.