منذ اكتشافها قبل عقود طويلة من الزمن، استطاعت اللقاحات الطبية التي تعطى للبشر أن تقضي على أمراض كثيرة في معظم دول العالم، لكن تراجعاً سجل في معدلات التلقيح لأسباب عدة في السنوات الأخيرة على رغم أهميتها القصوى.

منذ اكتشافها، لعبت اللقاحات الطبية التي تعطى للبشر دوراً جوهرياً في مواجهة عدد من الأمراض المعدية التي شكلت خطورة على الإنسان وتسببت بملايين الوفيات سابقاً، فبفضل قدرتها على تحفيز جهاز المناعة وتوفير الوقاية من الأمراض، سمحت بالسيطرة على قسم كبير من الأمراض، وكان من الممكن حتى القضاء على قسم آخر بصورة تامة في العالم.

ويخصص شهر أغسطس (أب) من كل عام للتوعية حول أهمية اللقاحات ودورها في مكافحة عشرات الأمراض لاسيما تلك المعدية منها، ويركز على التوعية بلقاحات الأطفال، والمراهقين، والبالغين، وكبار السن، كما يستهدف التهيئة للعودة إلى المدارس وتحديث اللقاحات الروتينية.

في المقابل ترتبط فاعلية هذه اللقاحات في مواجهة الأمراض والقضاء عليها بصورة تامة، إلى حد بعيد بالتلقيح الجماعي على مستوى الشعوب، أما بغير ذلك فيبقى المجال مفتوحاً ليعود ظهورها في أي وقت من الأوقات، وفي ظروف معينة.

لذلك بعد أن كان من الممكن السيطرة على أمراض عديدة، ظهرت مخاوف من عودتها مع تراجع معدلات التلقليح على مستوى العالم، بخاصة في مواجهة أمراض كالحصبة والتيتانوس وشلل الأطفال والسل، إذ شهد العالم تراجعاً ملاحظاً في مستويات تلقيح الأطفال بصورة خاصة، مما يعرض حياة الملايين للخطر ويثير مخاوف الهيئات الصحية.

pexels-cdc-library-3992931.jpg

حتى اليوم، تعتبر اللقاحات من أهم الإنجازات الصحية التي جرى التوصل إليها في تاريخ البشرية. وقد أبصرت النور بعد جهود كبرى بذلها علماء وأطباء عبر التاريخ ومنذ مئات السنين، فسمحت بمواجهة أوبئة وأمراض خطرة كانت تحصد ملايين الأرواح ومنها الكوليرا والطاعون والحصبة، ومع اعتمادها من الأطباء، بات من الممكن الحد من أعداد الوفيات بمعدلات كبرى.

يعود الفضل في اكتشاف أول اللقاحات للطبيب الانجليزي "إدوارد جينر" الذي عرف بـ"أب المناعة"، لأنه كان أول من اكتشف لقاحاً ضد مرض الجدري في عام 1796، فاستطاع بفضله أن ينقذ حياة كثيرين، وفي وقت سابق قضى هذا المرض بمفرده على ما نسبته 10 في المئة من سكان بلده، وفق تقارير طبية وتاريخية.

ومع توسع تطور عمليات التلقيح وتطورها على مستوى العالم، جرت السيطرة على مرض الجدري تدريجاً إلى أن أعلن القضاء عليه بصورة تامة في عام 1979.

لاحقاً وفي العقود التي تلت، جرى العمل على اكتشاف لقاحات عدة في العالم باتت تنقذ ملايين الأشخاص سنوياً، ومن ضمنها لقاح الحصبة الذي طرح في عام 1963، وبعد نحو 10 سنوات كانت معدلات الحصبة تراجعت إلى النصف، بفضل عمليات التلقيح.

حول أهمية اللقاحات ودورها في مكافحة انتشار الأمراض الخطرة، تقول طبيبة العائلة في مركز بلفو الطبي الدكتورة جوال خليفة إن اللقاحات الطبية أثبتت بالفعل عبر التاريخ قدرة هائلة على إنقاذ الأرواح عبر السيطرة على الأمراض، وقضت بصورة تامة على مرض الجدري بفضل حملات التلقيح الواسعة، فكان هذا الدليل الأبرز والأول على أهمية اللقاح للعالم أجمع.

أما بالنسبة إلى بقية الأمراض فكان من الممكن السيطرة عليها بمعدلات كبرى تتخطى 99 في المئة، لكنها بقيت موجودة في مناطق محدودة في العالم، بسبب تراجع عمليات التلقيح أو عدم اعتمادها ضمن مجتمعات معينة، مما يعني حكماً عدم القضاء عليها بصورة تامة، وإن كانت معظم الدول في العالم فعلت.

