تتزايد الحوادث الغامضة المتعلقة بتوقف روبوتات عن العمل، مما يثير أسئلة حول وعيها وإدماجها الأخلاقي، مع تصاعد دور الذكاء الاصطناعي في الحياة اليومية وضرورة تحديد حقوقه
أتراه تعثر أم تعمد السير إلى هلاكه؟ هذا هو السؤال الذي راود العاملين في المجلس البلدي لمدينة غومي الكورية الجنوبية في وقت سابق من العام الحالي عقب العثور على أحد زملائهم أسفل درج طوله مترين وهو فاقد للوعي ولا يستجيب.
سلط الإعلام المحلي الضوء على الحادثة فتساءل في عناوينه "لماذا أقدم الموظف الحكومي المجتهد على هذه الفعلة؟" و"هل كان العمل شاقاً؟"، كما انهمرت رسائل التعاطف مع العامل الراحل، وما زاد من اهتمام الناس هو أن الموظف ليس في الواقع سوى روبوت.
ويعتقد بعضهم بأن هذه هي أول حالة انتحار تسجل لروبوت - وبأن الجهاز ألقى بنفسه عمداً عن الدرج بعدما ضاق ذرعاً بالعمل. وأفاد الشهود بأنهم رأوه وهو يدور في مكانه قبل سقوطه بقليل، مما أثار تكهنات بأنه كان يعاني انهياراً نفسياً.
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
لكن إقدام الروبوت على قتل نفسه عمداً مرهون بتحليه بالوعي في المقام الأول. وصحيح أن هذا المفهوم موجود في الخيال العلمي منذ أكثر من قرن لكن لم يبدأ خبراء التكنولوجيا والفلاسفة بالتفكير الجدي في احتمالات حدوث هذا الأمر وتوقيته وكيفيته سوى خلال العقود الأخيرة.
ويعتقد جوناثان بيرش، أستاذ الفلسفة في كلية لندن للاقتصاد ومؤلف "على حافة الوعي: الأخطار والوقاية لدى البشر وحيوانات أخرى والذكاء الاصطناعي" The Edge of Sentience: Risk and Precaution in Humans, Other Animals, and AI، بأننا سنشهد قريباً ظهور ذكاء اصطناعي "بوعي ملتبس".
ويقول لـ"اندبندنت"، "ما أعنيه بعبارة ’وعي ملتبس‘ هو أن بعض الأشخاص سيكونون مقتنعين أيما اقتناع بأن رفيقهم [جهاز أو آلة أو برنامج] الذي يعمل بالذكاء الاصطناعي كائن يتحلى بالوعي ولديه بعدٌ داخلي غني، وسيغضبون عندما يرفض الآخرون هذا المفهوم. وفي المقابل، سيكون غيرهم مقتنعين تماماً بأن هؤلاء لا يشعرون بأي شيء بتاتاً".
ويضيف "لن يكون من اليسير تحديد من هو المحق بينهما لأن فهمنا بمسألة الوعي ليس متطوراً بما يكفي. وقد يؤدي ذلك إلى انقسامات اجتماعية حادة".
وفي سبيل الاستعداد لاحتمال كهذا، يدعو البروفسور بيرش شركات التكنولوجيا إلى أن تقرّ بهذا الخطر وتدعم الأبحاث الرامية إلى تحسين الفهم العلمي.
وتمحور الجدال الذي أثير في كوريا الجنوبية بعد هلاك الروبوت العامل حول إدخال الذكاء الاصطناعي والآلات إلى أماكن عمل البشر وإن كان من المفترض إعطاؤها الحقوق نفسها التي يتمتع بها زملاؤها من البشر.
وهذا السؤال مهم بصورة خاصة في بلد يتبنى الأتمتة بوتيرة أسرع من أي بلد آخر في العالم، إذ كشف تقرير صدر الشهر الماضي عن الاتحاد الدولي للروبوتات عن أن كوريا الجنوبية أصبحت أول دولة في العالم تستبدل أكثر من 10 في المئة من قواها العاملة بروبوتات. بينما تخطت دولة واحدة أخرى فقط خمسة في المئة.
وتتوافر للروبوتات وظائف في كل مكان في كوريا، بدءاً من مطابخ المطاعم ووصولاً إلى غرف العمليات. وترى الحكومة الكورية في الآلات الذكية طريقة لمعالجة أسوأ انخفاض لمعدلات الولادات في تاريخها مقابل التقلص السريع لأعداد السكان الذين لا يزالون في سن العمل. لكن موجة الروبوتات الضخمة فتحت الباب أمام تحديات جديدة تتعلق بطريقة التعامل معها وإدماجها.
