تعود ممارسة التمارين الرياضية بفوائد كثيرة على صحة الجسم والعقل. مع ذلك، تشير دراسة جديدة أجراها مهندسون من معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا أن فوائد الرياضة قد تغطي نواحي جديدة من الصحة أيضًا، إذ بينت نتائج الدراسة أن الأنشطة الجسدية التي تعمل على تقليص العضلات تؤدي إلى تحرير إشارات بيولوجية تنتشر في جميع أنحاء الجسم، والتي قد تعزز بدورها عملية شفاء الخلايا العصبية التالفة.

عَلِم الناس بفوائد ممارسة التمارين الرياضية منذ زمن طويل، لكن العلماء لم يكتشفوا لسنوات طويلة بعدها التأثيرات الحقيقية لتقليص العضلات في أثناء الرياضة. يظن البعض أن الألياف العضلية قد تحرر نواقل كيميائية معينة خلال التمرين. أشار العلماء إلى تلك النواقل باسم (عوامل التمارين الرياضية) نظرًا إلى عدم معرفتهم بطبيعتها وآلية عملها بشكل كامل.

اكتشف الباحثون فيما بعد في عام 2000، أن العضلات الهيكلية تحرر الإنترلوكين 6، د أحد السيتوكينات المعروفة الذي غالبًا ما يرتبط عمله بجهاز المناعة. أشارت الدراسات اللاحقة إلى أن الإنترلوكين 6 وحده لا يمكن أن يتسبب بجميع تأثيرات التمارين الرياضية، طور العلماء من ذلك مصطلح (الميوكينات) ليشمل جميع العوامل التي قد يكتشفوها مستقبلًا وتملك تأثيرًا مشابهًا للإنترلوكين 6.

باتت قدرة العضلات على تحرير مئات الببتيدات المختلفة أمرًا واضحًا، لكن فهم التأثيرات البيولوجية لكل واحد منها سيستغرق الكثير من الأبحاث والدراسات.

يعلم الجميع على سبيل المثال، أن ممارسة التمارين الرياضية المناسبة بشكل منتظم تعود بالفائدة على الجهاز العصبي، وذلك من خلال مساعدتها للإنسان على تحسين مزاجه والتقليل من التوتر، لكن آلية تأثير الرياضة في كل خلية عصبية على حدة ما تزال مجهولة حتى الآن. هدف فريق من معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا إيجاد جواب السؤال السابق، وهو ما دفعه إلى إجراء الدراسة.

أتت فكرة الدراسة من بحث سابق نُشر في عام 2023 أجرته كبيرة المؤلفين ريتو رامان وزملاؤها، الذين تمكنوا من علاج الأذية العضلية لإحدى فئران التجربة من خلال زرع نسيج عضلي جديد وتنبيهه بشكل متكرر، أي بتمرين هذه العضلة. افترض الفريق أن النسيج العضلي الجديد بدأ بإنتاج الميوكينات، التي حرضت بدورها على شفاء الخلايا العصبية والدموية.

قالت الباحثة رامان في بيان لها: «ظن الجميع قبل هذه النتائج أن الأعصاب هي التي تتحكم بنشاط العضلات، مع ذلك تفاجأ فريق البحث بنتائج الدراسة التي أشارت إلى قدرة العضلات على الاستجابة والرد على تلك الأعصاب. بدأ الباحثون بعد ذلك بتحفيز العضلات بهدف تعزيز نمو الخلايا العصبية وشفاء المتضرر منها».

بعد ذلك، وفي تجربة جديدة، طور فريق البحث طريقة لتعزيز نمو الخلايا العضلية لتشكيل ألياف عضلية، دمجها الباحثون بعد ذلك مع بعضها لتكوين لويحات من النسيج العضلي الثابت بحجم العملة النقدية. أجرى الفريق بعض التعديلات الجينية على تلك الخلايا العضلية، التي نتج عنها تقلص الألياف العضلية باستمرار عند تعرضها للضوء، بهدف محاكاة حركة العضلات في أثناء ممارسة التمارين الرياضية.