وتضيف "بصورة عامة، يمكن القول إن العالم أصبح على طريق القضاء التام على أمراض عدة بفضل اللقاحات، ومنها شلل الأطفال والخانوق والحصبة والكزاز والحميراء وأبو كعب، وغيرها من الفيروسات والبكتيريا"، لكن ما دام أنه ثمة حالات لا تزال موجودة في العالم ولو محدودة، يبقى من الممكن أن يعاود المرض الظهور أو الانتشار بسبب السفر وقابلية الانتقال من بلد إلى آخر، وما دام أن التلقيح لا يجري بمعدلات كافية في كل زاوية من العالم.

وتتابع "بهدف القضاء التام على هذه الأمراض، لا بد من وصول اللقاح إلى كل دولة في العالم وإلى كل إنسان، وهذا ما لم يتحقق بعد لأسباب عدة، منها قلة الإمكانات المادية في دول معينة، وأيضاً رفض اللقاح في ثقافات معينة، وتؤكد أنه في بعض الدول، لا يزال هناك رفض لمبدأ التلقيح، ما لا يساعد في القضاء على هذه الأمراض التي تهدد كثيرين. فكثر يتخوفون من هذه الخطوة الطبية بسبب أفكار خاطئة منتشرة، حتى وإن كانت تنقذ البشرية من أمراض تهدد حياة الملايين.

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

قد يكون لتخوف من لقاح محدد مثل لقاح فيروس كورونا، الذي انتشر قبل خمس سنوات، مبرراً لأنه ظهر سريعاً، مما أثار الارتياب حوله، إنما لا يمكن تفهم الخوف من لقاحات متوافرة منذ أكثر من 40 سنة، وأجريت عليها دراسات وتجارب كبرى طوال سنوات، ولم تظهر لها أية مضاعفات خطرة بعد تلقيح الملايين بها، بل بالعكس، أنقذت بالفعل الأرواح من أمراض خطرة، وحازت على موافقة الهيئات الصحية الرسمية. وتكشف طبيبة العائلة عن أن الامتناع عن تلقي اللقاحات لا يسبب الأذى للفرد حصراً، إنما للمجتمع والمحيط عامة، لذلك تلجأ بعض الدول إلى وسائل ضغط لنشر التحصين على نطاق أوسع. 

مثلاً حتى اليوم لا تزال أفغانستان وباكستان الدولتين الوحيدتين اللتين لا يزال شلل الأطفال منتشراً فيهما. وعلى رغم حملات التطعيم في البلدين كانت هناك نظريات وفتاوى روَّج لها رجال دين متشددون في مناطق معينة تؤكد أن اللقاحات تسبب العقم أو أنها تحوي موادَّ من لحم الخنزير، مما شكل عائقاً مباشراً أمام حملات التلقيح التي تسعى إلى وقف انتشار فيروس شلل الأطفال بصورة تامة.

ومن بين المعتقدات السلبية تلك التي تبنى على أفكار خاطئة وغير مثبتة علمياً، أو بسبب انعدام الثقة بمقدمي الرعاية، وانتشار المعلومات المضللة، ومنها ما يشير مثلاً إلى وجود مكونات خطرة في اللقاح. وحتى يذهب البعض إلى حد نظرية المؤامرة، قائلين إن خلف هذه اللقاحات جهات غير معروفة ولديها أهداف مشبوهة وراء تلقيح ملايين البشر حول العالم.

انتشرت أيضاً في العقود الماضية أخبار متداولة ربطت بين لقاحات الحصبة والنكاف والحصبة الألمانية والإصابة بالتوحد، مما أثر سلباً أيضاً في معدلات التلقيح وأسهم في ارتفاع معدلات الحصبة في دول عديدة في العالم، لكن بعد هذه الأخبار التي تم الترويج لها، ثبت علمياً أن اللقاحات لا تسبب ظهور طيف التوحد، كما سحبت الدراسة الطبية القديمة التي أشارت إلى ذلك من السجل العلمي في كثير من الدول، بعدما تأكد عدم صحة مضمونها.

يبدو نشر الوعي حلاً أساسياً لمواجهة هذا الرفض للقاحات، الذي لا يزال موجوداً في بعض المجتمعات، وعلى رغم أهميته إلا أنه لا يكفي أحياناً لنشر التلقيح على نطاق أوسع بوجود عوامل عدة تعوق ذلك. 

