عن عمر ناهز 77 سنة رحل الفنان المصري لطفي لبيب بعد رحلة مضنية مع المرض، وسط حزن ومحبة كبيرة من جمهور عريض.
على رغم بسالة وبشاشة الفنان المصري لطفي لبيب وتقبله المرض منذ أعوام طويلة، لكنه عانى الأعراض الشديدة التي أثرت في حالته الصحية وحرمته من نشاطه الفني الذي كان يعده أجمل ما يعيش من أجله، إذ تعرض لجلطة شديدة بالمخ أثرت في جانبه الأيسر، ولكنه عدَّ الأمر معركة لا بد أن ينتصر بها، وبالفعل واصل جهاده ضد الجلطة وثقل الحركة وشارك في بعض الأعمال الفنية أخيراً، كان آخرها فيلم بعنوان "أنا وابن خالتي".
ومنذ أسابيع قليلة وبالتحديد خلال يوليو (تموز) الجاري تدهورت حالته الصحية بسبب وجود التهاب رئوي حاد، واضطر الأطباء لاحتجازه تحت العناية الفائقة، ثم تحسنت الحالة قليلاً وعادت لتدهور مفاجئ بعدما أصيب بنزف في الحنجرة، تضاعف بسبب إصراره على الحديث والرد على المقربين منه على رغم تحذير الأطباء.
ولفظ لبيب أنفاسه الأخيرة صباح اليوم، تاركاً حزناً كبيراً بين محبيه وجمهوره الكبير، ونعاه نقيب الممثلين أشرف زكي ورئيس مهرجان القاهرة السينمائي الفنان حسين فهمي، وكذلك الأب بطرس دانيال مدير المركز الكاثوليكي المصري للسينما، قائلاً ضمن منشور له على "فيسبوك"، "فقد العالم أجمع والوسط الفني بصفة خاصة جوهرة خالدة بعد صراع مع المرض، الفنان لطفي لبيب الذي ظل مبتسماً لآخر لحظة في حياته".
وذكرت مصادر مقربة أن لبيب لم يكن حتى اللحظات الأخيرة خائفاً من الموت، بل كان مبتسماً وسعيداً ويقول لزوجته "أهلاً وسهلاً بالموت، فقد رزقنا الله المال والأولاد وراحة البال ولم يحرمنا من شيء والموت علينا حق".
ونعى لطفي معظم النجوم الذين عملوا معهم أو تتلمذوا على يديه مثل كريم عبدالعزيز وأحمد السقا ومحمد هنيدي ومحمد سعد وأحمد حلمي وأحمد فهمي، وإدوارد ومحمد إمام وتامر حسني وغيرهم من النجوم والنجمات وصناع الفن.
ولد لطفي لبيب عام 1947 وحصل على ليسانس الآداب في جامعة الإسكندرية، وبعدها التحق بالمعهد العالي للفنون المسرحية وكان من زملائه بالدفعة نبيل الحلفاوي وهادي الجيار وشعبان حسين.
لم يكن لطفي لبيب ممثلاً عادياً، فهو أحد جنود حرب أكتوبر المجيدة عام 1973. وتأخرت مسيرته الفنية في البزوغ نحو 10 أعوام، إذ سافر لمدة أربعة أعوام عقب تخرجه من معهد الفنون المسرحية وخدم بالجيش المصري ستة أعوام كاملة.
وعلى رغم وجود الخلفية العسكرية والرحلة المختلفة والمؤثرة التي قد تغير مسارات بعض، لم تتأثر موهبته الفنية نهائياً بل بالعكس تمتع بحس كوميدي فريد، مثقل بخبرة وحائط من الثقة بفعل تجارب الحياة المختلفة.
