وفاة طبيعية تماماً بعد 28 كرباج وسلك كهربا: مذكرات جثة من ثلاجة الوطن

مرحباً، أنا الضحية رقم لم أعد أذكره، مواطن سوري سابق، ومعتقل بتهمة “خيانة، إرهاب، وهن أمة، فلول” حالياً، و”جثة مجهولة الهوية” لاحقاً يسعدني أن أعلن لكم من ثلاجة الموتى رقم 4، أنني توفيت قبل أيام وفاة طبيعية جداً، لا تستدعي القلق أو التحقيق أو حتى دقيقة صمت.

بحسب السلطات المختصة التي تعرف كل شيء، فإن سبب وفاتي لا علاقة له إطلاقاً بـ28 ضربة كرباج، ولا بسجائر مطفأة على ظهري، ولا بالتنكيل، ولا بوجودي على قيد الحياة عند دخولي السجن، لا، لا، السبب ببساطة يتنوع وفقاً للسلطة وخبرتها بالارتجال الجنائي.

على زمن النظام السابق، توفيت بجلطة قلبية وفشل كلوي، والحالي، توفيت بكامل إرادتي الحرة بعد أخذ جرعة مخدرات زائدة وضرب رأسي بالحائط حتى الموت، أما زميلي المعتقل لدى قسد فقد مات لأنه مدمن سابق لم يحتمل قلبه أكثر فتوقف، وزميلنا الآخر لدى فصائل السويداء، أصابه زهايمر وأخذ جرعة زايدة من دواء الضغط وهيك الله كاتبله، حظه ونصيبه.

ولأكون صريحاً، كل اللي شفتوه من آثار تعذيب كدمات، كسور، شق بالجمجمة، حروق، وبقايا شريط كهرباء محترق، هي كلها آثار جانبية طبيعية للمخدرات، مثل ما بتعرفوا من دروس الأحياء بصف السابع.

طبعاً، تم نقلنا فوراً إلى مستشفى ميداني تابع للجهة المعتقلة، وهناك تم التأكد من وفاتنا باستخدام أحدث وسائل الطب العدلي، “يا أخي ما عم يتنفس، زتو بالبراد”.

رفع أجور الاتصالات والانترنت في سوريا
وفاة طبيعية تماماً بعد 28 كرباج وسلك كهربا: مذكرات جثة من ثلاجة الوطن

وها أنا الآن، مرتاح البال، لا صوت في رأسي، ولا أسلاك في جسدي، ولا صراخ في أذني.. الموت فعلاً أرحم.

أخيراً، أود أن أشكر كل من ساهم في وفاتي السلمية ضابط الفرع، عناصر الدورية، الشاويش اللي نسيني مربوط لثلاثة أيام، العناصر يلي ضربوني ليحسسوني بألفة الاعتقال، وأوجه رسالة صغيرة للناشطين الحقوقيين: “لا توجعوا راسكم أنا كنت رح موت بكل الأحوال”.

مع تحياتي
جثة رقم “لم أعد أذكره”

أعلن في شمرا