يظهر أيضاً في سلوك المستخدم ما يسمى بـ"تأثير زيغارنيك" من خلال تشبث العقل بالمهام غير المكتملة، إذ يميل العقل البشري إلى تذكر المهام غير المكتملة أو المتوقفة بصورة أفضل من المهام المكتملة، ويرافق المهمة غير المنتهية توتر معرفي يدفع العقل لإبقائها نشطة في الذاكرة العاملة حتى يتم حلها.
يقع على عاتق غالبيتنا مهمة دائمة التجدد وهي مراجعة التبويبات التي نكدسها على المتصفح (ومعها القوائم والإشارات المرجعية)، ومحاولة استخراج محتواها بهدف إغلاقها وتقليل الفوضى الرقمية، إذ لم تعد هذه الفوضى مقتصرة على متصفح الكومبيوتر، بل امتدت إلى الإيميلات وسلال التسوق الإلكترونية ومعرض الصور، وحتى متصفحات الهواتف الذكية، هذا الكم من الاكتناز الرقمي ليس مجرد تسويف أو كسل أو فشل في إدارة الوقت والأولويات، ولا يقتصر الأمر على مجرد حب الاستطلاع، بل يعكس حالة نفسية أعمق.
لهذا التكديس دلالات عميقة على المستوى النفسي وتأثيرات ترخي بظلالها على مستوى الحياة العملية اليومية (أن سبلاش)
نقوم أثناء التصفح بفتح عشرات المقالات والفيديوهات والمنتجات في خلفيات جديدة كطريقة لتذكرها والعودة إليها لاحقاً بدلاً من قراءتها في الحال، ونشعر بالقلق من أن نغلق صفحة قد نحتاج إليها لاحقاً، خوفاً من عدم القدرة على العثور عليها مرة أخرى أو نسيان سبب فتحها أساساً. وهنا يعتمد المستخدم على التبويبات المفتوحة كبديل عن ذاكرته أو عن قوائم المهام، ليذكر الدماغ أن هذه المهمة لا تزال قيد التنفيذ، ما يخفف بصورة موقتة من القلق المصاحب لعدم إكمالها. وفي حين يعتقد البعض أنها مجرد عادة سلبية أو نوع من التسويف لا يمكن أن يتوسع تأثيرها لتشمل جوانب خارج هذا العالم الرقمي، إلا أن الحقيقة أن لهذا التكديس دلالات عميقة على المستوى النفسي، وتأثيرات ترخي بظلالها على مستوى الحياة العملية اليومية والقدرة على اتخاذ القرارات ودرجة صفاء الذهن. والحقيقة أنها علامة على عقل يعاني العصر الرقمي، يحاول يائساً السيطرة على تدفق المعلومات اللامتناهي والتعامل مع القلق الوجودي الناتج من الشعور بالتأخر عن الركب.
قد يكون الخوف من تفويت الفرصة أو ما يعرف بالـ"فومو" FOMO أحد الدوافع النفسية الأبرز وراء تكديس التبويبات، فالخوف من أن يفوتنا شيء والرغبة بالتعرف على المعلومات يجعل من الآمن حفظ الصفحات، حتى لو لم تكن مهمة بالنسبة إليك في هذا الوقت أو لن تضيف لنا شيئاً في إطار اهتمامنا الحالي، لكن فعل تكديس العلامات وإبقاءها مفتوحة تعطي إحساساً بالراحة وتجنب الألم من تفويت الفرصة أو الندم على عدم الاطلاع على المعلومات أو الشعور بعدم القيام بما يتوجب القيام به أمام المعلومات، إذ تحول هذا المفهوم، في العالم الرقمي، ليشمل الخوف من فقدان المعلومات، والـ"فومو" في سياق التصفح هو ذلك الشعور بالقلق والاضطراب الذي ينتاب الشخص عندما يعتقد أن الآخرين قد يحصلون على تجارب أو معلومات أو فرص قيمة، وهو غير موجود، إذ يعتقد الشخص أن هذه المقالة قد تكون المفتاح لفهم موضوع مهم، ولسان حاله يقول إن هناك شيئاً جديداً أو أفضل يتم اكتشافه، ويجب أن أكون أول من يعرف، أو قد أحتاج إلى هذه المعلومات لاحقاً ولن أتمكن من العثور عليها مرة أخرى.
وهناك تفسير آخر تقدمه لنا مغالطة الكلفة الغارقة، وهي آلية مضللة تمثل أي كلفة بُذلت ولا يمكن استردادها، سواء بالوقت أو الجهد المال أو العاطفة، وتظهر في سياق التصفح على صورة الوقت الذي قضيته في العثور على تلك الصفحة وقراءتها جزئياً، والطاقة العقلية التي بذلتها في معالجة المعلومات في تلك الصفحة، والحصة المحدودة من التركيز التي خصصتها لهذا المحتوى، إذ تقول لنفسك لقد قضيت 20 دقيقة في قراءة هذا المقال الطويل ولا يمكنني إغلاقه قبل إكماله، أو لقد بحثت بشق الأنفس عن هذه المعلومة لذا يجب أن أحتفظ بكل التبويبات.
