في حين أنه من السهل الاعتراف بالوتيرة السريعة للتقدم التكنولوجي الصيني، لا يزال هناك تحذير بالغ الأهمية. إن التحدي المتمثل في بناء طائرة ركاب تفوق سرعة الصوت هائل ولم يتم محاولة ذلك من قبل. هناك العديد من العوامل التي تجعل من المستحيل تقريباً تحقيقه
الخبر الذي انتشر هذا الأسبوع حول اختبار شركة صينية لطائرة نموذجية تفوق سرعتها سرعة الصوت يمكنها نقل 70 راكباً عبر المحيط الأطلسي في 90 دقيقة بحلول عام 2027، احتل جميع العناوين الرئيسة في أنحاء العالم، وهو أمر مفهوم.
وتشير الشركة المصنعة في بكين إلى أن الطائرة الجديدة "يونشينغ" ستتمكن من الوصول إلى سرعة 3100 ميل في الساعة، متجاوزةً ضعف سرعة طائرة الكونكورد البريطانية-الفرنسية الشهيرة. وتُثير فكرة قطع المسافة بين لندن وسيدني في أربع ساعات فقط الدهشة والاستغراب، بخاصة وأن الشركة المصنعة Lingkong Tianxing Technology أعلنت أن الطائرة تتميز بالإقلاع والهبوط عمودياً في مشهد يحاكي قصص الخيال العلمي في خمسينيات القرن الماضي.
يجب أن نكون حذرين للغاية من التقليل من شأن التقدم التكنولوجي الصيني. فمن كان يتخيل قبل بضع سنوات فقط رؤية العشرات من السيارات والحافلات الكهربائية الصينية، بمختلف أنواعها وموديلاتها، تجوب شوارع بريطانيا عام 2024 بكفاءة عالية؟
منذ ثلاثين عاماً، اقتصرت معظم المنتجات الاستهلاكية الصينية على كاميرات رخيصة ذات صوت رديء ومراوح زخرفية. قطعت البلاد شوطاً طويلاً منذ ذلك الحين. لكن وعلى رغم ذلك، لا تزال المنتجات الاستهلاكية الصينية الخالصة نادرة حتى اليوم، مقارنة بالابتكارات الغربية واليابانية المتطورة التي تصنع في الصين.
لكن ينبغي وضع أخبار طائرة يونشينغ في سياقها الصحيح، بل في سياق دقيق. سياق، أعتقد أنه يجعل احتمال رؤية الخنازير وهي تطير أقرب من احتمال أن تشهد "يونشينغ" وهي ترتفع عمودياً فوق وسط لندن (الطائرات القادرة على الإقلاع والهبوط عمودياً لا تحتاج إلى مطار)، ثم تهبط في وسط مانهاتن في الوقت الذي يستغرقه مشاهدة ثلاث حلقات من مسلسل "إيست إندرز" البريطاني.
كيف نضع إعلان الصين عن طائرتها فائقة السرعة في سياقه المناسب؟
كانت طائرة الكونكورد أسطورةً في عالم الطيران، فقد كانت نتاج جهود مضنية من البحث والتطوير استمرت 19 عاماً في بريستول وتولوز بدءاً من عام 1957. استغرقت الطائرة ثلاث ساعات لنقل الشخصيات الشهيرة وأباطرة الأعمال عبر المحيط، حيث كانت تصل فعلياً قبل ساعتين من وقت إقلاعها بحسب التوقيت المحلي. كانت ضيقة، لكنها واحدة من أعظم إنجازات هندسة الطيران، إضافة إلى كونها آخر إنجاز بريطاني من هذا النوع.
ومع ذلك، كانت الكونكورد، التي كانت آخر رحلة تجارية لها في عام 2003، في الواقع فاشلة. كانت تبدو بداية لمستقبل جديد، لكن الآن تُعتبر نهاية لرؤية قديمة تعود إلى خمسينيات القرن الماضي لما سيكون عليه المستقبل. كانت تستهلك الكثير من الوقود، وكانت شديدة الضوضاء، كما أن "الانفجار الصوتي" الذي يُرافق تحليقها بسرعة تفوق سرعة الصوت كان يُسبب إزعاجاً شديداً، جعلت من المستحيل تحليقها فوق الأرض في معظم أنحاء العالم.
تم إيقاف أسطول الكونكورد الصغير، المكوّن من 14 طائرة فقط - نصفها مع الخطوط الجوية البريطانية والنصف الآخر مع "إير فرانس" - عن العمل لمدة عام بعد حادث التحطم الذي وقع في باريس عام 2000. ثم تم الإعلان عن إيقاف مشروع الكونكورد رسمياً في عام 2003، بعد هبوط آخر رحلة تجارية. كانت الطائرات قديمة وبالية، ولم يكن هناك أي طائرة أسرع من الصوت في طور التطوير في ذلك الوقت.
علاوةً على ذلك، فقد الناس شغفهم بالسفر بسرعة تفوق الصوت، وأصبحت الطائرات الأسرع من الصوت مُضرّة بالبيئة ولا تناسب عصرنا الراهن. في المقابل، أصبحت الطائرات الخاصة الفاخرة التي لا تصدر ضوضاء الخيار الأكثر تطوراً في القرن الواحد والعشرين.
وحتى الإنترنت كان له دور في القضاء على الطائرات الأسرع من الصوت. ففي عام 1976، عندما قامت الكونكورد بأول رحلة لها، كانت هناك أوقات يمكن فيها للمسؤولين المهمين الذين لديهم اجتماعات هامة ومستندات يجب توقيعها أن يبرروا الحاجة لعبور الأطلسي بسرعة أكبر من قطار لندن إلى غلاسكو.
