يتضمن مشروع القانون "الكبير والجميل" الذي أصدره الرئيس الأميركي دونالد ترمب برنامجاً سرياً للغاية بموازنة بلغت مليار دولار لتطوير مركبة الفضاء العسكرية X-37B التابعة لقوة الفضاء الأميركية.
وسط جدل كبير تثيره، حوله، مواقع علمية أميركية كثيرة، التي يختص بعضها بأخبار الفضاء، يستمر الرئيس الأميركي دونالد ترمب في إثارة التساؤلات، حول نياته الغامضة تجاه مشاريع الفضاء الأميركي، إذ تشير تسريبات حديثة من مواقع أميركية ذات طابع علمي لها مصادر مطلعة خصوصاً في أوساط الفضاء الحكومي الأميركي ممثلاً بـ"ناسا"، إلى أن الرئيس ترمب الذي أجرى تغييرات هائلة في هذا القطاع، ينفذ الآن، بسرية تامة، برنامج "قوة الفضاء الأميركية"، مع تلميحات غير صريحة إلى أنه يقوم بذلك بعد الانتهاء من مشاريع تحطيم "ناسا" القديمة تماماً.
وتعد "ناسا" بزعامتها القديمة قبل خفض موازنتها العلمية أخيراً إلى النصف، وتسريح آلاف الموظفين الكبار منها، عقبة في وجه مشاريع الفضاء الجديدة لترمب، التي من أهمها مشروع "القبة الذهبية". وفي هذا السياق سربت مواقع علمية ومتخصصة بالفضاء أنباء جديدة حول استمرار العمل في واحد من أهم مشاريع ترمب السرية الجديدة ضمن هذه القبة، إذ يتضمن مشروع القانون "الكبير والجميل" الذي أصدره ترمب برنامجاً سرياً للغاية، بموازنة بلغت مليار دولار لتطوير مركبة الفضاء العسكرية X-37B التابعة لقوة الفضاء الأميركية، وذلك ضمن برنامج الدرع الصاروخية الأميركية أو ما يسمى سلاح "القبة الذهبية". ولعل ما يثير الجدل حقاً في هذا الخبر هو تأكيده أنه، حتى الآن، لا يعرف أحد كيف سيتم إنفاق أموال هذا المشروع السري بصورة واضحة ودقيقة.
تشير تسريبات من مواقع أميركية ذات طابع علمي لها مصادر مطلعة خصوصاً في أوساط الفضاء الحكومي الأميركي ممثلاً بـ"ناسا" إلى أن ترمب ينفذ الآن برنامج "قوة الفضاء الأميركية" (رويترز)
وفي زاوية أخبار استكشاف الفضاء على واحد من المواقع المتخصصة، قال ليونارد ديفيد، وهو كاتب عمود في SPACE.com متهكماً "تحت عنوان مشروع قانون ترمب الكبير والجميل لمنح قوة الفضاء الأميركية مليار دولار لطائرة الفضاء السرية X-37B، لا يعرف كيف سيتم إنفاق أموال هذا المشروع السري".
ونشر الموقع الإخباري العلمي الأميركي "سبيس دوت كوم"، في هذا الإطار، صورة لطائرة سوداء وبيضاء من دون نوافذ على مدرجها، وعلق الناشر على الصورة بقوله "مركبة الاختبار المدارية X-37B في منشأة هبوط المكوك بمركز كينيدي للفضاء التابع لـ’ناسا‘ بعد وقت قصير من هبوطها في الـ12 من نوفمبر (تشرين الثاني) 2022"، مشيراً إلى أن حقوق الصورة تعود إلى قوة الفضاء الأميركية وأن ناشرها هو رقيب في القوات الأميركية.
من الملاحظ أيضاً أن هذا الخبر المهم نشر مع تنويه الناشرين إلى أن مركبة X-37B السرية إلى حد كبير، والمعروفة أيضاً باسم برنامج مركبة الاختبار المداري OTV نفذت مهمتها السابعة، إذ هبطت في قاعدة "فاندنبرغ" الجوية في كاليفورنيا في السابع من مارس (آذار) الماضي، بعد قضاء 434 يوماً في المدار. وواصل الكاتب "أما بالنسبة إلى كيفية إنفاق هذا المليار دولار، وموعد انطلاق مركبة X-37B التالية، فقد تواصل موقع Space.com مع شركة بوينغ، الشركة المصنعة للطائرة الفضائية"، منوهاً بأن الموقع تلقى رسالة "لتغيير مسار الاستفسار" من خلال طلب "بوينغ" من الموقع التواصل مباشرة مع القوات الجوية للتعليق على جدول وموازنة الطائرة.
