تستهلك أجهزة الكمبيوتر العملاقة الأكثر تطوراً في العالم اليوم كميات هائلة من الطاقة، وتشغل منشآت كاملة، وتتطلب تبريداً وصيانة مستمران. على سبيل المثال، يحقق حاسوب "فرونتير" العملاق في الولايات المتحدة أداء يتجاوز 1 إكسافلوب (أي إنه قادر على إجراء مليار عملية حسابية كل ثانية)، ولكنه يتطلب أكثر من 260 طناً من الأجهزة موزعة على عشرات الخزائن. في المقابل، يجري الدماغ البشري عمليات متقاربة تقريباً باستخدام 20 واط فحسب من الطاقة.

في وقت يراقب فيه باحثو الذكاء الاصطناعي البارزون حدود المرحلة الحالية من هذه التقنية، يكتسب نهج استخدام خلايا الدماغ البشرية الحية كأجهزة حاسوبية، أي صناعة أجهزة حاسوبية من خلايا دماغ بشرية حية بدلاً من السيليكون التقليدي، اهتماماً متزايداً.

لا تزال هذه "الحواسيب الحيوية" في مراحلها الأولى، ويمكنها لعب ألعاب بسيطة مثل "بونغ"، ​​وإجراء عمليات التعرف على الكلام الأساسية. ويستخدم الحاسوب الحيوي مواد مشتقة بيولوجياً، مثل الحمض النووي (DNA) أو البروتينات أو الأنسجة الحية (مثل الخلايا العصبية المزروعة في المختبر)، لأداء مهام حاسوبية.

وتتضمن العملية تنمية الخلايا العصبية، وتطويرها إلى مجموعات صغيرة تسمى العضويات، من ثم توصيل هذه المجموعات بأقطاب كهربائية لاستخدامها كأجهزة حاسوب صغيرة. ومن المثير للاهتمام أن هذه الحواسيب الحيوية تستهلك طاقة أقل بكثير من الحواسيب التقليدية.

ما هذه التقنية؟

على مدار ما يقارب من 50 عاماً، دأب علماء الأعصاب على تنمية الخلايا العصبية على صفائف من الأقطاب الكهربائية الدقيقة لدراسة كيفية إطلاقها في ظل ظروف متحكم بها. بحلول أوائل القرن الـ21، حاول الباحثون تحقيق اتصال ثنائي الاتجاه بدائي بين الخلايا العصبية والأقطاب الكهربائية، ممهدين بذلك الطريق نحو حاسوب هجين حيوي. لكن التقدم توقف حتى انطلق مجال بحثي آخر ألا وهو "عضيات الدماغ".

في عام 2013، أثبت العلماء أن الخلايا الجذعية قادرة على تنظيم نفسها ذاتياً في هياكل ثلاثية الأبعاد تشبه الدماغ. انتشرت هذه العضيات بسرعة من خلال البحوث الطبية الحيوية، مدعومة بصورة متزايدة بأجهزة مصممة لمحاكاة جوانب فيزيولوجية الإنسان خارج الجسم.

ويعد استخدام الأنسجة العصبية المشتقة من الخلايا الجذعية اليوم أمراً شائعاً من اختبارات الأدوية إلى بحوث النمو البشري. ومع ذلك لا يزال النشاط العصبي في هذه النماذج بدائياً، بعيداً كل البعد من أنماط الإطلاق المنظمة التي تشكل أساس الإدراك أو الوعي في الدماغ الحقيقي.

دخل هذا المجال مرحلة جديدة عام 2022، عندما نشرت مختبرات "كورتيكال لابز" الأسترالية دراسة بارزة تظهر خلايا عصبية مزروعة تتعلم لعب "البونغ" في نظام حلقة مغلقة. وجذبت الدراسة حينها اهتماماً إعلامياً مكثفاً ليس بسبب التجربة نفسها بقدر ما كان لاستخدامها عبارة "الشعور المجسد".

بعدها بعام، طرحت مجموعة من العلماء مصطلحاً أوسع نطاقاً وهو "الذكاء العضوي"، ويعد هذا المصطلح جذاباً وسهل الاستخدام إعلامياً، ولكنه يخاطر بالإشارة إلى التكافؤ مع أنظمة الذكاء الاصطناعي، على رغم من الفجوة الشاسعة بينهما.