حتى لو لم تكُن هذه الروبوتات تتمتع بالوعي ولا بإحساس بذاتها، فكثير من الأشخاص يعتبرونها كائنات شبه واعية تستحق معاملة فيها شيء من الاحترام وصون الكرامة. وبرز هذا الشعور بصورة خاصة من خلال ردود الفعل على فيديو انتشر العام الماضي وظهر فيه روبوت يهوي أرضاً فجأة أثناء تكديسه صناديق.
وقالت الشركة المصنعة للروبوت إن الأمر لا يعدو كونه عطلاً عادياً لكن الفيديو حصد ملايين المشاهدات فيما أخذ الجمهور يتساءل إن كان سلوكه ينم عن تحدٍ أو بسبب شعوره بالإرهاق. وكتب أحدهم "مرهق نفسياً مثل بقيتنا" فيما علق آخر بقوله "الذكاء الاصطناعي يستقل بقراراته وهذا يروق لي #إرادة_حرة".
منذ حادثة المجلس البلدي في كوريا الجنوبية، وقعت حوادث عدة لروبوتات بدا ظاهرياً أنها تحاول الانتحار.
والشهر الماضي، كان من المزمع عقد فعالية سميت "الإنسان ضد الآلة" وهي عبارة عن سباق بين سيارة تعمل بنظام الذكاء الاصطناعي وسائق بشري. لكن المسابقة لم تحدث لأن السيارة التي تعمل بالروبوت وجهت نفسها باتجاه الحاجز واصطدمت به في الطريق نحو خط الانطلاق. ومزح بعض المتفرجين بقولهم إن الذكاء الاصطناعي يفضل أن يُخرج نفسه من السباق بدلاً من المخاطرة بمواجهة مع سائق بشري لُقب في إحدى المرات بالـ"طوربيد" بسبب قيادته المتهورة.
أما بالنسبة إلى روبوت كوريا الجنوبية الذي انتهت به الحال أسفل الدرج، فهناك احتمال ثالث لما حدث له. وهو احتمال يبدو موظفو البلدية والإعلام مترددين في التطرق إليه: ربما دفعه أحدهم.
وكشف تقرير الاتحاد الدولي للروبوتات الأسبوع الماضي عن أن العدد الإجمالي للروبوتات حول العالم ازداد بأكثر من الضعف في غضون الأعوام السبعة الماضية. ومع تسارع هذا الاتجاه بالتوازي مع التطور في الذكاء الاصطناعي، سنظل نواجه سؤالاً حول أنجع الطرق للعيش والعمل إلى جانب نظرائنا من الروبوتات.
وباعتبارها الشركة الرائدة عالمياً في توظيف الروبوتات، قضت "أمازون" أكثر من عقد تعمل على طرق إدماجها في أماكن العمل. وتشكل الروبوتات أساساً ثلث اليد العاملة في عملاق المبيع بالتجزئة، بفضل توظيفه أكثر من 750 ألف آلة إلى جانب 1.5 مليون إنسان حول العالم.
وسُمح لبروتيوس Proteus، أول روبوت متنقل آلي بالكامل في الشركة، أن يتجول بحرية في مستودعات الشركة، خارج الأقسام المسيجة التي كانت الروبوتات محصورة فيها سابقاً. وحتم هذا الدور الجديد للروبوتات إلى جانب البشر التفكير ملياً في صناعة الروبوتات بالشكل الأقل إزعاجاً.
وقالت جولي ميتشل، وهي مديرة في قسم الروبوتات في "أمازون" وأسهمت في صناعة الآلة للصحافيين خلال جولة أخيرة في أحد مراكز تجهيز الطلبات "أردنا أن نجعل بروتيوس محبباً"، مضيفة "قمنا بأبحاث كثيرة حول هذا الجانب... سواء الوجوه والعيون التي وضعناها والأصوات التي تصدر عنه - كل هذا مصمم بغرض أن يجعله محبباً للناس".
مع تسارع وتيرة الاعتماد على الروبوتات بالتوازي مع التقدم في عالم الذكاء الاصطناعي، يبدو أننا سنواجه دوماً مسألة معنى وجود روبوت بين البشر - والعكس صحيح. ولا بد من أن يتسع نطاق النقاش الأخلاقي الجدي حول آلات الذكاء الاصطناعي ليشمل، إلى جانب الروبوتات القاتلة، انتحار الروبوتات.
© The Independent