من اللافت للنظر في هذا الخبر الذي نشرته بعض المواقع العلمية أيضاً، أنه ربط بين هذا البرنامج ومشاريع أخرى بطريقة يشوبها شيء من الغموض، إذ وضع الخبر في سياق معين، مع الإشارة إلى مواضيع عدة توقع الموقع أنها ستنال إعجاب القارئ، ومنها إشارة من خلال صورة شرحها "رجال يرتدون بدلات رسمية يتحدثون إلى الصحافيين حول مكتب خشبي كبير"، مع ترك رابط لموضوع آخر بعنوان "جنرال في قوة الفضاء الأميركية يقود برنامج الدفاع الفضائي القبة الذهبية الذي تبلغ كلفته 175 مليار دولار، الذي أطلقه ترمب"، إضافة إلى إيراد الموقع ذاته رسماً لفنان تخيل رائد فضاء من برنامج "أرتيمس" وهو يخطو على سطح القمر.
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
تشير الروابط والصور الجانبية الكثيرة التي أفصح عنها الموقع إلى أفكار رئيسة عدة تنسج معاً حكاية هذا البرنامج بصورة غير موضحة وغير مباشرة ودقيقة، لكنه قد يكون متعمداً، فالتداخلات التي أعلن عنها الموقع في السياق ذاته لنشر هذا الخبر كثيرة، ولكن أهمها يأتي في سياق أحداث فضائية هائلة ومتسارعة حدثت أخيراً وبصورة متتابعة. ووقع معظمها بعد تولي الرئيس ترمب سدة الحكم مباشرة، مما ضاعف عدم فهم كثير من المتابعين ملابسات هذه الأحداث والبرامج الفضائية ذات الموازنات المالية الضخمة.
فصورة الرجال الذين يرتدون بدلات رسمية ويتحدثون للصحافيين في البيت الأبيض لها دلالات سينمائية أكثر من كونها علمية. وتذكرنا بأفلام عن الفضائيين الذين يظهرون بصورة رجال عاديين متحضرين وأنيقين جداً، على رغم أنهم يخفون عنا معلومات ووقائع في غاية الخطورة.
أما فكرة الجنرال في قوة الفضاء الأميركية الذي يقود برنامج "القبة الذهبية" ففيها إشارة إلى نية ترمب السابقة تعيين جنرال عسكري لرئاسة "ناسا"، التي لم تبصر النور. والإشارة هنا تذهب إلى الجنرال ستيفن كواست الذي لم ينجح ترمب في تعيينه بالمنصب، كذلك فإن الموقع العلمي استلهم واستخدم الرسم الخيالي لرائد فضاء من الزمن القديم لـ"ناسا" قبل خفض موازنتها العلمية إلى النصف تقريباً، مما أدى إلى إيقاف برامج كثيرة للوكالة الحكومية للإشارة إلى فكرة انتهاء برامج استعمار البشر للقمر التي استبدل بها مشروع ترمب لاستعمار المريخ.
تضمن الخبر ذاته روابط عدة لمواضيع جانبية لها علاقة بالقصة حول تمويل "القبة الذهبية"، لكن أهمها هو توقيع ترمب مشروعاً تضمن تخصيص 85 مليون دولار لنقل مكوك الفضاء "ديسكفري" من معهد "سميثسونيان" إلى تكساس، في ما يعد إشارة واضحة إلى وجود كلف مالية كبيرة معلومة، لكنها تكاد تكون المعلومة الوحيدة الدقيقة المعلن عنها صراحة حتى لحظة وقوع الحدث ضمن هذا البرنامج الكبير.
وأجابت نائبة مدير الشؤون العامة لشؤون الفضاء في مكتب الشؤون العامة التابع لوزير القوات الجوية الأميركية في "البنتاغون" العقيد لوري أستراث، حول هذه الأحداث بقولها "يدعم برنامج X-37B التابع لسلاح الجو الأميركي الحد من أخطار التكنولوجيا والتجارب وتطوير المفاهيم التشغيلية للمركبات الفضائية القابلة لإعادة الاستخدام في المستقبل". أضافت العقيد أستراث "يعد برنامج X-37B منصة اختبار فضائية مرنة لإجراء تجارب متنوعة يمكن نقلها إلى الفضاء وإعادتها إلى الأرض، ولا يمكن الإفصاح عن أي معلومات إضافية بخصوص الكلفة والموازنة".
مع إعلان الرئيس الأميركي عن مشروع "القبة الصاروخية الذهبية"، بات من الواضح أن هناك نية غير مبطنة أو مخفية لإطلاق عصر جديد من الأسلحة الفضائية ضمن محاولات حثيثة لإحياء زمن "حرب النجوم"، إذ يعود السؤال الأخلاقي والعلمي حول عسكرة الفضاء إلى الواجهة من جديد، فالصين وروسيا هما أول قوتين عالميتين سعيتا إلى استثمار الفضاء في العمل العسكري، لكن الجانب التقني الذي تقدمت فيه الولايات المتحدة على قوى الفضاء العالمية هو من حسم الصراع لمصلحة مشروع "القبة الذهبية". وتصل الكلفة المادية للقبة الذهبية إلى 175 مليار دولار، ويسمى النظام اختصاراً بـ"درع الدفاع الصاروخية الأميركية".