في ظل جائحة "كوفيد 19" الأخيرة، حصل تراجع ملاحظ في معدلات التقليح على مستوى العالم، سواء بسبب الظروف التي لم تسمح بتلقي اللقاحات واللجوء إلى الخدمات الطبية المعتادة عموماً مع انتشار الفيروس، أو بسبب الأفكار الشائعة التي انتشرت حول لقاح كورونا، ومن بعده عن اللقاحات عامة، وما كان هناك من مغالطات آنذاك.

لذلك سجلت أعلى نسبة تراجع متواصل في معدلات التلقيح في تلك الفترة، إذ وجد الناس أنفسهم مرغمين على الاستمرار بمواجهة مرض قتل أشخاصاً أكثر مما فعلت الحرب العالمية، أو إجراء اللقاح الذي ظهر سريعاً أياً كانت النتائج من وراء ذلك، وهذا ما زاد من المخاوف منه.

pexels-tara-winstead-7723388.jpg

وفي لبنان بصورة خاصة، إضافة إلى انتشار كورونا، شكلت الأزمة الاقتصادية، التي بدأت عام 2019 ولا تزال حتى اليوم، عائقاً إضافياً في مواجهة حملات التلقيح، فتذكر خليفة أنه حصل انقطاع في اللقاحات كما في الأدوية. كما أن الضائقة المالية أدت إلى تراجع مستويات التلقيح بمعدلات كبرى في البلاد، لذلك كان هناك تخوف من عودة انتشار أمراض جرت السيطرة عليها منذ عشرات السنوات مثل شلل الأطفال، ناهيك بتحدي النزوح السوري الذي زاد المخاوف من عودة هذا المرض بالتحديد.

فيما كانت الدولة اللبنانية وتحديداً السلطات الصحية أعلنت القضاء تماماً على مرض شلل الأطفال عام 2002، حين بلوغ مرحلة "صفر حالة" منذ تلك السنة.

فيما بالنسبة إلى الحصبة، فقد سجل ارتفاع في معدلاتها خلال السنوات الماضية من جديد في العالم وفي لبنان، مما استدعى تكثيف حملات التلقيح المجانية أيضاً، خصوصاً في مناطق معينة ريفية بطبيعتها.

تجدر الإشارة إلى وجود ثلاثة أنواع أساسية من اللقاحات: أولها اللقاح الذي يحتوي على فيروس غير نشط، والثاني يضم اللقاحات التي تحتوي على فيروس حي مخفف لتحفيز جهاز المناعة وتوفير الحصانة ضد الفيروس. إلا أن هذا النوع لا يعطى للأشخاص الذين يعانون مشكلات في المناعة أو ضعفاً فيها، لأنهم قد يصابون بالمرض بسببه.

أما النوع الثالث من اللقاحات فهو ذاك الذي يحتوي على جزء من الفيروس أو البكتيريا، أياً كان النوع المعتمد، تؤكد خليفة أن اللقاحات عامة أثبتت فاعلية عالية وسمحت بمواجهة أمراض كثيرة والسيطرة عليها مع استثناءات قليلة في الدول الرافضة، أو التي لا تقام فيها حملات التلقيح، أو أن اللقاحات لا تتوافر فيها أصلاً.

لقاحات تنقذ حياة ملايين والخوف منها غير مبرر
لقاحات تنقذ حياة ملايين والخوف منها غير مبرر
لقاحات تنقذ حياة ملايين والخوف منها غير مبرر
لقاحات تنقذ حياة ملايين والخوف منها غير مبرر
لقاحات تنقذ حياة ملايين والخوف منها غير مبرر
لقاحات تنقذ حياة ملايين والخوف منها غير مبرر
لقاحات تنقذ حياة ملايين والخوف منها غير مبرر
لقاحات تنقذ حياة ملايين والخوف منها غير مبرر
لقاحات تنقذ حياة ملايين والخوف منها غير مبرر
لقاحات تنقذ حياة ملايين والخوف منها غير مبرر
لقاحات تنقذ حياة ملايين والخوف منها غير مبرر
لقاحات تنقذ حياة ملايين والخوف منها غير مبرر
لقاحات تنقذ حياة ملايين والخوف منها غير مبرر
لقاحات تنقذ حياة ملايين والخوف منها غير مبرر
لقاحات تنقذ حياة ملايين والخوف منها غير مبرر
أعلن في شمرا