بعد تقليص العضلات، أخذ فريق البحث عينات من السائل المحيط باللويحات العضلية السابقة لمعرفة ما إذا كانت تلك الخلايا تنتج الميوكينات أيضًا. وضحت رامان ذلك قائلة: «يستطيع المرء أن يتخيل الميوكينات على أنها السائل الكيميائي الحيوي الذي تفرزه العضلات، التي قد تعود بالفائدة على الخلايا العصبية أو قد لا تؤثر فيها أبدًا. تنتج العضلات الميوكينات وتحررها بشكل مستمر، لكنها تزيد من إنتاجها لها في أثناء ممارسة التمارين الرياضية».

وضع الباحثون بعد ذلك هذا السائل المليء بالميوكينات على خلايا عصبية محركة زُرعت بالطريقة السابقة ذاتها. لاحظ الفريق ازدياد سرعة نمو الخلايا العصبية بمعدل أربع مرات أكثر من السرعة الطبيعية، وذلك بعد إضافة الميوكينات عليها. أشارت الباحثة رامان إلى سرعة هذا التأثير أيضًا.

أظهرت نتائج التحليلات الجينية أن تطبيق الميوكينات على تلك الخلايا العصبية عزز الجينات المسؤولة عن نموها وطورها، بالإضافة إلى تقويته للوظيفة العصبية، ودعم نضوج الخلايا العصبية.

لا تقتصر ممارسة التمارين الرياضية على كونها عملية كيميائية فقط، فمن الواضح وجود قوة ميكانيكية تساعد على تقلص العضلات وارتخائها. ما يعني أن تمطيط المرء لعضلاته يؤدي في الحقيقة إلى تمديد جميع ألياف الخلايا العصبية المرتبطة بها.

حاولت الباحثة رامان وفريقها زرع مجموعة أخرى من الخلايا العصبية الحركية، لكنهم وزعوا في هذه الحالة مغانط صغيرة على سطوح العضلات. مرن الفريق بعدها العضلات مدة 30 دقيقة يوميًا، من خلال وضع مغناطيس خارجي على سطح العضلة وتحريكها إلى الأمام والخلف.

ساعد التمرين الخلايا العصبية على النمو بشكل أسرع وأفضل، وهو ما يشبه أيضًا نتائج تجربة تطبيق الميوكينات المباشر على العضلات.

قالت رامان في ذلك: «يعني ذلك أن الجوانب الكيميائية والحيوية والجسدية للتمارين الرياضية تؤثر بشكل متساوٍ في نمو الخلايا العصبية، وهو أمر جيد للغاية».

تشير دراسة أخرى غير مرتبطة بالموضوع السابق إلى أن الأدوية التي تحوي على الميوكينات قد تُستخدم يومًا ما كي تقدم للناس تأثير التمرين الرياضي بشكل حبة دوائية بهدف حماية الدماغ من الخرف المرتبط بالسن.

تتمنى الباحثة رامان وفريقها من خلال الدراسة السابقة تطوير طرق جديدة لعلاج الخلايا العصبية التالفة، ما قد يساعد بدوره على علاج الأشخاص المصابين بالأمراض العصبية التنكسية الأخرى مثل التصلب الضموري الجانبي. ينبغي إجراء مزيد من الدراسات في المستقبل لمعرفة معلومات أكثر حول النواقل الغامضة هذه.

أنهت الباحثة رامان كلامها قائلة: «تمثل هذه الأبحاث الخطوة الأولى في طريق فهم فوائد التمارين الرياضية بشكل أفضل وممارستها بمنزلة أسلوب من الأساليب العلاجية الطبية».

نشرت الدراسة في صحيفة Advanced Healthcare Materials.

اقرأ أيضًا:

فحوصات الدماغ تُظهر اختلاف بنى الخلايا العصبية لدى الأطفال المصابين بالتوحد

الوعي البشري قد يكون ناجمًا عن تشابك كمومي في الخلايا العصبية!

ترجمة: رهف وقّاف

تدقيق: نور حمود

المصدر

هل تساعد ممارسة التمارين الرياضية على شفاء الخلايا العصبية التالفة؟
أعلن في شمرا