لكن مع حلول عام 2003، قوضت ثورة الإنترنت الحاجة إلى السفر فائق السرعة، ليتحول مشروع الكونكورد إلى وسيلة نقل فاخرة للنخبة والمشاهير، من أمثال جوان كولينز وديفيد فروست والأميرة ديانا، بين ضفتي الأطلسي لحضور حفلات الغداء.
حقيقة أن الطيران الأسرع من الصوت يعتبر الآن قديماً ليس السبب الرئيسي الذي يجعلنا بحاجة إلى النظر في السياق الكامل عند مناقشة طائرة "يونشينغ" الأسرع من الصوت الجديدة.
في حين أنه من السهل الاعتراف بالوتيرة السريعة للتقدم التكنولوجي الصيني، لا يزال هناك تحذير بالغ الأهمية. إن التحدي المتمثل في بناء طائرة ركاب تفوق سرعة الصوت هائل ولم يتم محاولة ذلك من قبل. هناك العديد من العوامل التي تجعل من المستحيل تقريباً تحقيقه.
فميزة الإقلاع العمودي ليست سوى جانب واحد من العديد من الجوانب التي تدفع العديد من العاملين في صناعة الطيران إلى النظر إلى المشروع بأكمله على أنه خدعة، تم إنشاؤها لجذب المستثمرين من دون تقديم الكثير بعد ذلك.
وللصين سجل متواضع في قطاع الطيران التجاري، إذ لم تنجح في إنتاج سوى طائرتين بمعايير بوينغ وإيرباص. أولاهما "كوماك سي119" التي أجرت أولى رحلاتها العام الماضي، ولم تحصل على ترخيص للعمل خارج الصين، بل إن عدد رحلاتها داخل الصين نفسها محدود، على رغم أن البلاد لديها عدد من الرحلات الداخلية يقارب عدد الرحلات في الولايات المتحدة، ومعظمها بطائرات بوينغ وإيرباص.
أما طائرة "أي آر جيه 21" التي تنتجها شركة كوماك، فلم تنجح في اختراق الأسواق العالمية، واقتصر وجودها خارج الصين على عدد محدود اشترته شركات طيران في إندونيسيا والكونغو. والمفارقة أن بعض الصينيين أنفسهم يتحفظون ركوب الطائرات المصممة محلياً لدواعٍ تتعلق بالسلامة، على رغم أن معظم مكوناتها الحيوية، وبخاصة المحركات، مستوردة من الغرب. ومع ذلك، تحافظ شركات الطيران الصينية على سجل قوي في مجال السلامة.
ولكن قلة الخبرة النسبية للصين في تصنيع الطائرات ليست مجرد شائعة. ففي وقت سابق من هذا العام، تساءلت مقالة في مجلة الجمعية الملكية للطيران عن قدرة الصين على كسر احتكار بوينغ/ إيرباص. وكانت الإجابة سلبية إلى حد كبير.
فقد علق أحد الخبراء، وهو مستشار كبير في مجال الأعمال والاقتصاد الصيني في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية في واشنطن، قائلاً: "أعتقد أن آفاق كلتا الطائرتين [الصينيتين] قاتمة نسبياً، وبخاصة طائرة "إيه آر جيه 21". فقد استغرقت كلتا الطائرتين وقتاً طويلاً لدخول السوق، وتواجهان منافسين يتمتعون بسجلات سلامة قوية وعملاء مخلصين".
من السهل إذاً أن نرى لماذا يبدو احتمال إنتاج طائرة ركاب صينية تفوق سرعتها سرعة الصوت بحلول عام 2027 بعيد المنال بعض الشيء. فحتى الطائرات التقليدية تستغرق سنوات عديدة حتى تتطور. أتذكر أنني عملت في القنصلية البريطانية في شنغهاي، حيث كانت هناك في عام 2010 ضجة كبيرة حول طائرة نفاثة صينية عريضة البدن، كوماك سي 929، والتي كان من المقرر أن تنافس طائرات بوينغ 747 و777 وكيف ستهز عرش صناعة الطيران الغربية. ومع ذلك، وفق3لمقال حديث من الجمعية الملكية للملاحة الجوية، فإن سي 929 لا تزال "على بعد بضع سنوات".
للمقارنة، دعونا نفكر في طائرتين أخريين للركاب عاليتي السرعة من عصر ما بعد كونكورد: طائرة فيرجن جالاكتيك "في أس أس يونيتي" التي تبلغ سرعتها 2300 ميل في الساعة و "بووم أوفرتشر"، وهي طائرة نفاثة مستوحاة من كونكورد قيد التطوير في كولورادو.
ومنذ أن كشف السير ريتشارد برانسون النقاب عن مشروع "فيرجن" في 2004، ورغم نجاحه في تنفيذ عدة رحلات تجريبية حملت أكثر من 60 شخصاً، لا يزال المشروع قيد التطوير، مع تحديد عام 2026 موعداً لإطلاق الخدمة المنتظمة.
أما شركة "بووم" التي تأسست في 2014، فلا تتوقع إطلاق طائرتها "أوفرتشر" للخدمة التجارية قبل 2029، رغم قدرتها على نقل 90 راكباً بسرعة 1100 ميل في الساعة، وعلى رغم حصولها مسبقاً على طلبات شراء من شركات طيران عملاقة مثل فيرجن والخطوط اليابانية ويونايتد وأميركان إيرلاينز.
فهل ستتحول الطائرة الصينية الأسرع من الصوت إلى واقع؟
احسبها بنفسك، فالأرقام لا تكذب.
© The Independent