يدور محور هذه التقنية حول تحول جذري في كيفية هندسة الذكاء الاصطناعي، فبدلاً من محاولة محاكاة الدماغ البشري بشبكات عصبية متزايدة الحجم تعمل على أجهزة تقليدية، تبدأ الحوسبة الحيوية بالمادة البيولوجية. والنتيجة هي نظام قد يكون أكثر كفاءة في استخدام الطاقة من نماذج الذكاء الاصطناعي الرائدة اليوم، التي تتطلب موارد وبنية تحتية حاسوبية هائلة.

وللتوضيح، تستهلك أجهزة الكمبيوتر العملاق الأكثر تطوراً في العالم اليوم كميات هائلة من الطاقة، وتشغل منشآت كاملة، وتتطلب تبريداً وصيانة مستمران. على سبيل المثال، يحقق حاسوب "فرونتير" العملاق في الولايات المتحدة أداء يتجاوز 1 إكسافلوب (أي إنه قادر على إجراء مليار عملية حسابية كل ثانية)، ولكنه يتطلب أكثر من 260 طناً من الأجهزة موزعة على عشرات الخزائن. في المقابل، يجري الدماغ البشري عمليات متقاربة تقريباً باستخدام 20 واط فحسب من الطاقة.

وبذلك تهدف الحواسيب الحيوية إلى مضاهاة هذا المستوى من الأداء مع تجنب الكلف البيئية لمراكز البيانات. ونظراً إلى أن الخلايا العصبية تؤدي بصورة طبيعية مهام المعالجة المتوازية التي تتطلبها أنظمة الذكاء الاصطناعي، فإنها يمكن أن تكون أكثر كفاءة وقابلية للتطوير، وربما أكثر قدرة في المهام التي تتضمن التعرف على الأنماط أو التكيف أو التعلم.

وتتميز الحواسيب الحيوية أيضاً بوظيفتها المحتملة، فالحواسيب التقليدية محدودة ببنيتها الصلبة واستهلاكها العالي للطاقة، أما الحواسيب الحيوية، فتقدم أنظمة ديناميكية قد تستمر في التطور أثناء عملها، مما يعيد تشكيل كيفية أداء المهام من دون الحاجة إلى إعادة كتابة البرامج.

في هذه المرحلة، لا تزال هذه الآلات محصورة في المختبرات وقدراتها متواضعة وحجمها بعيد كل البعد من تعقيد أدمغة الحيوانات البسيطة. ومع ذلك فإن وجودها في حد ذاته يمثل نقلة نوعية في كيفية بناء الذكاء، فهو لا يبدأ الأمر بالبرمجة، بل بالخلايا الحية.

وفي حين أن الحواسيب الحيوية لا تزال تجريبية، إلا أن تطبيقاتها تمتد بالفعل إلى ما هو أبعد من البحوث الأساسية، إذ تستخدم المؤسسات الأكاديمية أنظمة قائمة على الخلايا العصبية لاستكشاف الخصائص الأساسية للتعلم والتواصل والنمذجة العصبية، وتبحث بعض المختبرات في كيفية معالجة الشبكات الحية للمدخلات الحسية، وترميز السلوكيات الشبيهة بالذاكرة، أو تفاعلها مع التغيرات في بيئتها.

تبدأ العملية بخلايا جلد أو دم بشرية بالغة، تعاد برمجتها إلى حالة متعددة القدرات، من ثم توجه هذه الخلايا لتصبح خلايا عصبية وظيفية، من خلال سلسلة خطوات الحضانة وبروتوكولات تنشيط الجينات. بمجرد نضجها، توضع على شرائح مصفوفة متعددة الأقطاب الكهربائية، وهي أجهزة تمكن الباحثين من إرسال إشارات إلى البيئة العصبية وتلقي استجابات كهربائية في المقابل.

بعد ذلك تبدأ الخلايا العصبية بتكوين روابط، والاستجابة للمحفزات، وتطوير نشاط تلقائي. بمرور الوقت، يمكن تشكيل هذه الشبكات من خلال التغذية الراجعة، وهي عملية تعكس جوانب معينة من التعلم الآلي. في إحدى التجارب المبكرة التي أجرتها شركة "كورتيكال لابز"، دربت شبكة عصبية على لعبة فيديو بسيطة من خلال تلقي أنواع مختلفة من الإشارات الكهربائية بناء على النجاح أو الفشل. وكلما كانت ردود الفعل أكثر قابلية للتنبؤ، زادت فعالية تكيف الخلايا العصبية.