فيبدو إغلاق علامة تبويب بعد قضاء وقت في البحث عن المصادر واكتشافها وتنظيم الصفحات إهداراً للوقت، في حين تخلق هذه المغالطة دائرة مفرغة بدءاً من فتح التبويب وقضاء وقت في قراءة المحتوى ثم الشعور بضرورة الاحتفاظ به بعد الاستثمار الجزئي فيه، وهكذا يستهلك التبويب المفتوح مواردك الذهنية، ضمن حلقة مستمرة من إضافة التبويبات الجديدة، الأمر الذي يزيد من الاستثمارات الغارقة المستقبلية.
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
في السياق ذاته يظهر أيضاً في سلوك المستخدم ما يسمى بـ"تأثير زيغارنيك"، من خلال تشبث العقل بالمهام غير المكتملة، إذ يميل العقل البشري إلى تذكر المهام غير المكتملة أو المتوقفة بصورة أفضل من المهام المكتملة، ويرافق المهمة غير المنتهية توتر معرفي يدفع العقل لإبقائها نشطة في الذاكرة العاملة حتى يتم حلها. لذا التبويب المفتوح هنا ليس مجرد صفحة ويب، فكل مقال لم تقرأه بالكامل وفيديو لم تشاهده ومنتج تفكر في شرائه وبحث لم تُنهه، يمثل مهمة عقلية غير مكتملة أو حلقة مفتوحة، لذا يعمل العقل على تخفيف التوتر المعرفي الناتج عن "تأثير زيغارنيك" من خلال جعل هذه المهام غير المكتملة مرئية باستمرار كنوع من التذكير المرئي.
من جهة أخرى يفسر نمط التفكير المتباعد جانباً آخر من ظاهرة تكديس التبويبات، فبالنسبة لأصحاب التفكير المتباعد، شاشة المتصفح المليئة بالتبويبات ليست فوضى، بل هي خريطة ذهنية حية تعكس طريقة عمل عقله، فالأشخاص الذين يميلون إلى نمط التفكير المتباعد يبحثون في مصادر عدة مختلفة تبدو أنها غير مترابطة في البداية، إلا أنهم يستطيعون إيجاد رابط بين هذه العلامات.
تبدو الأفكار لديهم في صورة شبكة وليست خطاً مستقيماً، وكل تبويب يمثل فرعاً جديداً من شجرة التفكير الرئيسة، وكل فرع يمكن أن يؤدي إلى فروع أخرى لاحقاً، لذا يشعره إغلاقها وكأنه يقطع مساراً إبداعياً محتملاً قبل أن تتاح له الفرصة للنمو.
ولكن قد يعاني أصحاب هذا النمط من التفكير تحديات في التنفيذ والإنجاز وصعوبة في إنهاء المشاريع، لأن مرحلة توليد الأفكار لا تتوقف أبداً، والإبقاء على التبويبات مفتوحة طريقة لتجنب المرحلة الأصعب وهي التنفيذ، وفي حين تشكل البيئة الغنية بالمعلومات بالنسبة لهم مصدراً لا ينضب للإلهام، فإنها تضعهم فريسة للتشتت، إذ من السهل أن ينحرف مسار البحث الأصلي إلى عشرات المسارات الجديدة.
ويتطلب حل هذه الإشكالية إعادة هيكلة عقلية، والمفتاح هو الانتقال من العقلية الجامعة إلى العقلية المنظمة، مع التركيز على الجودة بدلاً من الكمية في المعلومات وتقبل أنه لا بد من أن يفوتنا بعض المعلومات، واستخدام أنظمة تنظيمية خارجية مثل تطبيقات القراءة لاحقاً، وإضافات المتصفح الخاصة بإدارة التبويبات وتطبيقات تدوين الملاحظات، واستخدام مجموعات التبويب، المصممة أصلاً لأصحاب التفكير المتباعد، التي تمكّن من إنشاء مجموعة لكل فكرة رئيسة أو مشروع، وبهذا تتحول الفوضى إلى مكتبة مصنفة من الأفكار.
وأخيراً اتباع سياسة عدم فتح علامة تبويب جديده قبل إغلاق العلامة الحالية، مع التأكد من عدم فتح أكثر من أربع علامات تبويب تحت أي ظرف، والتحول من التخزين إلى التطبيق، بتدريب العقل على التطبيق الفوري للمعلومات، بدلاً من جمعها.