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ولعل تجربة لطفي لبيب الإنسانية جعلته مختلفاً بعض الشيء فقد ولد داخل مدينة دمياط الساحلية، وبحكم نشأته كان قريباً من البسطاء ورواد المقاهي والحارات والأماكن الشعبية، واحترف التقاط أبرز الصفات واللمحات الطريفة والإنسانية، وكذلك العبارات والجمل التي تنبض بها الطبيعة المصرية الأصيلة، لذلك جاءت شخصيته الفنية ومفرداته وطريقة أدائه مفعمة بالصدق ومثَّل البصمة التي لا تتشابه مع أحد، ففرض نفسه بأداء فريد على مئات الأعمال الفنية التي شارك ضمنها بنجاح كبير.
جمعت لطفي لبيب والفنان عادل إمام كيمياء خاصة في العمل، فشاركا معاً ضمن مجموعة من أهم الأفلام في تاريخ السينما المصرية منها "النوم في العسل" و"مرجان أحمد مرجان" و"بوبوس" و"زهايمر".
ولكن كان فيلم "السفارة في العمارة" أكثر الأعمال التي شهدت نجاحاً كبيراً لجرأة الدور الذي جسده لبيب وأقنعه به عادل إمام وهو دور السفير الإسرائيلي، وعلى رغم موقف لبيب ضد الدور لكنه وافق لتقديم رسالة مهمة بصورة فنية.
كان لبيب حريصاً على مساندة النجوم الشباب في أعمالهم، فتميز بدور الأب الكوميدي أو الصديق الذي ينتمي لشريحة عمرية أكبر ضمن معظم الأفلام التي قام بالمشاركة فيها في موجة السينما الكوميدية التي بدأت منذ التسعينيات.
شارك ضمن أكثر من 100 فيلم سينمائي مع نجوم قادوا تلك المرحلة المهمة من تاريخ السينما مثل محمد هنيدي وكريم عبدالعزيز وأحمد آدم وهاني رمزي، ومحمد سعد وأحمد حلمي وأشرف عبدالباقي وياسمين عبدالعزيز وأحمد مكي .
ومن أفلامه الشهيرة "جاءنا البيان التالي" و"رشة جريئة" و"أسد وأربع قطط" و"طباخ الرئيس" و"عندليب الدقي" و"الثلاثة يشتغلونها" و"يا أنا يا خالتي" و"في محطة مصر"، و"إتش دبور" و"كده رضا" و"طير أنت" و"عسل أسود" و"حاحا وتفاحة" و"سيما علي بابا" و"اللمبي" و"خيال مآتة".
وفي الدراما التلفزيونية كان لطفي لبيب صاحب إبداعات متنوعة وشارك ضمن مسلسلات مهمة مثل "أرابيسك" و"أزمة سكر" و"حارة العوانس" و"تامر وشوقية"، و"مش ألف ليلة وليلة" و"عفاريت عدلي علام" و"عائلة زيزو" و"الأب الروحي" و"صاحب السعادة".
وبالنسبة إلى المسرح، فقد بدأ حياته الفنية في مسرحية "المغنية الصلعاء" وبعدها مسرحية "الرهائن" بالاشتراك مع الفنانة رغدة، من أشهر مسرحياته "الملك هو الملك" مع محمد منير وفايزة كمال، و"ليلة من ألف ليلة" مع يحيى الفخراني وهبة مجدي، و"طرائيعو" و"الشحاتين" و"حلو وكداب" و"الرهائن".
وإلى جانب نشاطه التمثيلي وموهبته المميزة كان لبيب مبدعاً في فن الكتابة، وله عدد من المؤلفات أهمها كتاب يحمل عنوان "الكتيبة 26"، وتناول فيه تجربته الشخصية خلال حرب أكتوبر من سبتمبر (أيلول) 1973 إلى فبراير (شباط) 1974، إذ كان مجنداً ضمن هذه الكتيبة التي كانت أول وحدة عسكرية عبرت القناة يوم السادس من أكتوبر واقتحمت حصون العدو، وكتبه بعد انتهاء الحرب بعامين.