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

تتسابق الشركات والمجموعات الأكاديمية في الولايات المتحدة وسويسرا والصين وأستراليا لبناء منصات حوسبة هجينة بيولوجياً حالياً، فمثلاً تتيح منصة "فاينال سبارك" السويسرية وصولاً افتراضياً إلى عضويات الدماغ، وهي مجموعات ثلاثية الأبعاد من الخلايا العصبية البشرية المشتقة من خلايا بالغة معاد برمجتها. تزرع هذه العضويات في مختبرات متخصصة، ويمكن تحفيزها ومراقبتها من بعد من خلال واجهة متحكم بها. وتستخدم المنصة راهناً من قبل عديد من الجامعات وفرق البحث، بهدف معلن هو استكشاف كيفية تدريب الشبكات العضوية على غرار الشبكات الاصطناعية.

في الوقت نفسه تتزايد الطموحات الأكاديمية المرتبطة بهذا التطور العلمي، فقد اقترح فريق من "جامعة كاليفورنيا" الأميركية استخدام أنظمة قائمة على العضيات للتنبؤ بمسارات تسرب النفط في الأمازون بحلول عام 2028.

ولجعل هذا المجال أكثر سهولة، تجري بعض المجموعات العلمية تجارب عامة، وعلى رغم من محدودية تفاعلية هذه المشاريع، فإنها تعكس هدفاً أوسع يتمثل في إخراج الحوسبة الحيوية من عباءة البحوث المتخصصة إلى حوار علمي أوسع.

وبينما لا تزال الحواسيب الحيوية غير جاهزة بعد لاستبدال الأجهزة الشخصية أو تولي مهام الحوسبة العامة، خصوصاً أن عمرها الافتراضي واستقرارها وحجمها لا تزال محدودة، وتتطلب إشرافاً مكثفاً وعناية متخصصة، يذكر كثير من العلماء أن أشباه الموصلات الأولى كانت غير موثوقة وضخمة وغير مفهومة، ولم يكن أحد ليتوقع أنها ستشغل الأقمار الاصطناعية والهواتف الذكية والاقتصادات الرقمية في غضون بضعة عقود. لذا فإن الحوسبة الحيوية، التي لا تزال في بداياتها، قد تتبع مساراً مشابهاً بالقدر نفسه.

إلى ذلك تثير هذه التقنية أيضاً تساؤلات أخلاقية، فبينما لا تظهر الأعضاء العضوية اليوم التعقيد أو الوعي المرتبط بالكائنات الواعية، يتساءل بعض الباحثين وعلماء الأخلاق عن كيفية استعداد المجتمع للتطورات المستقبلية، لا سيما أنه مع ازدياد تطور الخلايا العصبية واحتمالية استقلاليتها في استجاباتها، سيحتاج هذا المجال إلى فهم تعريفات الإدراك والوعي والحدود الأخلاقية.

حتى الآن، لا يوجد ما يشير إلى أن هذه الأنظمة تقترب من أي شيء يشبه الوعي. فالنشاط العصبي الملاحظ في المختبرات لا يزال محدوداً، وحتى أكثر الشبكات استجابة لا تزال أبسط بكثير من دماغ الفأر.

جيل جديد من الحواسيب يعتمد على خلايا دماغ بشرية حقيقية
جيل جديد من الحواسيب يعتمد على خلايا دماغ بشرية حقيقية
جيل جديد من الحواسيب يعتمد على خلايا دماغ بشرية حقيقية
جيل جديد من الحواسيب يعتمد على خلايا دماغ بشرية حقيقية
جيل جديد من الحواسيب يعتمد على خلايا دماغ بشرية حقيقية
جيل جديد من الحواسيب يعتمد على خلايا دماغ بشرية حقيقية
جيل جديد من الحواسيب يعتمد على خلايا دماغ بشرية حقيقية
جيل جديد من الحواسيب يعتمد على خلايا دماغ بشرية حقيقية
جيل جديد من الحواسيب يعتمد على خلايا دماغ بشرية حقيقية
جيل جديد من الحواسيب يعتمد على خلايا دماغ بشرية حقيقية
جيل جديد من الحواسيب يعتمد على خلايا دماغ بشرية حقيقية
جيل جديد من الحواسيب يعتمد على خلايا دماغ بشرية حقيقية
جيل جديد من الحواسيب يعتمد على خلايا دماغ بشرية حقيقية
جيل جديد من الحواسيب يعتمد على خلايا دماغ بشرية حقيقية
جيل جديد من الحواسيب يعتمد على خلايا دماغ بشرية حقيقية
أعلن في شمرا